إعادة تموضع الإخوان (5-5).. تحديات وسيناريوهات المستقبل

إعادة تموضع الإخوان (5-5).. تحديات وسيناريوهات المستقبل

16 يوليو 2015
+ الخط -

في الأجزاء الأربعة السابقة استعرضنا تغيّرات جماعة الإخوان المسلمين، وفي هذه الحلقة نكشف عن تحديات حالية ومستقبلية تواجه الجماعة، إضافة إلى استعراض السيناريوهات المحتملة لتعامل الجماعة مع الواقع الذي آلت إليه الأمور.

يمكن إجمال التحديات التي تواجه الجماعة في النقاط التالية:

التعامل مع ملف المعتقلين بأعدادهم المتزايدة، وأوضاعهم وأوضاع ذويهم، في ظل حديث عن أعداد تصل إلي عشرات آلاف المعتقلين، خاصة في ظل استهداف النظام لمسؤولي لجنة المضارين وكفالة أسر المعتقلين والمتوفين، عن طريق الاعتقال، كما حدث في الإسكندرية في أول يونيو/ حزيران الماضي، أو بالقتل كما حدث في مدينة 6 أكتوبر قبل 12 يوماً.

إيجاد وسيلة للفكاك من تضييق الخناق على الجماعة بعد اعتقال أسماء من الصف الأول مثل محمد طه وهدان ومحمود غزلان وعبد الرحمن البر وغيرهم، بما يعني كشف العديد من الأسرار وأوراق الجماعة للسلطة.

إيجاد حل للأزمة الجيلية بعد تفوّق جيل الشيوخ من المقيمين في الخارج عبر سيطرتهم على المال والنفوذ، وتفوق الشباب بالسيطرة على مكاتب إدارية والمنافذ الإعلامية للجماعة، بما يهدد بأزمات أخرى مستقبلاً.

تحدي خروج الشباب أو انشقاقه عن الجماعة إما لصالح العمل الدعوي والانصراف عن الحراك يأساً من التغيير، أو الانشقاق لصالح العمل المسلح مع تنظيمات أخرى، أو التحول للعنف التدميري بشكل منفرد.

صياغة طرح متماسك لطريقة حلحلة الموقف الحالي والوصول إلى رؤية توافقية للجماعة حول ماذا ستفعل إذا رحل النظام لأي سبب أو استُبدل رأسه بطرف من داخله، أو حال استطاع السيسي ترسيخ وضعه.

التعامل مع حالة الهستريا المجتمعية التي قد تهدد أمن أفراد الجماعة أو المتعاطفين معها حال تصاعدت بشكل ممنهج لعنف تحت نظر السلطة، قد يدفع البلاد إلى مواجهات وحرب أهلية.

الوصول إلى رؤية عن دور الإخوان كجماعة هل هي جماعة دعوية تهدف لإصلاح المجتمع أم جماعة تسعى للوصول للحكم أم الاكتفاء بأن تكون جماعة ضغط، وهل سيستمر تصاعد رؤية قطاعات داخلها بعدم الاقتناع بالديمقراطية وآلياتها في العمل العام أم ستتمكن من احتواء هذا الأمر، وإذا كان هناك ثمة ميل نحو فكرة "الإسلام الثوري" أو الرؤية الإسلامية الخالصة، فأي نموذج إسلامي ستتبناه.

إقناع قوى إقليمية بالنظر للجماعة كورقة تأثير هامة في ضوء اشتعال المناطق المحيطة والتي تشهد وجوداً إخوانياً مثل ليبيا واليمن، وعدم التقليل من شأن قضيتها في مصر، والنظر لها بوصفها لاعباً قادراً على تغيير أو استقرار المعادلة، بما يعدّل من وضعها التفاوضي في الداخل مع النظام، مع إقناع النظام الدولي والدول الكبرى بأنها ما زالت جماعة سلمية في ظل محاولات النظام لإثبات العكس.

ثانيا: السيناريوهات المحتملة

مع ما آلت إليه الأمور، ثمة سيناريوهات مستقبلية محتملة للمشهد الحالي بين جماعة الإخوان والنظام، في ظل الحالة الصفرية بينهما، فالجماعة حتى الآن في "خانة رد الفعل"، ومنهكة بين ملف المضارين والمعتقلين "الكارثي" وبين السعي لعدم انطفاء شعلة الحراك على الأرض من أجل إبقاء قضيتها حية، فيما يستمر تصعيد الأمن والنظام بعنف متزايد تجاه الأرواح مصرّاً على سياسة الاستئصال غير مكترث بصورته دولياً أو تراجع الدولة اقتصادياً بفعل هيمنة الحالة الأمنية على الوضع.

يمكن تلخيص السيناريوهات المحتلمة في الآتي:

الأول:
تبني الجماعة بشكل موسّع لسيناريو جنوب أفريقيا المعتَمِد على تكبيد الدولة خسائر في بنيتها الاقتصادية، وإزعاجها بعمليات "نوعية" تربكها وتدفعها للشعور بأن الجماعة وأنصارها ليسوا خصماً ضعيفاً يمكن سحقه دون ثمن، أملاً في أن تعيد حساباتها ضدها في الإقدام على أفعال تتّسم "بالتهوّر" بشأن الجماعة ككل، وتظهر للعالم أنه لا بد من ترضية الجماعة وليس دفعها للإذعان، وهي الرؤية السائدة عند قطاع عريض من الشباب.

الثاني: الرهان على المسار السوداني في نسخة سيناريو (البشير ـ الترابي) عام 1989، أي انقلاب عسكري من داخل الجيش، يتحالف مع الإسلاميين لأسباب مصلحية أو سياسية أو عند الحد الأدنى، يرفع الضغط عنهم، وهي رؤية تتبناها نخب الإخوان والقيادات الكبيرة في الجماعة، وهو ما بدا واضحاً من خلال حديث القيادي الإخواني الموجود بتركيا، مدحت الحداد، على قناة "مكملين"، في يناير/ كانون الثاني الماضي، عندما أعطى إشارات بأن ثمة انقسامات وعدم رضى داخل الجيش المصري عمّا يجري، وتأكيده المتكرر بأن ثمة "شرفاء" لا يرضيهم الوضع الحالي في المؤسسات الأمنية، وغيرها من الأحاديث المنتشرة حول خلاف أو صراع مكتوم بين صدقي صبحي، وزير الدفاع المصري، وعبد الفتاح السيسي، لكن هذه الرؤية تجد تردداً لدى الشباب في قبولها وإن لم ترفض بالكلية.

الثالث: تبني مسار الثورة الإيرانية من خلال الدفع نحو فكرة الصدام والصراع مع الدولة بشكل كامل، وهو أمر يتبناه كثير من الشباب، اعتمادا في رؤيتهم على ما يرونه تراجعاً لشعبية النظام والسيسي وانضمام شباب كثيرين من خارج الإخوان إلى فكرة العمل الثوري المتصاعد، وهو ما أكده أحد القيادات السياسية الشبابية من حزب الحرية والعدالة في الإسكندرية، لـ"العربي الجديد"، معتبراً أنه السيناريو الأكثر تأييداً لدى الشباب، حتى وإن كانت تفاصيله غائبة، سواء في تفاصيل تنفيذه أو حال نجاحه على المدى المتوسط والبعيد.

رابعاً: تفجّر الصدام مع النظام بما يؤدي إلى مواجهة ذات عنف عال، ليس بالضرورة أن تكون مسلحة بالكلية، بفعل ضغوط الصراع الصفري بين الطرفين واستمرار وضع التأهب بينهما، ما قد يؤدي لنفاد صبر إحدى الجهتين، فيتفجر الموقف، وهو أمر قد يحدث بتدخل عناصر جديدة على المشهد، كإعدام مرسي أو القيادات الإخوانية أو استخدام "التصفية" كتعامل مع أفراد الجماعة أو تأجيج العنف الأهلي والمجتمعي ضد الجماعة لتتحوّل دفة الصراع من سياسي إلى أهلي.

خامساً: أن يؤدي نجاح الجماعة إقليمياً ودولياً، وعدم تحول الصورة المعروفة عنها كجماعة سلمية أو غير عنيفة عند كثير من الدوائر الغربية والعربية، مع تصعيد النظام الممنهج في ذات الوقت، إلى حدوث تغيّرات فى المعادلة السياسية، بفعل الخشية من تحول مصر إلى دولة غير قادرة على تسيير حياتها اليومية بشكل طبيعي، بما يهدد مصالح أطراف كثيرة داخلية وخارجية، فيتم دفع الجماعة والنظام إلى التفاوض الجدي بشروط يرضاها الطرفان تحت رعاية إقليمية/ دولية، تبدو السعودية الأقرب لها.

سادساً: أن يحدث السيناريو المعاكس لسابقه، بأن يدفع القلق المتجدد من وقت لآخرعند بعض الأطراف الدولية على وقع ما يتردد من عبارات وبيانات تصعيدية من قبل الجماعة، إلى تخفيف الضغط على النظام الحالي أو منحه مزيداً من الشرعية، تساعده أكثر في تثبيت أركانه والتنكيل بالجماعة.

سابعاً: أن يستتب الأمر ويستقر لنظام عبد الفتاح السيسي، بما يرفع من حالة اليأس والإحباط بشكل أكبر داخل أوساط شباب الجماعة والتيارات الإسلامية، بما يدفع الكثيرين منهم إلى الانشقاق وتشكيل مجموعات تمارس "العنف التدميري" ممّن يُعرّفون في أدبيات تحليل العنف، بـ"الذئاب المنفردة"، وتتحول هذه المجموعات ومثيلاتها إلى اللاعب الرئيسي ضد السيسي وتتحول بوصلة الصراع بالكامل.

الختام

تبقى هذه التحديات والسيناريوهات السابقة متساوية في قوتها وأهميتها، بفعل حالة السيولة التي وصلت إليها الأوضاع في مصر في ظل محيط إقليمي معقّد وملتهب وسياسة دولية غير راغبة في التورط بشكل أكبر في مشاكل الشرق الأوسط، لتكون لعبة عض الأصابع والنفس الطويل هي الملمح الرئيسي للصراع الدائر بين نظام رفع شعار الاستئصال والانتقام، وجماعة رفعت شعار المقاومة طويلة المدى.

--------
اقرأ أيضاً:
إعادة تموضع الإخوان(4-5).. 5 أسباب تمنع استنساخ "العشرية السوداء"
إعادة تموضع الإخوان المسلمين (3-5).. هيكلة تنظيمية واصطفاف داخلي
إعادة تموضع الإخوان (2-5)..اللجوء إلى القوة في مواجهة النظام
إعادة تموضع الإخوان (5/1)..أربع مراحل للتغيير ترسم المستقبل