"مزارع الـلايك" في فيسبوك.. محاصيل الإعجابات الوهمية

"مزارع الـلايك" في فيسبوك.. محاصيل الإعجابات الوهمية

20 يوليو 2017
+ الخط -

أصبح الفيسبوك المنفذ الإعلاني المفضل لكثير من الشركات حول العالم. فكلما كان هناك منتج جديد يحتاج إلى اختبار أو خدمة جديدة، تحتاج لأن يعلن عنها حدث بحاجة للترويج، فإن العديد من المؤسسات والشركات تتجه إلى فيسبوك لنشر أخبارها وجديدها.

وليسمح الفيسبوك لهذه الشركات بفعل هذا، فهو يتيح للمستخدمين إنشاء صفحات مخصصة لمواضيع محددة. يمكن للزوار بعدها "الإعجاب" بالصفحات، ومن ثمَّ تلقي التحديثات من تلك الصفحات، وكذلك التواصل مع الآخرين ذوي الاهتمامات المشتركة. ويعد عدد الإعجابات مقياسًا هامًا لشعبية الصفحة، وهناك مكانة كبيرة وبرستيج للصفحات التي تجمع عددًا كبيرًا من الإعجابات.

وهنا قمة استفادة الفيسبوك، فهو يسمح للشركات بترويج صفحاتهم باستخدام الإعلانات التي تستهدف مجموعات معينة من المستخدمين الذين قد يكونون مهتمون في المحتوى. فمن الممكن، على سبيل المثال، استهداف جمهور باهتمامات مُحددة أو جمهور يعيشون في الولايات المتحدة وهلم جرّا. وهذه الإعلانات هي المصدر الرئيسي لدخل فيسبوك.

عل كل حال، هناك طريقة أخرى للترويج وجمع الإعجابات على فيسبوك. ففي السنوات الأخيرة، ظهرت صَنعة جديدة وازدهرت بشكل كبير، وتقوم بشكل رئيسي على بيع الإعجابات مقابل المال. وتعمل هذه الخدمات المدفوعة على تضخيم صفحات فيسبوك القائمة على "مزارع الإعجابات" Like Farms التي تقوم بتوليد "الإعجابات" على الطّلب. وحاليًا، لا نعرف الكثير عن هذه الخدمات أو كيف يتم توليدها. ولا أحد متأكد على وجه الخصوص، ما إذا كانت هذه الإعجابات تأتي من بوت آلي أو من عمال بشريين يتقنون هذه الحرفة مقابل المال.

في هذا التقرير، سيقدم إميليانو دي كريستوفارو من كلية لندن الجامعية وبصحبة عدد من الزملاء من جميع أنحاء العالم أول تحقيق منهجي في طبيعة مزارع الإعجابات وكيفية عملها. وقد كان النهج في التحقيق مباشرًا؛ حيث قاموا بإنشاء ثلاثة عشرَ صفحة على فيسبوك باسم "كهرباء افتراضية Virtual Electricity" ومن دون أي محتوى. وفي وصف الصفحة لكل الصفحات، وضعوا: "هذه ليست صفحة حقيقية، لذا أرجوك، لا تضغط إعجاب".

وبعدها، قاموا بعمل إعلانات ممولة عبر فيسبوك لخمس صفحات من الثلاثة عشر صفحة، مستهدفين جماهير من الولايات المتحدة وفرنسا والهند ومصر ومن كل دول العالم، لكل صفحة جمهور حسب الترتيب. وبلغت ميزانية الإعلانات ستة دولارات يوميًا لتصل إلى ما مجموعه 90 دولارا لمدة 15 يومًا.

وفي نفس الوقت، استعملوا أربع "مزارع إعجاباتٍ" لترويج الثماني صفحات الباقية. وهذه المزارع كانت موقع "Boostlikes.com" وموقع "SocialFormula.com" وموقع "MammothSocials.com" وموقع " AuthenticLikes.com". وبواسطة هذه المزارع، تم استهداف جمهور من جميع أنحاء العالم أو من الولايات المتحدة. وكلّفت هذه المواقف ما بين 70 دولارًا حتى 190 دولارًا أميركيًا مقابل 1000 إعجاب في الـ 15 يومًا التي جرى فيها التحقيق.

جدول (1 - 3)



ثم قام الفريق بقياس النشاط على كل صفحة على مدى الأيام الـ 22 التالية باستخدام إحصائيات الفيسبوك الخاصة، وعن طريق استخلاص المعلومات العامة من الصفحات الشخصية للمُعجَبين، وأيضًا قاموا بدراسة قائمة الإعجابات لهؤلاء المُعجبين وكذلك قوائم الأصدقاء.

كانت نتائج التحقيق مُجدية وكشفت عن الكثير. بداية، قامت دي كريستوفارو وبرفقة الفريق بتحليل قدرة إعلانات فيسبوك الأصلية على جذب الإعجابات من أنحاء مختلفة من العالم. نتج عن الإعلان الذي كان موجهًا للولايات المتحدة 32 إعجابًا، حيث انقسمت الإعجابات بالتساوي تقريبًا بين الرجال والنساء، والغالبية العظمى منهم كانوا يقيمون في الولايات المتحدة. فِي حين نتج عن الإعلانات الموجهّة للهند ومصر أكثر من 500 إعجابٍ في كل صفحة من الصفحتين، وكان كل المعجبين تقريبًا من الهند ومصر. ونتج عن الإعلان الموجه لفرنسا 44 إعجابًا، مُعظمهم مقيمون في فرنسا. ومن المثير للدهشة، أن الإعلان الذي كان موجهًا لجميع أنحاء العالم نتج عنه حوالي 500 إعجاب، وكانوا كلهم تقريبًا من الهند!

بعد هذه العملية، قاموا بتحليل ملفات الشخصية للمُعجبين أنفسهم. كان لدى المعجبين عدد أصدقاء أكثر من 300 بالمتوسط، وهو متوسط عدد الأصدقاء الطبيعيين لأي حساب على فيسبوك، ولكن الاختلاف أن هؤلاء المعجبين كانوا قد أعجبوا ما بين 600 لـ 1000 صفحة أخرى، وهو بالمقارنة أمر غريب، حيث أن متوسط الإعجاب العالمي لأي مستخدم على الفيسبوك هو 40 صفحة. بمعنى، أن الصفحات التي تمت إنشاؤها لغرض التحقيق قد جذبت ذاك النوع من المعجبين الذي يميل للإعجاب بكل صفحة يجدها على فيسبوك، وليس المعُجب العادي المهتم.

جدول (2 - 3): يشرح العلاقات بين المعجبين من عينة بحثية أخرى


لقد كان المعجبون من مزارع الإعجابات غريبون بشكل ما، وليسوا مثل مستخدمي الفيسبوك العاديين. ففي الوقت الذي كان فيه عدد الإعجابات عن طريق إعلانات الفيسبوك العادية يزيدُ تدريجيًا وعلى وتيرة بطيئة، زادت إعجابات المزارع مرة واحدة وبشكل مفاجئ.

بالنسبة لموقع AuthenticLikes، فقد ارتفع العدد إلى 700 مُعجبٍ خلال الساعات الأولى ومرة واحدة، وبعدها لم يزد عدد المعجبين ولا حتى معجب واحد. وأفاد الفريق بأن التفسير المرجح لهذه الظاهرة هو وجود بوت Bots إنترنت تقوم بإدارة عدد كبير من الحسابات الوهمية. والغريب هو عدم قيام فيسبوك بالتعامل مع مثل هذه الحسابات ومثل هذه الإشكالية التي تسبب العديد من المشاكل.

يقول الفريق إن هناك أدلة على أن بعض المزارع قد عملت بشكل معقّد أكثر بهدف محاكاة مستخدمي الفيسبوك الحقيقيين لأكبر حدٍ ممكن. مما يجعل وظيفة مراقبة مثل هذه الحسابات والتخلص منها أمرًا صعبًا. ويختلف أصحاب هذا الحسابات عن أصحاب الحسابات العادية، فهم على سبيل المثال، يميلون للإعجاب بالكثير من الصفحات (بين 800 إلى 1800). وشرح الفريق، بأن الأمر المثير للغرابة أكثر، هو أنهم قد كتبوا على الصفحات بأنها صفحات غير حقيقية وطلبوا من الناس عدم الإعجاب بها، ولكن الإعجابات أتت سواء من إعلانات الفيسبوك الممولة أو من إعلانات مزارع الإعجابات، وهو ما يعزز وجهة النظر التي تقول بأن جميع الإعجابات كانت إعجابات وهمية.

وهذا هو ما يجعل هذه الدراسة مثيرة للاهتمام، على صغر دائرة بحثها. حيث كانت أول دراسة نعرض النشاط وراء مثل المزارع لأول مرة، وخلصت إلى أن العديد من الإعجابات التي تم تحقيقها باستخدام هذه الطرق هي إعجابات وهمية. وما يبعث على القلق أيضًا، أن نوعية المعجبين الذين تجتذبهم إعلانات الفيسبوك الأصلية تختلف عن نوعية مستخدمي الفيسبوك العاديين، وهو ما يثير السؤال الكبير: "من أين يأتون؟" للإجابة على هذا السؤال، شاهد هذا الفيديو:

وفي الناهية، أراد الفريق أن يؤكد أن كلامهم لا يعني بالضرورة أن إعلانات الفيسبوك الممولة ليست فعّالة، لأن دراستهم في المقام الأول هدفت إلى استبعاد المستخدمين الحقيقيين، ولكن، وفي نفس الوقت، يثبت عملهم بأن المعجبين الذين جاؤوا بناءً على إعلانات فيسبوك الأصلية (الشرعية) كانوا يختلفون كثيرًا عن مستخدمي الفيسبوك العاديين.


(لتحميل الدراسة)

المساهمون