هل تتعافى رئتا المُدخّن بعد الإقلاع عن التدخين؟

هل تتعافى رئتا المُدخّن بعد الإقلاع عن التدخين؟

09 يوليو 2017
(مركز العلوم، لوس أنجليس، تصوير: آن كوزاك)
+ الخط -
لدخان السجائر الكثير من التأثيرات على الجسم والرئتين والمسالك الهوائية من المواضع الأشد تضرّرًا. قال الدكتور نورمان إيدلمان، أحد كبار المستشارين العلميين لدى جمعية الرئة الأميركية وأخصائي الطب الرئوي: "يمكن للرئتين أن تتعافيا إلى حدّ معين، بعد الإقلاع عن التدخين".

بمجرّد أن يستنشق شخص المواد الكيميائية الموجودة في دخان السيجارة، تصبح البطانة الرقيقة للرئتين مُلتهبة ومُهتاجة. بعد أن يدخن الفرد بساعات عدة، تُبطئ الشعيرات الدقيقة "الأهداب" المُبطنة للرئتين من حركتها التي تشبه حركة الفرشاة، ما يجعلها مشلولة مؤقتًا وأقلّ كفاءة في إزالة المخاط ومواد أخرى مثل جسيمات الغبار من المسالك الهوائية.

تُعد زيادة ثخانة المخاط وإفرازه تَغيرًا ملحوظًا آخر في رئتي المُدخّن، لأن الأهداب لا يمكنها كنس المخاط خارج الرئتين بسرعة تعادل سرعة تكوّنه، فيحدث أن يتراكم في المسالك الهوائية ويسدها ويؤدّي إلى السعال. يمكن أيضًا أن يسبب تراكم المخاط حالات عدوى رئوية، مثل التهاب القصبات المُزمن (التهاب الشعب الهوائية المزمن).


كيف تتعافى الرئتان؟
قال إيدلمان: "عمومًا، يمكن أن تتراجع التغيرات الالتهابية الحادثة للرئتين عندما يُقلع الأشخاص عن التدخين". كما قال "بصيغة أخرى، يتضاءل التورّم الموجود على سطح الرئتين والمسالك الهوائية، وتفرز الخلايا الرئوية مخاطًا أقل". وأضاف "يمكن نمو أهداب جديدة، والتي بدورها تكون أفضل في إزالة الإفرازات المخاطية".

سيلاحظ الأشخاص المٌقلعون عن التدخين عند ممارسة الرياضة خلال الأيّام إلى الأسابيع التالية لتوقفهم عن التدخين أنهم يشعرون بضيق في التنفّس بدرجة أقل، وسبب حدوث ذلك ليس واضحًا بدقّة، لكن جزءًا منه يتأتى من خروج أحادي أكسيد الكربون من الدم. يُمكن لهذا الغاز الموجود في دخان السجائر التعارض مع نقل الأكسجين، لأن أحادي أكسيد الكربون يرتبط بخلايا الدم الحمراء بدلًا من الأكسجين. ربّما يفسّر ذلك شعور بعض المدخّنين بعُسر التنفس.

يقل الالتهاب في بطانة المسالك الهوائية للمقلعين عن التدخين ويُعد ذلك سببًا آخر لتحسن عملية التنفس لديهم؛ وذلك لأن البطانة لم تعد عُرضة للمهيجات الكيميائية للدخان. ويوفّر التورّم المتضائل مساحة أكبر لتدفق الهواء عبر الممرّات الهوائية.

قال إيدلمان: "ومن المفارقات أن المدخن السابق قد يسعل في أثناء الأسابيع القلائل الأولى بعد الإقلاع عن التدخين أكثر من سعله حينما كان يدخن. لكن ذلك أمر جيد؛ فهو يعني أن أهداب الرئة أصبحت نشطة مرّة أخرى، ويمكن لتلك الشعيرات الدقيقة نقل الإفرازات المخاطية الزائدة من الرئتين إلى المسالك الهوائية ونحو الحلق، حيث يمكن لفظها خارجًا"، موضحًا أن "السعال هو إزالة المواد المخاطية اللزجة الموجودة في الرئتين وتنظيفهما منها".

إن انخفاض خطورة الإصابة بسرطان الرئة، هي إحدى الفوائد الأخرى للإقلاع عن التدخين. كلما مرّت مدّة أطول على الشخص بدون تدخين، انخفضت خطورة إصابته بسرطان الرئة، وعلى الرغم من ذلك فإن الخطورة لن تختفي تمامًا. على سبيل المثال، وفق مراكز مكافحة الأمراض واتقائها، فإن احتمالات الإصابة بسرطان الرئة لمدخّن سابق توقف عن التدخين منذ عشرة أعوام تكون حوالى نصف احتمالات إصابة شخص مُدخّن بالفعل. لكن يظل المدخّن السابق عُرضة للوفاة من سرطان الرئة أكثر من شخص لم يُدخّن مطلقًا.

ليست كل التغيرات قابلة للإصلاح
إن الجسم يجيد للغاية إصلاح بعض الضرّر اللاحق بالخلايا والأنسجة الرئوية جرّاء التدخين، لكن ليست الأضرار جميعها قابلة للإصلاح.

فنسبة الضرر اللاحق بالرئتين وبالتدهور الحاصل في وظائفهما مرتبطة مباشرة بعدد علب السجائر التي عادة يدخّنها الشخص يوميًا مضروبًا في عدد السنوات التي دخن فيها، كلما كان عدد علب السجائر المُدخَنة خلال سنة أكبر، زاد احتمال إصابة الرئتين بأضرار لا يمكن تداركها.

وعلى الرغم من أن الرئتين تحظيان بطرق لحماية نفسيهما من الضرر، فإن هذه الدفاعات تقلّ مع التعرّض طويل الأمد للمواد الكيميائية الضارّة المُستنشقة من السجائر. ومن ثم، يصبح نسيج الرئة ملتهبًا ونَدْبِيًّا جراء التدخين، ولذا تفقد الرئتان المرونة وعدم قدرتهما على تبادل الأكسجين بكفاءة.

يمكن للتدخين طويل الأمد التسبّب في مرض النفاخ الرئوي، أحد أنواع داء الانسداد الرئوي المزمن (COPD). تدمّر هذه الحالة جزءًا من الرئتين معروفاً باسم الحويصلات الهوائية، حيث تحدث عملية تبادل الأكسجين وثنائي أكسيد الكربون. يشعر المصابون بالانسداد الرئوي المزمن بضيق النفس وصعوبة في عملية التنفس.

بمجرّد أن يصل الضرّر اللاحق بالرئتين لمرحلة "النفاخ الرئوي"، يضعف قوام جدران الممرّات الهوائية ومرونتها، مما يتعذّر معه دفع جميع الهواء خارج الرئتين. هذه التغيرات التي تحدث للرئة هي تغيرات دائمة ولا يمكن تداركها.

باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي، علم العلماء مؤخّرًا أن الضّرر اللاحق بالمسالك الهوائية المرتبط بالنفاخ الرئوي يبدأ بعد سنوات قلائل من بدء التدخين، على الرغم من أن أعراض المرض قد لا تظهر حتى 20 إلى 30 عامًا في المستقبل.

قال إيدلمان: "لكن لم يفت الأوان بعد للإقلاع عن التدخين، والتوقّف في أي عُمر بإمكانه مساعدة الأشخاص على التنفّس أفضل وزيادة متوسط أعمارهم المتوقع".



المساهمون