أنتونان آرتو إلى مديري المصحّات النفسية: دعونا نضحك

أنتونان آرتو إلى مديري المصحّات النفسية: دعونا نضحك

31 اغسطس 2017
(آرتو، تصوير: هنري غوتمان)
+ الخط -

[قضى آرتو (1896 - 1948) الكثير من سنوات حياته في المصحات العقليّة قبل أن يفارق الحياة عام 1948 في عيادة نفسيّة في ضواحي باريس. خلال تنقله بين المصحات، تعرض للعلاج بالصعق الكهربائيّ لتخفيف أعراضه الهذيانيّة، وبالرغم من إصابته بسرطان القولون في آخر حياته، يُقال إن موته كان نتيجة جرعة زائدة من محلول مخدر.

نشرت مجلة "الثورة السوريالية" التي يترأس تحريرها أندريه بروتون، في العدد الثالث عام 1925، رسالة كتبها أرتو إلى مديري المصحّات العقلية، ينتقد فيها استخدامهم القسوة والعنف ضد النزلاء. رأى السورياليون في جنونه و"لغته" وسيلة لرفض المنطق بوصفه لغة الإبداع الخالصة، وكانت رسالة أرتو تعبيرًا عن الموقف الرسميّ والمؤسساتيّ المناهض للجنون.]


رسالة إلى الأطباء الذين يديرون مصحات الأمراض العقليّة
السادة المحترمين
يسمح لكم القانون والعرف بتقييم عقول البشر، أنتم موكلون بممارسة هذه السلطة الهائلة، على هواكم ووفق أرائكم. لذا دعونا نضحك. فسذاجة البشر المتحضرين والعارفين ورجال الحكومة، تمنح الطب النفسيّ هالة نورانيّة فوق طبيعيّة لا ندري ما مصدرها؛ فأنتم تكافؤون على ممارسة مهنتكم مقدمًا.

نحن لا ننوي أن نناقش مدى صلاحيّة وقيمة علمكم هذا، أو مدى صحة وجود الأمراض العقليّة. لكن سنناقش مئات الادعاءات التشخيصية التي قمتم بها والتي من دون وعي تخلطون بها بين العقل والمادة، إلى جانب مئات التصنيفات، والتي فقط، تلك الغامضة منها هي التي ما زالت صالحة للاستخدام. لكننا نسأل، كم من المحاولات النبيلة تمت في سبيل فهم عوالم العقل التي يحيا فيها العديد من سجنائكم؟

مثلًا، من منكم يرى أن الأحلام الفصامية والهذيانيّة والصور التي تطارد النزلاء هنا ليست أكثر من مجرد كلمات مشوشة وفوضويّة؟

لن نُفاجأ إن وجدنا أنكم أدنى من أن تُؤدّوا وظيفة القليل من مهامها فقط معدّةٌ سلفًا. إلا أننا نعترض بشدة على ممارسات بعضكم -سواء كانوا منفتحين أم لا- ضد الآخرين؛ إذ يقومون اعتباطيًا، إثر تشخيص أمراض البعض، بسجنهم مدى الحياة.

وأي سجن! فجميعنا يعرف –أو يعرف قليلًا- أن المصحات العقلية هي أبعد ما تكون عن المصحّات، هي سجون وحشيّة، حيث يقوم نزلاؤها بتقديم أعمال مجانية ومسخّرة لكم؛ فالوحشيّة هي القاعدة هناك، وكل هذا تحت أنظاركم وبموافقة منكم. فالمصح العقلي بحجة العلم والعدالة، أشبه بثكنة، أو زنزانة، أو سجن للأعمال الشاقّة.

لن نتحدث عن السجن الاعتباطي، لنوفر عليكم الوقت لاختلاق الأعذار لإنكار ذلك، لكن علينا أن نقول إن عددًا كبيرًا من المقيمين في المصح، أي المجانين وفق التعبير الرسمي، تم احتجازهم بصورة اعتباطيّة. ونحن نعترِض على أي تدخّل بالتطور الحرّ للهذيان، فهو طبيعي ومنطقيّ كشكل من أشكال تطور الأفكار والأفعال الإنسانيّة.

إن قمع ردود الأفعال اللااجتماعية مبدأ غير مقبول، فكل الأفعال الفرديّة هي أفعال ضد المجتمع. المجانين، هم قبل كل شيء، ضحايا الديكتاتورية الاجتماعيّة، ونحن باسم الفردانيّة التي هي حقّ للإنسان، نطالب بتحرير هؤلاء المحكومين بسبب حساسيتهم العاليّة. ونقول لكم إنه لا يوجد قانون قويّ بما فيه الكفاية لحبس كل من يفكّر أو يتصرف. ومن دون التشديد على الصفات المميزة للتجليات التي تصيب بعض المجانين، وعلى إعجابنا بها، نؤكد أن إدراكهم الخاص للواقع صحّي وشرعيّ بصورة كاملة، كذلك كل الأفعال الناتجة عنه.

حاولوا التذكر غدًا أثناء جولاتكم، وأنتم تحاولون الحديث معهم من دون أن تفهموا لغتهم، أنكم لا تمتلكون سوى نقطة واحدة في صالحكم، ألا وهي القوّة والسلطة.

المساهمون