سرجيو لفنسكي.. الملاعب معابد جديدة (1 – 2)

سرجيو لفنسكي.. الملاعب معابد جديدة (1 – 2)

29 مارس 2017
(سرجيو لفنسكي/ فيسبوك)
+ الخط -

مقابلة أجراها الصحافي لوي مارتينيز مع سرجيو لفنسكي، أحد كبار الكتّاب في كرة القدم، وقد ألّف كتابًا عن مارادونا من بين كتب أخرى.

لوي مارتينيز : يجنح بعض المثقفين إلى مقارنة كرة القدم بالظاهرة الدينية، لقدرتها على الحشد وعلى إثارة النشوة في النفوس. فيتحدّثون عن الأموال المتداولة في هذا المجال، وعن العنف الذي تولّده هذه الرياضة. يقولون إنها أفيون جديد للشعوب، وإنها أداة سياسية للتسلية، وسبب آخر للتفرقة الاجتماعية، فأية علاقة تقيمها بين ديناميكية كرة القدم وتحويلها إلى سلعة؟

سرجيو لفنسكي : من الجليّ أنه في هذه المرحلة القصوى من الاحترافية المفرطة، أصبحت كرة القدم صناعة مثيرة، تشفط كل شيء، وتتمتّع بمكانة شبه دينية. بلا أدنى شك، فإن أزمة القيم والمعتقدات تترك مكانًا في كرة القدم كي تولّد انتماءً خاصًا، انطلاقًا من التمثيلية التي يوفّرها قميص أو نادِ يُمكن الانتماء له. بوسع المرء النظر إلى الملاعب كما لو أنها معابد جديدة حديثة. حتى طريقة رَفع الكأس بعد النصر شبيهة بطَقس ديني.

إن فكرة خوض مباريات أسبوعيًا، بل عدّة مرّات أسبوعيًا، وفكرة أن اللاعبين هم شباب وحقيقيون، تخلق نوعًا خاصًا من التوافق معهم. يبدو لي أن كرة القدم فرضت نفسها أسلوبًا للحياة بعد أن كانت وسيلة تسلية.

في بلاد كثيرة، لا سيّما في أميركا اللاتينية، كرة القدم بند محوري في الأجندة اليومية. الأرجنتين، بلدي، تستخدم كرة القدم كمحور أساسي في الثقافة الشعبية، فهناك استعارة لتعابير كثيرة من الكرة في الحياة اليومية.

وفضلاً عن ذلك، ففي أميركا اللاتينية، أو أفريقيا، أو آسيا، خلال كأس العالم، تُعلَّق الاختبارات في المدارس والجامعات، وتوقَّف المواصلات العامة والعروض.

في بلاد كثيرة، نجحت كرة القدم في أن تكون الوسيلة الرئيسة للارتقاء الاجتماعي. فَكرة القدم تساعد على الهرب من نظام ظالم، وأحيانًا على أن يصير المرء مليونيرًا، بل وممثلًا عن شعبه، وأن يحصل على شهرة عالمية بفضل الإعلام. لحظة تفاقم هذه الظاهرة بدأت بكل تأكيد مع تزاوج كرة القدم والتلفيزيون.

لوي مارتينيز : الأمر الذي لا يخلو من مفارقة أن مفكّرين على شاكلة إدواردو غاليانو، أو مانويل فاثكيث مونتالبان، أو ألبير كامو، أو بيير باولو بازوليني، أو روبرتو فونتاناروسا، وغيرهم، يقولون ليس فقط بالطابع الجمالي لكرة القدم، ولكن أيضًا بجانبها المُزَعزِع. أُفكّر بالنقابات الأولى في الأرجنتين، في زمن الدكتاتورية العسكرية : أيّ دور لعبته الأندية؟

سرجيو لفنسكي : بكل أسف، فالديكتاتورية العسكرية في الأرجنتين (وأنا أعني الأخيرة، لأنه منذ 1930، كانت هناك ديكتاتورية لكل عقد) استفادت من كرة القدم لتحويل الانتباه عن المجازر التي كانت ترتكبها.

ينبغي القول إنه قبل انقلاب 1976، وقع الاختيار بالفعل على الأرجنتين لتكوين البلد المنظّم لكأس العالم 1978؛ وبالتالي، كان يجب التحكّم في هذا التنظيم، بتواطؤ من الإعلام وباللجوء إلى الرقابة على الصحافة الأجنبية، لإظهار وجهٍ مزيّف للسعادة الشعبية بهذا النجاح الرياضي؛ إلى حد أن الديكتاتورية، كي تستخدم كرة القدم كتجارة رمزية، ضمنت لنفسها السيطرة على اتحاد الأرجنتين لكرة القدم؛ وبما أن مسؤوليه كانوا معتادين على الفساد، فذلك لم يكن صعبًا. نعرف مثلًا العلاقات التي ربطت الآدميرال كارلوس لاكوست، الرجل القوي المتحكّم في كرة القدم آنذاك، بنادي ريفر بليت، أو تلك التي ربطت الجنرال غويلرمو سوارز ماسون بنادي أرجنتينو جونيورز. وبالمناسبة، فقد تمّت ملاحقة هذا الجنرال قضائيًا بسبب ارتكابه جرائم ضدّ الإنسانية.

المساهمون