الفلسطيني أبو ناموس.. صرخة بلغة الصمت

الفلسطيني أبو ناموس.. صرخة بلغة الصمت

24 نوفمبر 2016
(محمود أبو ناموس)
+ الخط -

لا يبدو للوهلة الأولى عندما يقابله أحد أنه من فئة الصم، فهو كأي حالة تحاول الانخراط في المجتمع بشكل سلسل، يصطحب معه ابتسامة لا تفارقه، لكن ما إن تمضي بضع دقائق من الحديث مع محمود أبو ناموس، بالاستعانة بمترجم لغة الإشارة، حتى يتّضح أنه ليس شخصًا عاديًا من ذوي الإعاقة السمعية، فهو يتحدّث بشكل طلق وواقعي، ويبحر في الحديث السياسي وواقع الشباب، وأيضًا الديني والمجتمعي، إضافة إلى اهتماماته بمجال التدريب الشبابي وأهم ركائز تطوير القدرات.

هو شاب يبلغ من العمر 28 عامًا، لم يحظَ برعاية خاصة في بداية حياته، تراعي ظرفه كأي شخص من فئة الاحتجاجات الخاصّة، أصابته حمى شوكية حين كان يبلغ من العمر ستة أشهر، وبسبب خطأ طبي، تلقى الطفل حقنة تسببت في صممه، ولم يُكتشف إلا في عامه السادس، من طرف صديقة والدته، بعدما انتبهت إلى حركاته التي كان يقوم بها ليعبر عما يقول، وكان أهله يظنون أنها تصرّفات انطوائية.

طفولة صعبة
ولد محمود في أسرة كبيرة، يبلغ عددها اثني عشرة فردًا، مع ووالدته ووالده، كانت حياته عبارة عن محطات عديدة لأن ّإلى أن أصبح شابًا له دور في المجتمع المدني، من خلال التدريب والمشاركة في عدّة فعاليات مجتمعية، ويقول محمود في حديث إلى "جيل"عبر مترجم الإشارة سعيد رجب: "رغم كل الظروف التي مررت بها في صغري، إلا أنني كنت أؤمن أن علي الانخراط في في المجتمع والحصول على منصب شغل كبقية الشباب".

بعد أن اكتشاف حالة محمود، توجّه للدراسة في سن العاشرة بمدرسة الصم في مرحلتيها الابتدائية والإعدادية، وكان قبلها على مدار الأربع سنوات يلتقط الإشارات التي يعتمد عليها الصم عبر صديقة والدته "معلمة رياضيات لفئة الصم"، وبعد خمس أعوام من مرحلته في الابتدائية لاحظت عائلته تفوّقه في الدراسة وتميّزه، وحصد للمراتب الأولى في صفه في الأطوار التعليمية التي مرّ بها.

اتفقت إدارة "مدرسة أطفالنا" للصمّ،على منح محمد تزكية للمرحلة الثانوية، بعد اجتياز مرحلتين دراسيتين نظرًا لتفوّقه وإبداعاته، وانتقل بعدها لمدرسة الرفاعي الثانوية للصم، هنا يقول محمود " في تلك الفترة كان زملائي يرسبون في كثير من المواد نظرًا لعدم تأقلمهم مع المواد الدراسية وأيضًا عدم فهمهم لها بسبب عزلتهم عن المجتمع"، واستمر محمود إلى أن حصل على المرتبة بشهادة الثانوية للصم بمعدل 71.4%، وكان معه 10 طلاب فقط من الناجحين.


العدوان لم يدمّر طموحه
العدوان الأخير على عزة، كان له تأثير كبير على حياته كباقي العائلات الغزية، حيث دمرت طائرات الاحتلال منزل عائلته المكوّن من أربعة طوابق بالكامل، وكان محمود يملك شقة بهذا البيت، ويحلم أن يكوّن أسرة تساعده على مواجهة المصاعب.

ولا يزال محمود يستذكر ذلك اليوم مع جميع من يقابله وخصوصًا الفئة التي يدربها. في يومها استيقظ من نومه على هزّات أمه الساعة الخامسة، وخرج إلى الشارع ليرى الخوف على وجوه عائلته وجيرانهم، لكنه لا يسمع ماذا يقولون، لكن خوفهم وضعه في صورة أنه سيشاهد منزله يدمر أمام عينيه كما كان يحصل مع مئات الأسر وقتها، وبالفعل، دقائق قليلة، حتى حلّقت طائرات الاحتلال الصهيوني، ودمّرت المنزل بالكامل، وكان جسد يهتزّ من جرّاء القصف ولكنه لم يكن يسمع شيئًا.

بعد أن تشردت عائلة محمود خلال العدوان الصهيوني، قبعت في منزل للإيجار، وهي تحلم في بناء منزلها، يقول محمود " دمرت أحلامي وأنا أشاهد منزلي يدمّر، لكن أصررت على حلمي وبعد العدوان سجّلت في الجامعة الإسلامية تخصّص الإبداع الحاسوبي، وتدربت أكثر في مجالات مختلفة وزادت دوراتي التي نظمتها لعدد من الطلاب".


إصرار وتحدٍ
على مدار عامين، يدرب محمود عددًا من الفئات منهم، مهنيين في مؤسّسات المجتمع المدني، وطلاب جامعات، وأعضاء جمعية المستقبل للصم الكبار، وأيضًا في نادي الإعلام الجديد الفلسطيني، وجمعية الوداد للتأهيل المجتمعي، ويشغل منصبًّا قريبًا من الجسم الدراسي في جمعية المستقبل للصم الكبار.

عمل قبل التحاقه في الدراسة الجامعية في مذبح للدواجن مع والده، لكنه انتقل للعمل مع مؤسسات وجمعيات خيرية لتحقيق ما يطمح له، وعمل لمدة عام في النجارة يصمم "الإنتيكة" ويصنع "البراويز" و"التحف الخشبية" والأثاث.

لا يفوّت محمود أيًا من المؤتمرات الهامة لحقوق الإنسان، وخصوصًا للفئات المهمشة وشؤون تخصّ فئته، تلقى مشاركاته فيها تفاعلًا من الحاضرين والقائمين، ولا يتردّد لانتقاد الساسة أو القائمين على المشاريع، وفي كثير من ورش العمل والمؤتمرات انتقد الأسلوب التقليدي القائم على المشاريع الخاصّة بفئته، وعدم الوصول الجدّي لهم، لكنه يعلّق على ذلك "سأصّر على الوصول والتحدّث عن معاناتنا ليتفهم الجميع أخطائه، ويغير تعامله معنا".

يطمح محمود الاستمرار في عمله في مجال التدريب، ودعم فئات الصم على العمل، حاملاً شعار "العمل بدون علم لا يطعم الخبز"، ويسعى خلال الاندماج في عدد من المؤسسات لأن يُعلّم أكبر عدد ممكن لغة الإشارة، ليصبح المجتمع قادرًا على التعامل مع فئة الصم لإعطائهم الثقة ويخرجوا من عزلتهم، وأن يتقلّد منصبًا كبيرًا يمثل خلاله هذه الفئة ويحمل رسالة هؤلاء للعالم.

المساهمون