معالم الجسد السايبري: أجساد من كلمات (3 - 5)

معالم الجسد السايبري: أجساد من كلمات (3 - 5)

05 يوليو 2017
+ الخط -

يحضر النص الإيروتيكي أو الجنسي بوصفه عنصرًا مهامًا في دراسات الجنسانيّة، ولا نقصد فقط النص النقدي أو التاريخي، بل النص ذو المحتوى الجنسي أيضًا؛ إذ إن "فعل القراءة" أو "فعل الكتابة" في حد ذاته يتحول إلى تقنية للوصول للذة، حيث تتنوع هذه النصوص "الجنسيّة" وأشكالها، خصوصًا تلك التي تم تبادلها شخصيًا، كالمراسلات والتخيلات الذاتيّة وغيرها.

حاليًا، أخذت هذه النصوص شكلًا آخر وفرّته التكنولوجيا الحديثة عبر التواصل النصي الآني عبر الشاشة، لنكون أمام نصوص آنية التوليد تختزن فضاءات ووضعيات الجسد السايبري في سبيل أغلمته، وهي تختزل بالمصطلح "sexting" وهو مزيج بين كلمتي "نص" و"جنس" عبر وسيلة تبادل آنية للرسائل. هذا النوع من الاتصال الجنسي له عدد من الميزات والآليات المرتبطة به كفعل جنسي لا تواصليّ.



البناء الاصطلاحي للغَلَمة
تنطلق هذه الصفة من كون اللغة في النهاية نظام علامات مشفّر، يمتلك ناصيته كل من المرسل والمتلقي، لتتحول الرموز النصيّة إلى معادلات عن الأنشطة الجسديّة، سواء عبر بناء السياق الواقعي أو المتخيّل واجترار المنيّ في سبيل النشوة؛ إذ لابدّ من خبرة لغويّة يمتلكها كل من "المُمارِسين" في سبيل الانزياحات الدلاليةّ نحو عوالم اللذة، سواء كانت هذه اللغة متداولة أو أدبيّة. مع ذلك، تحافظ اللغة على وظيفتها الاتصالية كونها تحيل إلى مرجعيات جسديّة في النهايّة.

هذه الممارسات اللغويّة تتيح لنا الجسد الحي سايبريًا بصورة سيميائيّة، عبر التحكم بتدفق السرد والحوار في سبيل بناء الإيقاع الجنسي وضبط التفاصيل لتفعيّل المتخيل، وكأننا أمام عملية تشاركيّة بين اثنين كلاهما يساهم ببناء نفسه والآخر في ذات الوقت، إلى جانب تفعيل العوامل الصوتيّة المرتبطة بالأحرف والكلمات، في سبيل محاكاة لغوية وصوتيّة لأصوات الجسد واحتكاكه وتأوهاته، لكن كون العمليّة نصيّة، فلا يمكن التأكد من رد فعل الآخر؛ فمن السهل فصلها عن الواقع واعتبارها مجرد كلمات من دون معادل جسدي واقعي، أي من الممكن للجسد السايبري أن لا يتطابق "لذوّيًا" مع الجسد الفيزيائي.


التجسيد السايبري
يتيح الاتصال النصي الجنسي عبر الشاشات إعادة تكون اللحم الفيزيائي على الشاشة بصورة سايبرية،  ليكتسب مهارات وقدرات قد لا يحويها الجسد الفيزيائي، إلى جانب تفكك مفهوم الجسد بالمفهوم الاجتماعي، إذ يتيح الجسد السايبري إعادة تعريف الجسد وخلق أدوار جديدة سواء فانتازية أو متخيلة عبر الكمات التي "تجسّد" اللحم على الشاشة؛ فالجسد السايبري يتيح انتهاك الجسد الاجتماعي ومرجعياته الجنسيّة؛ إذ يمكن للكلمات ذاتها أن تعيد تعريف جسد الشخص نفسه، لا جسد الآخر فقط؛ إذ لم يعد أسير الفضاء الفيزيائي "الزمان والمكان"، إلى جانب غياب الحواجز المرتبطة بالوجود الفيزيائي و ظروف "الجنس"، ما يترك للكلمات حريّة البناء دون أي حدّ أو قيد، هي فرصة من الحريّة لبناء جسد وقدرة جنسيّة لا متناهية وسياقات خاصة لا تنتمي إلا لمن يقوم بالاتصال ذاته، وهذه الفرصة قد لا تتوفر أبدًا "واقعيًا"، وهي فرصة لتحرير الجسد من قيود اللحم نحو احتمالات وفضاءات لامتناهية يخلقها التبادل السيميائي الذي تتيحه اللغة.



ميوعة الجسد
ترتبط هذه الميوعة بغياب التجربة الإمبريقيّة الجنسية  للجسد السايبري، وهذا نتيجة ميوعة مفهوم "الذات" إثر غياب الجسد الفيزيائي، لكن لا يعني انتفاء أهميته في التأسيس للاتصال والفعل الجنسي السايبري، خصوصًا أنه من ستقع عليه النتيجة النهائية المتمثلة بالرعشة، إلا أن حضوره الظاهري يتبدل ليتحول إلى ما يشابه قيمة رمزيّة، ليتحول إلى حضور رمزيّ، يكون فيها حيًا وفعالاً فقط ضمن الفضاء السايبري وضمن شرط التفاعل؛ أي أن يتم تلقيه من قبل الآخر والاشتراك في تكوينه، وبصورة أدق to be seen، فلا بد من وعي من قبل الطرفين بحضور الجسدين السايبرين ليتم الدفع إلى الأمام، لنكون أمام جسد فيزيائي يمتّع ذاته بصورة قد تتطابق مع ذاك السايبري، أو بصورة فقيرة بحيث يقتصر على الاستمناء، في حين أن الجسد السايبري أكثر حيوية ويمكن التنقل بين أجزائه نصيًا.


الكتابة الأدائيّة
تلعب الجملة اللغوية في هذا السياق دورًا مغايرًا عن الدور التقليدي، "نقل المعلومات"، بوصفها تمتلك خواص أدائيّة؛ إذ تعيد تعريف الجسد السايبري ظاهراتيًا عبر إكسابه وضعيات جديدة، كحالة الأفعال الأدائيّة، التي لا تشير إلى حقيقة أو كذب، بل إلى وضعية جديدة وتعريفات جديدة، بحيث ينتقل الجسد السايبري من حضوره التبادليّ إلى الصيغة المؤغلمة، كون الجملة تصف فعلًا أو تضيف صفة جديدة.

وفي الحالة المثالية، فإن الأفعال الأدائية المستخدمة في التواصل الجنسي النصي يُحتفظ بها ضمن الذاكرة السايبرية، ويبقى تأثيرها حاضرًا ضمن العملية التواصليّة، بوصفها جزءًا من بناء الفانتازم. وفي حالة التورط التام بالعملية، تنعكس تأثيراتها على الجسد الفيزيائي، خصوصًا أن الذاكرة النصية التي تختزنها الأجساد السايبرية التي تبنيها النصوص يمكن استرجاعها كونها محفوظة ضمن الـlog، أشبه بتاريخ شخصي لهذه الممارسات، كحالة آثار القبل والخُدوش الناتجة عن الجنس الحقيقي.


 

المساهمون