اقتتال ثوار سورية.. "التغلب" هو الداء [1 - 3]

اقتتال ثوار سورية.. "التغلب" هو الداء [1 - 3]

20 فبراير 2017
كانت البداية من عند "الجولاني" (فرانس برس)
+ الخط -


لم يكن ينقص السوريين سوى الاقتتال بين فصائلهم الثورية المسلحة في طول البلاد وعرضها، كي يكتمل بؤس حالهم وسوء حظهم ومرارة معاناتهم، وهو اقتتال قلما أسفر عن مصلحة لثورة الشعب السوري.

إذا ما نحينا القتال مع "داعش" جانبًا باعتباره طرفًا معاديًا للثورة السورية من الجذور، ليس بحكم أيديولوجيته فحسب، بل نظرًا إلى طبيعته القابلة للتوظيف والاختراق، سنجد أن للاقتتال البيني داخل صفوف الثوار أسبابًا عديدة، تتلخص بشكل مركزي في سبب وحيد، هو علة العلل، ذلكم الداء هو الركون المعلن أو غير المعلن لدى بعض حملة السلاح إلى مبدأ "التغلب"، وهو ما يعني أن من يُخضع الآخرين ويغلبهم بقوته يحق له فرض سطوته عليهم وسلطانه، وما عليهم إلا الطاعة والاستسلام.

منذ البداية، كان التشرذم على شكل فصائل تتعاون اضطراريًا في الميدان وتتخاصم فكريًا وسياسيًا، ويرهن بعضها قراره إلى الدول الداعمة، آفة هذه الثورة ومشكلتها الرئيسية، وإن كان سبب الفصائلية والتعددية مفهومًا يومًا ما؛ فإنه لم يعد مقبولًا ولا مبررًا بعد تمايز المعسكرين وانكفاء قوات الأسد مبكرًا عن العديد من المناطق في شمال البلاد وجنوبها ووسطها، وكان هذا الواقع الأرضية الملائمة لتتشكل عوامل اشتعال أي اقتتال داخلي لاحقًا.

لكن رغم كل تلك الأجواء المواتية لاشتعال فتيل المواجهات بين بعض الفصائل، لاحظنا أن معظم حالات الاقتتال كان مردها إلى قرار أحد الطرفين المتقاتلين بحسم الخلاف مع الطرف الآخر بالقوة، مستندًا إلى وضع ميداني ممتاز ودعاية إعلامية فعالة تقدم رواية تحول العدوان إلى دفاع عن النفس والتغلب إلى تحقيق رغبة الشعب، في اجترار لسيناريو الانقلابات وصعود الديكتاتوريات العربية إلى السلطة وتسلمها مقاليد الأمور.

في الحقيقة، كان لجبهة "فتح الشام"، أو ما كان يعرف سابقًا بجبهة النصرة، وما بات يعرف حالياً بـ"هيئة تحرير الشام"، نصيب الأسد من صياغة هذا الفصل الأسود من عمر الثورة السورية، فعدوانها وبغيها طاول أكثر من 15 فصيلًا ثوريًا منذ اشتداد عودها حتى الآن، وكان فصيل صقور الشام آخرها، واستطاعت الجبهة التي يقودها أبو محمد الجولاني سحق معظم تلك الفصائل وإخراجها من الميدان تمامًا.

بدأ مسلسل طغيان القوة، أو "التغلب"، من جهة جبهة الجولاني مع فصائل من الجيش السوري الحر في إدلب عام 2014، أبرزها "جبهة ثوار سورية" بقيادة جمال معروف، عندما هاجمت النصرة مقارها على الحدود مع تركيا، تحت شعار مكافحة التهريب؛ فقد عرف هذا الفصيل بالعمل بتهريب المشتقات النفطية عبر الحدود مع تركيا. لكن الواقع أن أهداف جبهة أبو محمد الجولاني حينئذ كانت أبعد من مكافحة "إخوة المازوت" كما كانت دعايتها تسميهم؛ فعين الجولاني كانت دومًا على الثروات والمواقع الاستراتيجية، وليس سرًا أن خطْف الرهائن وطلب فدية بملايين الدولارات لإطلاق سراحهم كان ولا يزال مصدر ثروة طائلة أمدت الجبهة بعصب قوتها ومقدار غير قليل من جاذبيتها للمقاتلين السوريين. إذن؛ فالقضية ليست محاربة فساد أو فاسدين، ولا حتى مشاركتهم فسادهم، بل جهود متواصلة للاستفراد بالساحة، وذلك تدريجيًا وتحت عناوين مختلفة.

استطاعت "فتح الشام" أن تنهي "جبهة ثوار سورية" بالفعل وقتها. وليس سرًا، أيضًا، أن معظم الفصائل الثورية نأت بنفسها عن هذا الاقتتال، إن لم نقل إنها تواطأت مع قائد "النصرة" سرًا، على اعتبار أن معروف لم يكن أقل سوءًا في نظر بعضهم من الجولاني، وأيضًا نزولًا واستسلامًا لمتوالية المزايدات الدينية التي كانت تجعل بين الفصائل وجبهة النصرة حاجزًا شديد الارتفاع.

أتبعت جبهة الجولاني حركة حزم بـ "جبهة ثوار سورية"، فهاجمت مقار "حزم" في إدلب وحلب واعتقلت قادتها وسلبت سلاحها، تحت ذريعة تبعيتها للغرب مستندة إلى امتلاك الحركة لصواريخ "تاو" الأميركية، وأيضًا تحت ستار سلسلة من الاتهامات الأخرى التي ثبت زيفها لاحقًا باعتراف مقربين من النصرة. وهنا، مرة أخرى، كانت الحجة حاضرة لاستئصال فصيل لا يمكن إنكار بصمته في قتال النظام، ولكن كالعادة لم تكن الحجة سوى يافطة ترفع للرأي العام تغطي بها جبهة الجولاني مساعيها الحثيثة للتغلب على الجميع أيًا كانت خلفياتهم الفكرية والدينية والسياسية، والوصول يومًا ما إلى إمارة تثبت للسوريين والعالم نجاح الجولاني كشخص وفرض التعامل معه كرقم صعب لا يمكن تجاوزه.

المساهمون