من بطاقة الهوية إلى صورة الصفحة الشخصية (1- 2)

من بطاقة الهوية إلى صورة الصفحة الشخصية (1- 2)

26 ابريل 2017
(عمل لـ دالي، تصوير: دانييل لِيال أوليفاس)
+ الخط -

منذ زمن بعيد، والإنسان يتفحّص صورته في المرايا، ثم في الشاشات. اليوم، انعكاس صورة الإنسان هذه تكرر نفسها بلا نهاية لمُضاعفة، وتشكيل، وتخيّل، ثم أخيرًا لتقديم ذات أخرى. لطالما اعتُبِر البورتريه نوعًا فنيًّا متواضعًا، ولكنه أصبح اليوم كُليّ الحضور بشكل يومي، بدءًا من التصوير الفوتوغرافي التقليدي، ثم التصوير الرقمي، وصولًا إلى "السيلفي selfie"، سهل المنال للجميع، في متناول أياديهم.

هذا التطور الملحوظ للصورة يولّد تعريفات جديدة للهويّة، ولتمثيلات الذات أمام الآخر، ولتمثيلاتها أمام ذاتها نفسها، وأمام الشاشة. جاب البورتريه، والبورتريه الذاتي، تاريخ الفن بقواعد تمثيلية أُعيدَت صياغتها اليوم، بل قُلبت تمامًا. فصورة الذات تتطور وتنتشر مُتبعةً التطورات التقنيّة. وبالتالي، عدّل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي معنى البورتريه.

وفي ما وراء المظهر، فإن المحتويات التي تُنشَر على فيسبوك تكون حاملةً لسردية ما. فالمستخدم يحكي قصته على صفحته الشخصية على "كتاب الأوجه" (فيسبوك).

تُضفي صورة الصفحة الشخصية وجهًا كما لو أنها قناع يفتح مجال الممكن.
"لا أشبه سوى صور أخرى لي، وذلك إلى ما لا نهاية. كل أحد هو نسخة من نسخة، حقيقية كانت أو ذهنية (يمكنني القول إنه في بعض الصور أتحمل نفسي، أو لا أتحملها، حسبما أجد نفسي متوافقًا أم لا مع الصورة التي أريد أن أقدمها عن نفسي". رولان بارت، "الغرفة المضيئة: تأملات في الفوتوغرافيا".

هذا القناع الرقمي، الذي لا ينفك يتكرر، هو أقرب إلى مشابهة الواقع منه إلى الصورة الزائفة. إنه مكان التمثيل، الفضاء الذي تهب الـ "أنا" فيه نفسها للآخر. في جوهرها، تغيّر الفوتوغرافيا مَن في الصورة، إذا ما أردنا أن نستعيد صيغة رولان بارت في 1979: "لا أكُفّ عن محاكاة نفسي".

إن وضع اتخاذ الصورة، حتى وإن كان مقتضبًا، يولّد حتمًا ميزانسين mise en scène لِذاتِ مترددة بين هذا الذي أظن أنه أنا، وذاك الذي أرغب في إظهاره أمام الكاميرا أو، حاليًا، أمام الهاتف الذكي.

توجد صورة الصفحة الشخصية في ثنائية أو في تركيب بين التظاهر والظهور، بين التقديم والتمثيل، بين الباطني والظاهري.

كما هو واضح، صورة الصفحة الشخصية المثالية تلك صُممت من أجل الآخر. يبدو البورتريه إذن وكأنه صورة-أيقونية، فالذات تنفصل عن نفسها كي تتحول إلى غرض أمام أنظار الآخر.

في حين تصدّق بطاقة الهويّة على الذات وتوثّقها، فإن صورة الصفحة الشخصية تعرِض شخصيةً، وأحيانًا شخصًا. هذا التأرجح أصبح مصدر إلهام للعديد من الفنانين الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي كمواد إبداعية.

المساهمون