نقص الدواء في مصر.. مرضى يبحثون عن العلاج بالخليج

نقص الدواء في مصر.. مرضى يبحثون عن العلاج بالخليج

05 يوليو 2016
نقص الدواء يفاقم معاناة المصريين الصحية (فرانس برس)
+ الخط -
في أكتوبر/تشرين الثاني، طال بحث الروائي المصري أحمد خالد توفيق، عن عقارين من أدوية علاج القلب التي لا يمكن للمريض الحياة بدونها، ما دفعه للبحث عن ستة بدائل محتملة تحوي نفس المادة الفارماكولوجية، لكنها كلها كانت من نواقص سوق الدواء المصري الذي كثيرا ما يعاني اختفاء الأدوية الحيوية التي لا بديل لها.

على الرغم من سابق معاناته، رفض الطبيب والروائي توفيق الكشف عن نوع الدواء الذي يعتمد عليه، حتى لا يتهمه أحد بالمتاجرة بقضيته، كما يقول لمعدّ التحقيق، قبل أن يوضح أن صديقا صيدليا أنقذه بجلب هذا الدواء له من خارج مصر، قائلا "ماذا يفعل من لا يعرف صيادلة؟".

وتتصاعد حدة أزمة نقص الأدوية في مصر منذ عدة أشهر ولا يعرف المرضى متى يظهر المستحضر الدوائي المختفي، ولا فترات اختفائه أو عودته، وهو ما جعل الستينية المصرية أم حسين، تعتمد على ابن أختها الذي يعمل مهندسا في المملكة العربية السعودية، لتوفير أدوية القلب التي تحتاجها، إذ تعاني من حالة متفاقمة من التصلب والانسداد في أوعية وشرايين عديدة بقلبها ما يتطلب عقاقير أميركية قوية المفعول، غير أنها اختفت من السوق تحت تأثير أزمة ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه.

تصف أم حسين معاناة عائلتها في البحث عن دوائها بالقول: "في كل يوم، يبحث زوجي وابني عن العقار الذي أعالج به، لساعات طوال ولا يمكنهم الحصول عليه لأنه أميركي"، وفي إحدى المرات تقول أم حسين إن صيدليا عرض عليهم إحضار الدواء مقابل 3 أضعاف سعره الأصلي، ما جعل العائلة تعمد إلى الشراء منه، بعد أن أصبحت حياة الأم على المحك. 


السوق السعودية

"بعد أن كان المصريون المقيمون في الخارج يرسلون إلى أقاربهم في مصر طلبا لإرسال أنواع الدواء التي اعتادوا على تعاطيها في بلدهم، صارت الحركة عكسية، إذ يعمد المقيمون في الخارج لإرسال الدواء إلى أقاربهم ممن يبحثون عنه بلا جدوى في مصر"، كما يروي الدكتور محمد منصور الصيدلي المصري الذي يعمل في مكة المكرمة، قائلا لـ"العربي الجديد": "بسبب نقص أدوية عديدة منها عقاقير تعالج الأمراض المزمنة، أعمل على جلب بدائل لهذه العقاقير لأقاربي ومعارفي، مثلما يفعل غيري لتخفيف آلام ذويهم".

يؤكد الدكتور منصور أن "السوق السعودية أضحت قبلة المصريين الأولى من الباحثين عن الأدوية الناقصة في مصر، أو الأدوية ذات المفعول الأفضل، خاصة أثناء موسمي الحج والعمرة، بعد تكرار الأزمة خلال الأعوام الماضية، ما جعل المرضى يعملون على تأمين احتياجاتهم الدوائية، عبر أقاربهم في الخليج".
وضمت قائمة الأدوية الناقصة فى السوق لعام 2012 أنواعا ضرورية من أدوية علاج سرطان الدم، ومضادات التخثر، والأنسولين لعلاج مرض السكري، وعبوات ألبان الأطفال، وأدوية القلب، وارتفاع الضغط، وبعض أدوية العيون من مراهم وقطرات. وفي العام 2013 رصدت وزارة الصحة نقص العديد من الأدوية في السوق، وحل الأنسولين على رأس قائمة الأدوية الناقصة فى الأسواق، حيث عانت أكثر من 70 بالمائة من مستشفيات وزارة الصحة المصرية، التي يتردد عليها ما يقرب من 30 مليون مواطن خلال هذا العام، من نقص الأدوية، مما أدى إلى ارتفاع عدد حالات الوفيات ومن بينهم أطفال، بحسب وزارة الصحة المصرية.

كما شهد عام 2013 نقصا في ألبان الأطفال المدعمة، وأدوية علاج الكبد، وأدوية الجلطات، والعمليات الجراحية، والفشل الكلوي، ومراهم العين. واختفى من الصيدليات دواء "ميكوناز أورال جيل" لعلاج عدوى العين، و"أوبتي فري" محلول عدسات، و"تيراميسن"، مرهم عين، و"ميفنكول"، مرهم عين، علاوةً على "بريزولين"، قطرة لحساسية العين، و"ايزوبتو كاربين 2" لعلاج ارتفاع ضغط العين، و"أبيكسول" لضغط العين المرتفع، و"الغلوكوما"، وفقا لما أكده رئيس اللجنة النقابية للصيادلة الحكوميين.

وفي العام في 2014، كانت حقنة "أنتي آر إتش" اللازمة لإنقاذ حياة الأطفال الأولى في قائمة الأدوية الناقصة، بالإضافة إلى حقن "الهيومان البيومن" الضرورية لعلاج الاستسقاء الكبدي، وحقن "ستريبتوكايناز" المضادة للجلطات. كما اختفت حقن"نيترونال" للذبحات الصدرية، وحقن "ثيوبنتال" المخدرة أثناء العمليات الجراحية، وحقن "إيميودارون" لعلاج الإريزميا القلبية وعدم انتظام ضربات القلب، وحقن "إتراكيورام" لبسط العضلات الهيكلية أثناء إجراء العمليات الجراحية، وإمبول "سومازينا" للزهايمر وضعف التركيز.

ومن أشهر الأدوية التى حدث بها عجز أيضًا بعض العائلات الدوائية، منها حقن القيء للأطفال، وحقن التبويض فضلًا عن الكثير من أدوية الشرب لبرد الأطفال، وأدوية الديدان وحقن قرحة المعدة، والنقط المستخدمة في علاج الضغط المنخفض، ولبوس البروستاتا، ومذيبات الجلطات و"الألبومين" المخصصين لمرضى الكبد.

وفي العام 2015، استمرت أزمة اختفاء الأدوية، وأعلنت وزارة الصحة والسكان في النشرة الدورية لنواقص الأدوية عن شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن الأدوية الناقصة التي لها بديل أو مثيل تبلغ 189 صنفا، مشددة على ضرورة استشارة المرضى للطبيب قبل الاستعمال، أما الأدوية الناقصة التي ليس لها أي مثيل فتبلغ 43 صنفا دوائيا. وخلال الأشهر الثلاثة الماضية من العام الجاري، اختفت العديد من المضادات الحيوية والفيتامينات وأدوية لعلاج أمراض العيون والسكري وضغط الدم والجلطات والكبد والكلى والأمراض العصبية والنفسية وكذلك التنفسية والهضمية، علاوة على موسعات الشعب الهوائية ومضادات الاكتئاب.

قوائم الأدوية الخليجية الأكثر مبيعا

عبر جولة ميدانية ضمت 10 صيدليات كبرى في القاهرة، وثق معد التحقيق قائمة لأبرز الأدوية الخليجية التي يستخدمها المصريون، تضم 14 صنفا هي الأكثر استخداما، وعلى رأس القائمة يأتي دواء Lasix 500 وهو علاج للضغط يستخدمه المصريون بسبب ضعف مفعول البديل المصري، ويأتي لمصر عن طريق السعودية والإمارات، ومتوسط بيعه بالصيدليات من 3 إلى 5 عبوات يوميا في الصيدليات الكبرى، وكذلك دواء CellCept الذي يستخدم في علاج الأورام وتقوية المناعة، يأتي بالطلب عن طريق الإمارات نظرا لارتفاع سعره الذي يتجاوز 2000 جنيه مصري (226 دولارا أميركيا بالسعر الرسمي)، ودواء Misotac المستخدم في علاج حالات الإجهاض وإيقاف نزيف ما بعد الولادة ويحتاجه آلاف الحوامل سنويا، ويجلب بالطلب من السعودية والإمارات بشكل فردي أو عن طريق التهريب، ودواء AUGMENTIN وهو مضاد حيوي، يتراوح متوسط بيعه بالصيدليات من 3 إلى 6 عبوات يوميا، وGripe Water لعلاج مغص الأطفال ويأتي من الإمارات ويحتاجه آلاف الأطفال حديثي الولادة، ويتواجد حاليا بكميات قليلة في الصيدليات الكبرى.

وضمن القائمة يأتي دواء Move Free لعلاج مفاصل الركبة والعظام ويتم حجزه في الصيدليات الكبرى بالطلب نظرا لأعداده القليلة، ويجلبه المصريون من الخليج بكثرة بسبب انتشار أمراض العظام في مصر، وكذلك دواء Navidoxine لعلاج القيء عند الحوامل خلال فترة الحمل، وتعاني الصيدليات المصرية نقصا كبيرا منه، ويأتي بالطلب إما عن طريق التهريب أو المصريين بالخليج. ودواء Eltroxine لعلاج الغدة الدرقية والذي يعد من بين العقاقير الفعالة، وعقار Efalex لعلاج الكوليسترول ويباع بالطلب في الصيدليات المصرية، بالإضافة إلى أنواع أخرى من بينها Centrum vitamin، وSeven seas.


ارتفاع سعر الدولار يفاقم نقص الدواء

أدى ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء إلى  95. 10 جنيهات للشراء و05. 11 جنيها للبيع، إلى نقص 1000 صنف دوائي في السوق المصري، وفقا لما يؤكده الدكتور أحمد العزبي، مالك سلسلة صيدليات مصرية، ويوضح العزبي لـ"العربي الجديد": "أن ارتفاع سعر المادة الخام، ترتب عليه اختفاء أغلب أصناف الأدوية ذات السعر الرخيص والمفعول الجيد".

وأكد الدكتور العزبي أن شركات الأدوية في مصر صارت تمتنع عن تصنيع العقاقير بسبب الخسائر المالية وتحقيق هامش ربح بسيط، قائلا "اتجاه المصريين للسوق الخليجية لجلب الأدوية الناقصة كان حلا لإنقاذ أرواحهم بتكلفة أقل من جلب الأدوية من بلدان أخرى".

وعلى الرغم من أن السوق المصرية كانت أقوى دوائيا من الأسواق الخليجية، كما يقول العزبي، إلا أن الآية انقلبت اليوم، إذ كانت مصر تصنع الدواء وتصدره للخليج، فضلا عن أن مواطني الخليج كانوا يلجؤون إلى مصر للحصول على أوية فعالة ورخيصة الثمن.

"العجيب في الأمر أن دولة فقيرة مثل الصومال يتوفر بها الأدوية الناقصة في السوق المصري التي يتم جلبها بالتهريب من الخليج"، وهو ما يؤكده الدكتور خالد أمين عضو مجلس نقابة الأطباء بمصر، والذي عاد مؤخرا من الصومال بعد رحلة عمل إغاثية، قائلا لـ"العربي الجديد": "الأدوية في الصومال متوفرة وكفاءتها جيدة جدا" ولذلك ما يحدث في السوق المصرية غير طبيعي، صحيح أن الدولار له تأثير على نقص الأدوية، لكن هناك مافيا بمصر تتحكم في السوق الدوائية والدولة عاجزة في علاج الأزمة.

التهريب من جبل علي

"طريقة أخرى لجلب الأدوية من السوق الخليجية بعيدا عن الاستعانة بالمصريين المتواجدين هناك"، وفقا لما بينه الدكتور محمد فؤاد رئيس مركز الحق في الدواء.

بحسب فؤاد فإن عددا من مهربي الدواء، يستخدمون منطقة جبل علي بالإمارات العربية المتحدة لتهريب الأدوية إلى مصر، خاصة وأن القانون المصري يحظر بيع الأدوية المستوردة في السوق المصرية بدون الحصول على تصريح لتصنيع الدواء أو استيراده بتراخيص وموافقات علمية وفنية خاصة.

وبحسب دراسات مركز الحق في الدواء، فإن أرباح هذا النوع من التجارة تصل إلى خمسة مليارات جنيه سنويا، إلا أن التفتيش الدوائي والصيدلي في حال اكتشافه لوجود هذه الأدوية المستوردة في إحدى الصيدليات، يقوم بمصادرتها ويوقع غرامة مالية على الصيدلي وتُغلق الصيدلية لعدة أشهر حسب كمية الدواء التي صُودرت مثلما حدث مع الدكتور رفيق ناجي، صاحب إحدى الصيدليات بمحافظة السويس، والذي صدر قرار بإغلاق صيدليته ثلاثة أشهر وتغريمه 20 ألف جنيه بعد اكتشاف عبوتين لعقار panadol cold and flu  لعلاج الإنفلونزا الموسمية، والذي يعد من أهم الأدوية التي تأتي إلى مصر من السوق الخليجية كل عام بكميات كبيرة.


الدواء الخليجي أرخص وأفضل

ثمة بُعد اقتصادي واضح دفع المصريين للبحث عن الدواء في الأسواق الخليجية، "إذ يعاني المصريون من ارتفاع سعر الأدوية المستوردة بشكل كبير"، كما يقول هيثم عبدالله والد الطفل كريم، والذي يحتاج إلى عقار "سبيك سمول" المسؤول عن تنشيط عضلة المخ والأوميغا 3.

يقول هيثم إن "ثمن عقار "سبيك سمول" في مصر يبلغ 850 جنيها (قرابة 96 دولارا بالسعر الرسمي)، لكن سعره في السعودية ما يعادل 400 جنيه مصري (45 دولارا)"، ويتابع "يحتاج ابني إلى عقار آخر يسمى "مالتي فيتامين" ثمنه في مصر 1300 جنيه (147 دولارا)، لكن سعره في السعودية لا يتجاوز 500 جنيه مصري (57 دولارا).

سبب آخر يقف وراء إقبال المصريين على الدواء الخليجي، إذ إن المادة الفعالة المستخدمة في الدواء المصنع أو المتوفر في دول الخليج مستوردة من أميركا وأوروبا، أما في مصر فيتم جلب المادة الفعالة من الصين ودول شرق آسيا لأنها أرخص، وفقا للدكتور رفيق ناجي، المختص في تصنيع الدواء بشركة آمون للأدوية. ولفت الدكتور ناجي إلى أن ضعف كفاءة الدواء المصري يرجع لأسباب أخرى من بينها سوء التخزين.

ويتفق الدكتور خالد أمين، عضو مجلس نقابة الأطباء، مع الرأي السابق، لافتا إلى أن مراجعي المستشفيات الحكومية في مصر يشكون من أن مفعول الدواء أقل من مثيله المباع في الصيدليات المصرية، لكن الخبير في تصنيع الدواء ربيع الدندراوي أكد على أن عدم الالتزام بالمعايير العالمية في تصنيع الدواء هو السبب الرئيس لتقليل كفاءة الدواء المصري العلاجية ودفع المصريين للبحث عن بدائل خليجية.