سيناريو الإعدام...مخاوف من إنهاء حياة متهمي قضية ابن المستشار

سيناريو الإعدام... مخاوف حقوقية من إنهاء حياة متهمي قضية ابن المستشار

13 يونيو 2018
انتهاكات قانونية شابت عملية التحقيق في قضية نجل المستشار(Getty)
+ الخط -
يقبع عبد الحميد عبد الفتاح، وأحمد ماهر هنداوي، والمعتز بالله غانم، في زنازين انفرادية بسجن برج العرب غربي الإسكندرية في شمالي مصر، يترقب كل منهم اقتياده في أي لحظة إلى حبل المشنقة، في مشهد عايشوه بأرواحهم وسمعوه بآذانهم عدة مرات كما يؤكد أقرباؤهم الذين تمكنوا من زيارتهم في السجن بعد إصدار قاضي محكمة النقض (أعلى درجة قانونية للتأكد من تطبيق القانون كما أراد المشرع) المستشار عمر بريك في 14 ديسمبر/كانون الأول الماضي حكمه على الشباب الثلاثة حضورياً بالإضافة إلى اثنين غيابيا هما محمد عبد الحميد البنا وحسن حنفي برفض الطعن المقدم على حكم الإعدام الصادر ضدهم في القضية 200 لسنة 2014 كلي المنصورة والمعروفة إعلاميًا باسم مقتل نجل المستشار بحسب ما روته "هاجر الحفناوي" زوجة المتهم الأول لـ"العربي الجديد".

زوار الفجر

حتى منتصف ليل الثالث عشر من سبتمبر/أيلول من عام 2014 كانت حياة المتهمين الخمسة تسير خطاها بوتيرة طبيعية، إذ اجتمع أربعة منهم بطريق الصدفة، التي بدأت باتصال هاتفي من العشريني حسن حنفي الطالب في الفرقة الرابعة بكلية الهندسة بزميله في الكلية محمد عبد الحميد البنا يستأذنه في المبيت عنده تلك الليلة كما اعتاد في بعض الليالي السابقة التي يخشى فيها مداهمة منزله بسبب انتماء والد حسن لجماعة الإخوان.

يقول حسن في اتصال هاتفي من منفاه الإجباري في إسطنبول، اشتد بي الجوع بعد تأخر محمد البنا في عمله المؤقت، فاتصلت بزميل ثالث هو أحمد هنداوي المعروف بـ"مطرب الجامعة" لإحضار عشاء من مطعم شعبي شهير وبالفعل حضر هنداوي وفي رفقته زميل دراسة سابق هو المعتز بالله غانم الطالب في كلية التجارة.

كل ما حاول حسن ورفاقه الهروب منه من مخاوف قبل تلك الليلة وجدوه أمامهم، إذ كُتب عليهم جميعا أن تتبدل أحلامهم ويهددون بإنهاء ظالم لحياتهم كما يقول محمد البنا هو الآخر من إسطنبول لـ"العربي الجديد"، مضيفا: "قبيل الفجر سمعت طرقات شديدة على البوابة الرئيسية للبناية، تبعتها طرقات أشد توشك أن تكسر باب الشقة، حينها أدركت أنهم زوار الفجر (يقصد أمن الدولة). بسرعة خاطفة أيقظت النائمين ونجحنا في الإفلات من مصير الاعتقال، لكننا تركنا خلفنا بطاقات الهوية وهواتف محمولة".

صباح اليوم التالي اتجهت قوة أمنية لمنزل مالك الشقة والمتهم الخامس في القضية عبد الحميد عبد الفتاح، وتقول زوجته هاجر الحفناوي لـ"العربي الجديد": "حين لم يجدوه في المنزل اعتقلوني وتم تحريز 380 ألف جنيه و20 ألف درهم قبل الإفراج عني".

لم تتم مداهمة منزل أي من الأربعة الآخرين بعد أسابيع من هروبهم. ظنوا أن الأوضاع قد هدأت. قرروا العودة لمنازلهم، لكن المعتز بالله غانم كان أول ضحايا تلك المغامرة. يقول محمد أحد أصدقائه المقربين (رفض ذكر اسمه لدواع أمنية)، "لم تستمر زيارة المعتز لأهله لقضاء عيد الأضحى معهم بإحدى قرى محافظة الدقهلية سوى بضع ساعات حتى فوجئ بقوات الأمن تداهم منزله وإخفائه قسريا نحو 4 أسابيع منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول من عام 2014".

أدرك رفقاء الليلة أن قضيتهم لم تطوَ بعد وبدأوا اتخاذ تدابير احتياطية، كما يقول محمد البنا قبل أن يتابع "قررت الانقطاع عن العمل واكتفيت بالذهاب للجامعة في المحاضرات المهمة وكذلك زميلاي "حسن وهنداوي".

في 28 من أكتوبر/تشرين الأول اعتقلت إسراء ماهر هنداوي شقيقة أحمد ماهر من حرم جامعة المنصورة خلال مسيرة رافضة للانقلاب وتم تحويلها للقضاء العسكري في سابقة هي الأولى بالنسبة لفتاة منذ انقلاب يونيو/حزيران 2013 وتلك قصة ستلعب دورا مهما في مجريات قضية أخيها في ما بعد، بحسب روايتها.

يقول محمد البنا، رغم اعتقال معتز وإسراء، كان ما يزال لدينا نحن الطلاب الثلاثة أمل في الحصول على شهادة البكالوريوس التي تنتظرها أسرنا منذ خمس سنوات. وبينما نحن منهمكون في أجواء المذاكرة والامتحانات فوجئنا بخبر اعتقال عبدالحميد عبدالفتاح من مطار برج العرب. يقول حسن حنفي "ازدادت شكوكنا حول طبيعة القضية المطلوبين فيها وهنا اتخذنا نحن الثلاثة قرارا حاسما بالتوقف عن حضور الامتحانات والبحث عن وسيلة لمغادرة البلاد بطريقة شرعية".

وبعد 3 أشهر من اعتقاله في 5 يناير/كانون الثاني من عام 2015 خرجت أول رسالة مسربة من المعتز بالله غانم كشف فيها تفاصيل ما وقع له من تعذيب وتهديده باعتقال أختيه.

يقول محمد البنا خلال محاولة سفرنا يوم 4 فبراير/شباط 2015 من مطار القاهرة إلى إحدى الدول الآسيوية تم إيقاف أحمد ماهر وإخفاؤه قسريا بضعة أيام. لتبدأ القضية في اتخاذ مسار الإجراءات القانونية بالإحالة في 8 إبريل/نيسان من عام 2015 إلى محكمة الجنايات والتي أصدرت في 22 مايو 2016 قرارًا بإحالة أوراق المتهمين إلى مفتي الجمهورية وفي 17 يوليو 2016 صدر الحكم بالإعدام شنقًا.


ثغرات وشبهات في مسار القضية

وقعت حادثة قتل "نجل المستشار" صباح الأربعاء 10 سبتمبر 2014 في حي الجامعة بمدينة المنصورة أمام منزل والد الضحية المستشار محمود السيد المرلي وعلى بعد عشرات الأمتار من منزل المستشار حسين قنديل عضو اليمين في محاكمة الرئيس مرسي الذي اغتيل حارسه الشخصي قبل بضعة أشهر. على الفور ربطت الوسائط الإعلامية المقربة من النظام بين الحادثتين واتهمت أنصار مرسي باستهداف القضاة المشاركين في محاكمة قيادات جماعة الإخوان.

بعد ساعات من الحادث صدر بيان وزارة الداخلية أن والد الضحية غير مشارك في أي من القضايا التي تحاكم قيادة جماعة الإخوان وأنصارهم. وهو الأمر الذي أكده والد الضحية المستشار محمود السيد المرلي. وفقا لما جاء في صحيفة أخبار اليوم المملوكة للدولة في 11 سبتمبر/أيلول من عام 2014.  

على الفور انتشرت في الفضاء الإعلامي الرسمي المصري رواية جديدة، وهي أن المستهدف بالقتل هو الضابط بقسم المنصورة سعيد شعير. وتلك هي الرواية التي تبنتها تحريات الأمن الوطني بجانب الرواية الأولى.


تضخيم ملف القضية

في اليوم التالي للحادث خرج رئيس نادي القضاة في ذلك الوقت المستشار أحمد الزند ليعيد ترويج الرواية الأولى باستهداف الضحية بسبب والده، ودعا القضاة لجمعية عمومية طارئة لتصعيد الموقف وفي نفس اليوم قام النائب العام الراحل هشام بركات بزيارة موقع الحادث ووجه بسرعة ضبط الجناة.

ويرى الطالبان المتهمان غيابيا حسن حنفي ومحمد البنا أن المبرر الوحيد للزج بأسمائهم في القضية هو اعتبارهم السيناريو الأنسب ليكونوا كبش فداء كما ورد في رسالة معتز "التي سربها ليحذر المتهمين الذين أملى ضباط أمن الدولة أسماءهم ليعترف عليهم" وترى مؤسسات حقوقية متابعة للقضية أنه جرى تضخيم ملفها إعلاميا وقضائيا بشكل غير مبرر، وهو ما وثقه مركز عدالة للحقوق والحريات (مؤسسة حقوقية مستقلة) في تقرير له أصدره في أغسطس/آب من عام 2016 تحت عنوان "سيناريو الإعدام" والذي نقل عن هيئة المحامين أن "الإدانة تستند إلى اعترافات للمتهمين تم انتزاعها تحت وطأة التعذيب الشديد والتهديد بهتك عرضهم أو القريبات واعتقالهن".


انتهاكات بحق المتهمين

وثق مركز عدالة للحقوق والحريات في بيان أصدره في 25 ديسمبر الماضي عددا من الانتهاكات التي تعرض لها المتهمون الثلاثة ومنها: اختفاء المعتز بالله غانم قسريا لمدة 25 يومًا كما ذكر في تحقيقات النيابة، بالإضافة إلى دفع محامي المتهمين ببطلان الاعترافات الصادرة من قبل المتهمين الثلاثة، كونها صادرة تحت الإكراه المادي والمعنوي، وتجهيل مصادر التحريات إذ تُظهر حيثيات الحكم تأثرًا واضحًا بما تم ذكره في محضر التحريات السرية للأمن الوطني.

انتهاكات تؤكدها إسراء هنداوي شقيقة أحمد ماهر هنداوي، التي تقول إن الداخلية ساومت شقيقها أحمد خلال مراحل تعذيبه على الإفراج عنها، مقابل الاعتراف بالاتهامات الموجهة إليه أو تعريضها للتعذيب وحتى الاغتصاب إذا أصر على موقفه.

وبعد أسابيع من التعذيب الشديد وقع هنداوي على الاتهامات وتم الإفراج عن شقيقته بالفعل في 14 إبريل 2015 بعد وقف الحكم بحبسها كما تقول مضيفة "الجاني الحقيقي بعيد عن العقاب، بينما يتدلى حبل المشنقة في انتظار ثلاثة أبرياء".