الراب في الساحة العربية.. أيدولوجيات متناحرة (3 - 3)

الراب في الساحة العربية.. أيدولوجيات متناحرة (3 - 3)

25 مارس 2017
+ الخط -

في عصر "الربيع العربي"، لم يعد الزمن زمن استشراق لورنس العرب، بل وقت لورنس E-rabia، وفقًا لمقولة الباحث غريغ بوريس؛ أيّ وقت التعليقات عن هؤلاء الشباب الثوريين الذين يرعبوننا عندما ينتفضون في ضواحي مدننا. ولكنهم، في بلادهم العربية، يطمئنونا عندما يرتبطون بالممارسات الرقمية مثل أجهزة الموسيقى والآيفون والتابلت إلخ.

وهي إشارة يُضفى عليها معنى سياسي، أن الشاب العربي المتمرد المستخدم للشبكات الرقمية هو مُنتَج جيد، وهي "صورة" تبيع بشكل جيد ما إن تضعها الحملات الإعلانية في المشهد: لم تُطوى صفحة الثورة حتى استفادت منها الصناعات الإبداعية لتنتج لها كليبات (مثل ميريام كلينك، مودل لبنانية تنادي بالثورة) أو حملات إعلانية (كوكاكولا وبيبسي بشكل خاص، اللذان يدعمان ثوار مصر).

يجب أن يُعَدّل كل شيء من أجل إخفاء أيّ شيء يضايقهم. فيخترعون فن راب مثالي، رائع، للدخول في السردية الكبرى لصراع الحضارات، بشرط أن نغض الطرف عن التفاصيل التي تعكر صفو هذه اللوحة. فمغني الراب العربي يجب إذن أن يكون شابًا، ثوريًا، وبالضرورة علمانيًا. والدليل على ذلك، إن كان ثمة حاجة لدليل، هو اللعنة التي تطلقها السلطات الدينية الجديدة التي تخيفها هواء الحرية. الصورة جميلة، بل ومطمئنة، ولكنها جزئية للغاية.

في العالم العربي، لا يمكن أن يُخلَط الراب مع هذه الساحة الموسيقية "المثالية" التي يتواجه فيها "المتمردون الجيدون" مع "الإسلاميين الأشرار". وعلى شاكلة ما نراه بالخارج، في عالم مغنيي الراب الأميركيين مثلاً، فالعالم الذي يعيش فيه مغنيو الراب العرب هو عالم معقد ومليء بالتناقضات.

من بين المقترحات الموسيقية التي يفضّلها حاليًا الشباب العربي، يمكن أن نذكر "الراب الإسلامي"، لأنني لم أجد تسمية أفضل من هذه؛ وهو راب يلبّي المعايير الاجتماعية السياسية والجمالية المتعلقة بمثل هذا النوع من الأعمال، ولكنه يموضع نفسه إيديولوجيًا، بوضوح، إلى جانب القوى التي تدّعي أنها معارضة إسلامية.

هذا النوع من الراب حاضر بقوة على شبكات التواصل الاجتماعي، بل بالأحرى "الآندرغراوند" للهرب من القمع الذي يضرب مثل هذا النوع من التعبير السياسي في دول عديدة في المنطقة. وتشاء الظروف أن تجعل "الراب الإسلامي" يكسب المزيد والمزيد من الظهور.

في تونس مثلاً، ومع وصول حكومة إلى الحُكم يقودها حزب النضهة، وبشكل أعم، إعادة تنظيم الساحة السياسية بما يتناسب مع علاقات القوى الجديدة هذه، قد أعطى مزيدًا من الحضور لمثل هذه الظاهرة على الساحة العامة. فخلال الحملة الانتخابية الأخيرة، رأى الجميع مغني راب محلي، وهو بسيكو إم، يُحيي غنائيًا بعض اجتماعات انتخابية للحزب الإسلامي الذي سيفوز في الانتخابات بعد ذلك.

بلا أدنى شك، فإن مغني الراب الشاب هذا الذي لم يتردد في الغناء، على خلفية الله أكبر، في الاجتماعات السياسية لحزب النهضة، لهو بعيد تمامًا عن الانضمام لابن بلده "الجنرال" في القوائم السنوية للمجلات العالمية.