المعتقلون في مصر.. "لحوم مجمّدة" في ثلاجة السيسي

المعتقلون في مصر.. "لحوم مجمّدة" في ثلاجة السيسي

16 ديسمبر 2016
أمام سجن طرّة (تصوير: خالد دسوقي)
+ الخط -

التفّتِ العائلة حول المدفأة، ودارت بين أيدي أفرادها كاسات الشاي، يرتدون جوارب مصنوعة من الصوف، وعلى النافذة تجمّعت الرطوبة على الزجاج لبرودة الطقس في الخارج، فقد وصلت إلى درجة 10 تحت الصفر، وقد تنخفض بحلول منتصف الليل. في الليلة نفسها تقاسم أربعة مساجين سياسين غطائين؛ واحد افترشوه تحتهم للنوم، والثاني تدثروا به متّخذين من أجسادهم المتجمعة مدفأة بشرية.

أشدّ السجون قسوة في فصل الشتاء، السجون العسكرية وسجون أمن الدولة، فقد حدثنا أحد المختفين قسريًا سابقًا، أن السجناء يموتون - بلا مبالغة - من شدّة البرد، ويحتاجون لدخول دورة المياه ولا يسمح لهم إلا مرتين في اليوم؛ واحدة في الصباح والثانية في المساء، إضافة إلى أن الأرض التي ينامون عليها من السراميك ولا توجد أغطية للتدفئة.


سرير خرساني
وفي سجن "العقرب" شديد الحراسة يُسمح باستعمال بطانية واحدة لكل سجين، والملابس التي تقدمها إدارة السجن مصنوعة من قماش "الخيش"، فلا تكفي لحفظ حرارة الجسم، ويباع طقم داخلي للتدفئة في مقصف السجن بأسعار مضاعفة، إضافة إلى أنها خفيفة لا تكفي للتدفئة، وينام مساجين "العقرب" على مصطبة مبنية من الخرسانة.

وتنتشر أمراض الشتاء بين المعتقلين بسرعة، فتظهر عليهم أعراض نزلات البرد وآلام والتهاب المفاصل، كما تظهر مضاعفات على مرضى الجهاز التنفسي والضغط بسبب سوء التهوية، وتنتشر على الجدران الفطريات بسبب الرطوبة العالية وتتساقط عليهم من السقف، وتنخفض درجات الحرارة في الزنازين لأنها تحت مستوى الأرض، ولوحظ ذلك أثناء الزيارات التي يقوم بها أهالي السجناء، حيث إن غرف الزيارة تقع بجوار الزنازين، ويشعر أهالي المعتقلين بانخفاض درجة الحرارة، بالإضافة إلى تسرب المياه داخل الزنازين في أيام المطر.

ويجتهد أهالي المعتقلين بإرسال أدوية البرد وحساسية الصدر، والحمى، والمضادات الحيوية، ولكن إدارة السجن ترسلها للصيدلية للكشف عليها وقد تصل أو لا تصل.

وبات مطلب أسر المعتقلين في فصل الشتاء مقتصرًا على توفير التدفئة، حيث تعترف أم عمر، زوجة أحد المعتقلين في سجن "العقرب"، بأنها تتمنى أن يقضي زوجها ليلة دافئة، ولا تعرف كيف يفعل ذلك بغطاء خفيف وطعام قليل، مشيرة إلى أن التدفئة في البيوت تكون بواسطة المدافئ الكهربائية والملابس الثقيلة، ولكن في السجن لا توجد وسائل تدفئة، فيصاب المعتقلون بالأمراض، على حدّ تعبيرها.

وأشارت أم عمر إلى أن زوجها في الشتاء الماضي عانى كثيرًا من التهابات المفاصل، فلم يستطع أن يفرد أصابعه أو يثنيها مرة أخرى، وطالبها بأدوية مفاصل وأدوية الزكام والحساسية والمضادات الحيوية.

ووصفت المتحدّثة "حيرتها" في الليالي الباردة على زوجها، التي تصل إلى حد أنها تُحرّم على نفسها الغطاء والتدفئة، وتعبر عن سخطها قائلة: "حُرم زوجي من الحرية فلماذا يُحرم من التدفئة وهي حق لكل إنسان، إذا مرّ كلب وفي حاجة للتدفئة وللطعام نعطيها له، فما بالكم بالإنسان".

وبعد "التجريدة" الأخيرة لسجن "برج العرب" بمحافظة الإسكندرية، انعدمت الزنازين من الأفرشة والبطانيات، وسُمح بعدها بغطاء واحد للزنزانة الواحدة، وعلى أثرها زادت أمراض حساسية الصدر والبرد. وفي زنازين أخرى أفضل وضعًا، يتقاسم 4 معتقلين غطائين واحد يفترشونه تحتهم والثاني فوقهم.


انتهاكات ضد الإنسانية
يؤكّد الحقوقي علاء عبد المنصف، الأمين العام لمؤسسة عدالة لحقوق الإنسان – JHR، أن أوضاع السجون المصرية بصفةٍ عامةٍ، متردّية، من حيث انتهاكات حقوق الإنسان للمسجونين، ولا توجد عليها رقابة، وتحدث بها انتهاكات كثيرة دون مُحاسبة أو مُساءلة، ولا يَكاد يخلو سجن من السجون المصرية من انتهاكات جسيمة تخالف القوانين والعهود والمواثيق الدولية.

وأشار المتحدّث إلى أن في مصر يوجد ما يزيد على (أربعين سجنًا بجانب 382 مقرًا للاحتجاز داخل أقسام الشرطة)، عدا عن السجون السريّة في معسكرات الأمن المركزي، وفرق الأمن التابعة لوزارة الداخلية، وداخل المقرّات العسكرية التابعة لوزارة الدفاع.

وأضاف أن السجون في مصر الآن أشبه بالمقابر، وفيها أعداد غير مسبوقة، تخطى عدد المعتقلين الآن أربعين ألف مواطن مصري، جميعهم مُحتجزون على ذمة قضايا سياسية في المقام الأوّل، وفق إجراءات قبض وتحقيق ومحاكمات مُخالفة للدستور والقوانين المعنية والمواثيق الدولية التي صدقت عليها مصر، على حدّ تعبيره.

وأكد عبد المنصف أن الانتهاكات المُتعلقة بالسجون في مصر الآن مُتشابهة، "كنَّا نظن سابقًا أنها تخصّ سجن طرة (العقرب) فقط؛ فلا يخلو سجن الآن من انتهاكات غير إنسانية، وآخرها ما يحدث في سجن برج العرب وسجن الوادي الجديد من انتهاكاتٍ كبيرة".

واسترسل قائلًا: "تزيد آلام المُحتجزين كلما دخل فصل الشتاء، بقساوة برودته، مع الإهمال المُتعمَّد من قبل إدارة السجون، والتنكيل بكافة المُحتجزين (السياسيين والجنائيين)، لأن تعاملهم يعتمد بشكل رئيس على العقلية الأمنية القمعية الباطشة، التي لا تلتزم بالقوانين ولا المواثيق الدولية"، مؤكدًا أن ملفّ مصر الحقوقي في المحافل الدولية سيئ جدًا، واطلعت جميع المؤسسات الرسمية – وبالأخص الغربية – على حجم هذه الانتهاكات المُفجعة التي تحدث من طرف الأنظمة الأمنية والقضائية في مصر الآن.

من جهتهم، أكد أهالي المعتقلين على ضرورة الاستمرار الدائم في المُطالبة بحقوق ذويهم، بكافة الطرق والوسائل القانونية المشروعة، والاستمرار في إرسال الشكاوى والبلاغات إلى جميع الجهات الداخلية المُختصّة، وكذلك عليهم تفويض إحدى المنظمات الحقوقية، لتقديم شكاواهم أمام المحافل الدولية المعنية، والاستمرار في النضال من أجل هذه الحقوق بشكلٍ ثابتٍ ومُستمرٍ، وهو ما سيُحقق النتائج المرجوة، لمنع إفلات مُرتكبي الجرائم والانتهاكات من العقاب، على حدّ تعبيرهم.

المساهمون