استغلال الحج [3/5]...وكالات سياحية غير معتمدة تخدع الجزائريين

استغلال الحج [3/5]... وكالات سياحية غير معتمدة تخدع الجزائريين

09 اغسطس 2019
توعية غير كافية بالإجراءات القانونية للراغبين في الحج بالجزائر(Getty)
+ الخط -

يأمل الستيني الجزائري محمد شكرود، باسترجاع أمواله، من مالك وكالة للسياحة بمحافظة ميلة شمال شرقي الجزائر، بعد أن نصب عليه بتأشيرة حج، دفع مقابلها 530 ألف دينار جزائري (4430 دولاراً أميركياً) في 1 يوليو/تموز 2018، كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفاً أن مالك الوكالة احتال على 100 شخص آخرين كانوا ينوون الحج في الموسم الماضي، وهو ما يؤكده لـ"العربي الجديد" عبد العزيز بوعبيدي مفتش بمديرية السياحة بمحافظة ميلة، مشيراً إلى أن صاحب الوكالة قدم عروض الحج عن طريق مرشدة دينية معروفة، عززت الثقة لدى الناس.

ويعد شكرود واحداً من 159 حاجاً تعرضوا للاحتيال من قبل وكالات الأسفار غير المعتمدة قانوناً خلال مواسم الحج الثلاثة 2016 و2017 و 2018 بحسب تأكيد إلياس سنونسي رئيس نقابة وكالات السياحة الجزائرية، والذي قال لـ"العربي الجديد" إن ثلاث وكالات، مارست النصب على الحجاج في مواسم الأعوام الثلاثة الماضية، مضيفاً أن نشاط هذه الوكالات برز بالتزامن مع موسم الحج، لاستقطاب أكبر عدد من الزبائن الشغوفين لزيارة بيت الله الحرام، الذين لم يسعفهم الحظ في قرعة الحج.

الاحتيال على الحالمين بالحج

يتراوح سعر تأشيرة الحج في بعض وكالات الأسفار غير المعتمدة بين 700 ألف دينار  و(توازي 5851 دولاراً)، و900 ألف دينار (7523 دولاراً)، بخلاف الوكالات النظامية، التي حددت سعر التأشيرة بـ 565 ألف دينار (4722 دولاراً) وفق تأكيد مدير عام الديوان الوطني للحج والعمرة التابع لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، يوسف عزوزة لـ"العربي الجديد".

وتلجأ بعض الوكالات غير المعتمدة من قبل الديوان الوطني للحج إلى مواقع إعلانية عبر الانترنت مثل موقع واد كنيس (الرائد في الاعلانات محلياً) والذي يظهر وجود 5 وكالات في بلديات باب الزوار، وبرج الكيفان ودالي إبراهيم بولاية الجزائر، وبئر توتة غربها ومنطقة الرغاية شرقها، وهي "تكبير، السفرية ترافل، ادريسي، معاتقة، والريان"، تعرض خدمات الحج خلال موسم الحج هذا العام، "رغم أنها وكالات غير معتمدة قانوناً، لكن ملاكها يستغلون غياب الرقابة، للقيام بالنشاط المشبوه" بحسب سنونسي.

وتواصل معد التحقيق مع ثلاث من تلك الوكالات، هي "تكبير، الريان، وادريسي"، متسائلاً عن إمكانية التسجيل فيها لحج هذا الموسم؟، فكان، رد وكالة تكبير أنهم أتموا العمل هذا الموسم بعد جلبهم لتأشيرات مجاملة للزبائن. فيما ردت وكالة الريان بالقول: "نحن نتكفل بكل شيء، وما على الحاج سوى جلب شهادة طبية ودفتر الفحص، بعدها بإمكانه التنقل معنا".

وجاء الرد من وكالة ادريسي: "نتكفل بحجز التذاكر والغرف، ولا يوجد إشكال، كوننا غير معتمدين، فنحن نجمع الزبائن ونتعامل مع وكالة معتمدة اسمها بال ترافل"، والتي أكدت بدورها على تعاملها مع وكالة ادريسي، فضلاً عن تعاونها مع وكالات أخرى لجلب الزبائن، وهي من تبرم العقود مع الزبائن بمن فيهم الحجاج وفق معد التحقيق.

لكن مراد مواقي بناني مدير مجموعة الزعاطشة للسياحة (وكالة معتمدة) يقول لـ"العربي الجديد" إن الوكالات غير المعتمدة لا يمكنها الحصول على تأشيرة المجاملة، لأنها تُمنح لكبار الشخصيات والمسؤولين في البلد فقط، ولا تمنح للناس العاديين.

وحول احتمال بيع تأشيرة المجاملة من قبل مسؤولين، قال بناني: "بحكم تجربتي في تنظيم الحج لا يمكن ان يُتاجر بتأشيرة المجاملة، لأن فيها كل تفاصيل الشخص المعني وصورته على جوازه البيومتري"، وهو ما يؤكده بوعبيدي، مشيراً إلى وجود وكالات تدعي قدرتها على جلب تأشيرة مجاملة، لكنها تتحايل بطريقة عملها في كسب ثقة الزبون من خلال تقديم وعود للذين يخفقون في قرعة الحج، وبمجرد أن تُمنح لها أموال يختفي أصحابها.


تنظيم عمل وكالات الأسفار
 

بلغ عدد الوكالات المعتمدة 42 في موسم الحج للعام 2019، و44 وكالة في موسم حج العام الماضي وفق الموقع الرسمي للديوان الوطني للحج والعمرة، وهو ما يؤكده عزوزة، داعياً الحجاج إلى التعامل مع الوكالات المعتمدة التي نشرت أسماءها في الموقع الرسمي للديوان، لتجنب فخ النصب، إذ أن بعض الوكالات المتحايلة تعمل على أساس الثقة، وبعد تحصيل الأموال تختفي كما يقول.

وتم سحب تراخيص 14 وكالة أسفار في محافظات البليدة غرباً وقالمة شرقاً والعاصمة في العام 2018، بسبب عدم احترام دفتر شروط تنظيم الحج لموسم العام الماضي والإخلال بالتزاماتها تجاه معتمرين بحسب عزوزة، مشيراً إلى أن أنه شُرع منذ العام 2008 في انتقاء عدد محدد للوكالات لتنظيم عملية الحج.

وتنص المادة 12 من دفتر شروط تنظيم الحج والعمرة للعام 2019 على أن "تحرم وكالة السياحة والأسفار ومسيرها من تنظيم العمرة لمدة سنتين إذا أطرت معتمرين أو حجاجاً بغير ترخيص من طرف الديوان الوطني للحج والعمرة".

وجاء هذا القانون للحد من نشاط الوكالات المتحايلة والعاجزة عن تقديم خدمات جيدة، إلا أن ذلك لم يمنع بعض الوكالات لعرض خدمات الحج رغم عدم اعتمادها كما يقول عزوزة، ويقول رئيس النقابة الوطنية لوكالات السياحة والأسفار، إن اختيار الوكالات يخضع للجنة متعددة القطاعات، تضم وزارات "المالية والخارجية والسياحة والشؤون الدينية والنقل" وتعتمد معايير جودة الخدمات وحسن السيرة وعدد الحجاج الذين تقدر كل وكالة التعاقد معهم.

ويقدم الفائز بقرعة الحج السنوية لدى المصالح الإدارية، في محل اقامته لإيداع الملف الخاص بالحج والذي يتكون من "بطاقة الإقامة، شهادة الميلاد نسخة من شهادة المراقبة الطبية بطاقة فصيلة الدم، نسخة من وصل تكلفة الحج، وجواز السفر و 6 صور شمسية بخلفية بيضاء" وفق الموقع الرسمي للديوان الوطني للحج والعمرة. في حين تتكفل الوكالات غير المعتمدة بجلب تأشيرات مجاملة بملف "جواز السفر، شهادة ميلاد، صورتين شمسيتين" ما يثبت أن إجراءات العمل غير متطابقة بين الوكالات الرسمية وغير المعتمدة وفق ما وثقه معد التحقيق.


محتالون في السجن

تشترط الوكالات التي تمارس النصب على الجزائريين الراغبين بالحج، تقديم تسبيق مالي وفق ما وثقه معد التحقيق مع 3 جزائريين تعرضوا للخداع من وكالة للسياحة، ومنهم الأربعيني موسى عبد العزيز (من محافظة ميلة) الذي دفع لصاحب الوكالة 470 ألف دينار جزائري (3928 دولاراً) من مبلغ التأشيرة الإجمالي 870 ألف دينار (7272 دولاراً)، لكنه يقول إنه تقدم بشكوى مقيدة برقم 2345/2018 في 12 أغسطس 2018، وتمت إعادة ماله من الوكالة، وهو ما فعلته الخمسينية يمينة شكرود التي تقدمت في نفس اليوم بشكوى مقيدة، رقم 2235/2018 بعد أن دفعت مبلغ 540 ألف دينار جزائري (4514 دولاراً) لصاحب وكالة مخادعة، لكنها ما زالت تنتظر عودة المال الذي دفعته للوكالة كما تقول.

وينتظر محمد رياض بوستة الذي تقدم ببلاغ رقم 2278/2018 في 13 أغسطس 2018، ضد صاحب وكالة مخادعة، ماله المقدر بـ 530 ألف دينار جزائري (حوالي 4430 دولاراً) التي دفعها للوكالة التي أصدرت محكمة الجنح بميلة في 19 أغسطس/آب 2018 حكماً بسجن صاحبها والمرشدة الدينية لمدة أربع سنوات سجناً، وإعادة الأموال التي أخذها من ضحاياه بحسب تأكيد عبد العزيز بوعبيدي.

وتنص المادة 22 من قانون القواعد التي تحكم نشاط وكالة السـياحة والأسـفار رقم 06-99 الصادر في 4 إبريل/نيسان 1999، على أنه "يمنع كل شخص طبيعي أو اعتباري غير حائز على رخصة الاستغلال المحددة بموجب هذا القانون أن يتخذ صفة وكيل سياحة وأسفار بأي شكل من الأشكال" وفق ما أوضحه لـ"العربي الجديد" زوبير سفيان المدير العام للسياحة بوزارة السياحة التي تنظم عمل الوكالات، وتنص المادة 372 من قانون العقوبات على أن "كل من توصل إلى استلام أو تلقي أموال أو منقولات أو سندات أو تصرفات أو أوراق مالية أو وعود أو مخالصات أو إبراء من التزامات أو إلى الحصول على أي منها أو شرع في ذلك، وكان ذلك بالاحتيال لسلب كل ثروة الغير أو بعضها والشروع فيها إما باستعمال أسماء أو صفات كاذبة أو سلطة خيالية أو اعتماد مالي خيالي أو بإحداث الأمل في الفوز بأي شيء أو في وقوع حادث أو أية واقعة أخرى وهمية، أو الخشية من وقوع أي شيء منها، يعاقب بالحبس من سنة على الأقل، إلى خمس سنوات على الأكثر وبغرامة من 500 إلى 20 ألف دينار".

وتكيّف العدالة قضايا النصب على الحجيج على أساس كونها جنحة، بحسب تأكيد نجيب بيطام أستاذ القانون بجامعة باتنة الحكومية شرقي الجزائر، مشيراً إلى أن الضحايا من حقهم تقديم شكاوى لتباشر العدالة إجراءات الحساب.


التوعية لا تكفي

تُجرى في محافظات الجزائر، حملات لتوعية الحجاج بطريقة الحج وبالإجراءات القانونية الواجب إتباعها قبل كل موسم حج، بحسب نور الدين محمدي المدير السابق للتوجيه الديني بوزارة الشؤون الدينية. لكن رغم العمل التوعوي الذي تقوم به وزارة الشؤون الدينية للحجاج، بضرورة التعامل مع الوكالات المعتمدة، إلا أن ضحايا وقعوا في أيدي وكالات تمارس النصب والاحتيال وفق ما وثقه معد التحقيق. ويرى إلياس سنونسي، أن الرقابة غائبة من قبل القائمين على تنظيم عمل الوكالات السياحية. ويرد عليه مدير عام الديوان الوطني للحج والعمرة التابع لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف بالقول: "لا يمكن متابعة وكالات تمارس إعلانات عبر مواقع غير رسمية على الانترنت، لكن بالإمكان متابعتها في حال ثبت تورطها في سرقة أموال الحجاج". وألقى بالمسؤولية على عاتق الحجاج، لأن الوكالات المعتمدة رسمياً تم إعلانها إعلامياً، نافياً متابعته لوكالات سياحية أمام القضاء، لأن ذلك يقع على عاتق الضحايا كما أنها تنشط عبر مواقع إعلانية غير رسمية.

لكن نجيب بيطام يقول إن الديوان يملك حق رفع شكاوى لدى العدالة ضد الوكالات غير المعتمدة دون أن يغفل مسؤولية الحجاج، وهو ما يؤكده سفيان المدير العام للسياحة، مشيراً إلى أنه بإمكان الديوان متابعتها قضائياً بعد ثبوت تورطها في عمليات نصب.

دلالات