الخدمات الصحية في بريطانيا... كورونا يغير بيئة عمل الكوادر الطبية

تحقيق بريطانيا كورونا 1
07 نوفمبر 2021
+ الخط -

توفيت الممرضة البريطانية من أصل باكستاني، أريما نسرين (36 عاما) بعد إصابتها بفيروس كورونا في إبريل/نيسان 2020 بمستشفى ولسل مانور Walsall Manor، والذي عملت فيه 17 عاما، كما تقول شقيقتها كازيما، لـ"العربي الجديد" مضيفة: "كانت أختي ترى ردهات المستشفى ساحة معركة وعليها أن تتسلح بالشجاعة والصبر وتقديم كل ما يمكنها من أجل مساعدة الآخرين والتخفيف من أوجاعهم".

وتعد نسرين واحدة من بين 850 ضحية لفيروس كورونا توفيت بين مارس/آذار وديسمبر/كانون الأول 2020، وفق ما وثقه الطبيب والباحث ديفيد برجر في تقرير "حتى الموت: كوفيد - 19 يكشف عن خيانة مميتة للعاملين في مجال الرعاية الصحية" والمنشور في المجلة الطبية البريطانية BMJ "تصدر عن النقابة العمالية التابعة للرابطة الطبية البريطانية (BMA)" في يناير/كانون الثاني الماضي.

وبلغت نسبة الوفيات بسبب فيروس كورونا بين الأطباء المصابين ممن ينتمون إلى أقليات عرقية 95%، كما وصلت ذات النسبة بين طاقم التمريض إلى 64% خلال الفترة بين مارس وإبريل 2020، وفق بيانات الموقع الرسمي للرابطة الطبية البريطانية، في أغسطس/آب الماضي، وكان البريطانيون من أصل صيني وهندي وباكستاني وغيرهم من الأسيونيين والكاريبيين والسود، أكثر عرضة للوفاة بنسبة تتراوح بين 10 و50%، مقارنة مع البريطانيين البيض"، وفق ذات المصدر، "ما يعد أمرا مقلقا للغاية ويسلط الضوء على أهمية اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية أعضاء المجتمع من أقليات عرقية" بحسب الرابطة.

مواجهة غير متكافئة

توظف هيئة الخدمات الصحية الوطنية NHS مليوناً و300 ألف شخص، من بينهم 77.9% من البيض، و22.1% من مختلف المجموعات العرقية الأخرى، وفق بيانات الموقع الرسمي للحكومة البريطانية المنشورة في 26 يناير/كانون الثاني 2021، وتكشف معدلات الوفيات الكبيرة مقارنة مع نسبة التوظيف اللافتة عن إجراءات لم يتم اتخاذها لحماية الكوادر الصحية ممن ينتمون إلى الأقليات العرقية ويعملون في مواجهة كورونا، إذ يرى خمسة أطباء تواصل معهم معهد التحقيق، أن هيئة الخدمات الصحية الوطنية مسؤولة عن معاناتهم هم وزملائهم في مواجهة الفيروس، دون وسائل وقاية كافية، مثل الكمامات التي كانت بكميات قليلة وما توفر منها اتسم بكونه غير جيد، ومن بينهم الدكتور عمار الرفاعي، أخصائي الأمراض الباطنية في مستشفى Northern General، والذي أكد لـ"العربي الجديد" أن الأطباء اضطروا إلى العمل في الأشهر الأولى من الجائحة وفق المتوفر من وسائل حماية شحيحة مثل الكمامات أو الأردية الواقية والتي لم تكن تفي بالغرض بسبب نقص جودتها كما أنها لم تتوفر في بعض الأوقات، ويقول: "كنا نستخدم كمامات غير طبية تستعمل أساسا للوقاية من الأتربة"، وتابع: "حدث تغير كامل في روتين العمل وكلما تضاعفت الحالات ازدادت المخاوف".

وبسبب تبادل الرداء الواقي مع غيره من الأطباء بعد غسله، أصيب الرفاعي بالفيروس ومكث في البيت عشرة أيام، وفي ظل قلة الكوادر الطبية، وفاقم هذا من شعور زملائه بالتعب والإجهاد، وهو ما يعد خطرا كبيرا كما تقول الدكتورة ميسم عبد الواحد والتي تعمل في مستشفى South Yorkshire لـ"العربي الجديد"، مضيفة: "بسبب أزمة نقص وسائل الوقاية الشخصية، كان الدخول إلى غرف المصابين مغامرة"، وتتابع: "قلة الكوادر الطبية كانت سببا في شعورنا بالتعب والاجهاد وإصابة العديد من الزملاء بالفيروس".

الأطباء من أقليات عرقية أكثر عرضة للوفاة بكورونا مقارنة بزملائهم البيض

وشعر 64% من الأطباء العاملين في الخطوط الأمامية لمكافحة الفيروس والمنتمين إلى أقليات عرقية بضغط العمل في أماكن تتسم بكون معدات الوقاية الشخصية بها غير كافية بالمقارنة مع 33% من البيض وخاصة عند تنفيذ إجراءات توليد الهباء الجوي (AGPs)، مثل التنبيب الرغامي، وشفط مجرى الهواء، والعلاج الطبيعي للصدر، والعلاج بالبخاخات والتي تعرضهم لخطر العدوى، بحسب مسح أجرته الرابطة الطبية في إبريل 2020، وأجاب 15.88% من 1001 شملهم المسح بوجود مشاكل في توفير معدات الوقاية الشخصية للأطباء وفق خصائص الحماية والاحتياجات الفردية المحددة، مثل الأطباء السيخ والمسلمين وهؤلاء واجهوا صعوبات في الحصول على أجهزة تنفس بديلة مثل كمامات PAPR (تستخدم عندما لا يمكن تركيب أقنعة الوجه نتيجة اللحى)، وأجاب 12.09% بلا و72.03% أجابوا بلا أعرف، ويعلق رئيس مجلس الرابطة الطبية، تشاند ناجبول على ذلك قائلا في تصريحات صحافية: "هؤلاء الأطباء يأتون غالبا من أجزاء أخرى من العالم لتقديم خدمات رعاية صحية حيوية ودفعوا للأسف ثمن الأمر".

وفي فبراير الماضي أجرت الرابطة الطبية البريطانية مسحا مماثلا لتتبع كيفية مواجهة كوفيد - 19، وأجاب الأطباء عن كيفية مقارنة مستوى الصحة والرفاهية مع الموجة الأولى (مارس، مايو/أيار 2020) بأنه أسوأ قليلا بنسبة 37.17%، و33.58% أجابوا بأنه مشابه، و14.1% أجابوا بأنه أسوأ كثيرا، فيما أجاب 11.19% بأنه أفضل قليلا، و3.42% أجابوا أنه أفضل كثيرا و0.36% فضلوا عدم الإجابة.

تنمر وتمييز عنصري

أفاد أطباء ينتمون إلى أقليات عرقية بأنهم يشعرون بثقة أقل في إجراء التعديلات المناسبة لتقليل مخاطر العمل، وبثقة أقل بشأن توفير معدات الحماية الشخصية والشعور بالأمان للإبلاغ عن النقص في معدات الحماية الشخصية، وارتفاع معدلات التنمر والتحرش خلال فترة الوباء، بحسب تحليل "تأثير فيروس كورونا على الأطباء"، والمنشور على موقع الرابطة الطبية في يونيو/حزيران 2021.
 
ويبدي ستيف أندرسون، المسؤول الإعلامي في الرابطة أسفه لمعاناة الأطباء خلال جائحة كورونا، قائلا: "الرابطة أعدت قائمة بالأطباء الذين توفوا بسبب الجائحة وتم كتابة رسائل دعم لعوائلهم المنكوبة"، ويضيف لـ"العربي الجديد": وفرت الرابطة إرشادات عملية للأطباء الراغبين في العودة إلى العمل في مواجهة كورونا بغض النظر عما إذا كانوا ينتمون إليها أم لا.
الصورة
تحقيق بريطانيا كورونا2
لكن هذه التطمينات غير كافية، بحسب مصادر التحقيق ومن بينهم الدكتور الرفاعي والذي أصيب في بداية الموجة الأولى للجائحة، مضيفا أن خوف الكوادر الطبية من المغتربين عن بلدانهم على أطفالهم وعائلاتهم ومصيرهم في حالة الوفاة شغل تفكيرهم، خاصة من يقفون على الخطوط الأمامية لمواجهة الفيروس.
 
ويؤكد تحليل منشور في الموقع الرسمي لـ kingsfund (منظمة خيرية مستقلة تعمل على تحسين الصحة والرعاية في بريطانيا) في 17 سبتمبر/أيلول 2021 بعنوان "صحة أفراد الأقليات العرقية في بريطانيا"، أن "كوفيد - 19 سلط الضوء على عدم المساواة وعلى الحاجة الملحة لتعزيز العمل لإدارة اعتلال الصحة خاصة في المجتمعات المحرومة والأقليات العرقية"، مشيرا إلى وجود تفاوتات صحية في المملكة المتحدة بين مجموعات البيض، والأقليات العرقية المختلفة".
 
و"يمكن للعنصرية الهيكلية بين مجموعات الأقليات العرقية أن تعزز التفاوتات، على سبيل المثال، في الإسكان والتوظيف ونظام العدالة الجنائية، والتي بدورها يمكن أن يكون لها تأثير سلبي على الصحة.
 
وتشير الأدلة إلى أن العنصرية والتمييز يمكن أن يكون لهما أيضًا تأثير سلبي على الصحة البدنية والعقلية لأفراد الأقليات العرقية"، بحسب المصدر السابق، وهو ما يبدو في تحليل مكتب الإحصاء الوطني الصادر بعنوان "الوفيات المرتبطة بفيروس كورونا حسب المجموعة العرقية، إنكلترا وويلز: من 2 مارس وحتى 15 مايو/آيار 2020"، إذ إن الأشخاص ممن ينتمون إلى خلفية عرقية سوداء معرضون لخطر الموت بسبب كوفيد - 19 بشكل أكبر من جميع المجموعات العرقية الأخرى، في ظل أن المخاطر بالنسبة للذكور السود أعلى بثلاث مرات من الذكور البيض وحوالي مرتين ونصف للإناث السود أعلى منها لدى البيض.

تغيرات إيجابية بعد الجائحة

أصيب الطبيب البريطاني من أصول فلسطينية، مجدي العمري، واختصاصي القلب وتوسيع الشرايين في مستشفى مانشستر الملكي، بكورونا في مارس 2020، غير أنه عاد للعمل مباشرة بعد تعافيه من الإصابة، ويقول لـ "العربي الجديد" :"خسرنا زملاء من جنسيات عربية مختلفة تدين لهم المؤسسة الصحية البريطانية بالفضل، وجاء هذا في وقت تتعالى فيه الصيحات العنصرية ضد من يسميهم البعض بالغرباء أو الأجانب".
توظف هيئة الخدمات الصحية الوطنية NHS مليوناً و300 ألف شخص
ورغم المعاناة السابقة إلا أن تغيرات إيجابية وقعت كما تقول الطبيبة البريطانية من أصول سودانية، منى عبد العال، أخصائية طب المجتمع ومديرة الصحة العامة في مدينة سالفورد شمال شرق بريطانيا، والتي كانت تتواصل مع المرضى، خاصة ممن يعانون أمراضا مزمنة، لتقديم النصح والإرشاد لهم، موضحة أن "العمل في هذه الاوقات العصيبة كان محل تقدير واحترام المرضى"، وتابعت :"لاحظت اختلافا في النظرة تجاه المرأة الأفريقية المسلمة، إذ صار الحكم على عملي وليس لوني أو ديانتي أو لغتي".
 
وتتفق معها في التقييم الطبيبة البريطانية من أصول عراقية، ميسم عبدالواحد، قائلة: "أصبح المريض ينظر إلى الطبيب والممرض من أصول عرقية متنوعة بكثير من الحب والتقدير"، الأمر ذاته يرصده الدكتور الرفاعي قائلا: "تغيرت النظرة تجاه العربي أو المسلم خاصة أن هناك من خسر حياته لأداء واجبه"، ويتابع تحمل الأطباء مسؤولية كبيرة في ظل قلة الكوادر خاصة في الطوارئ والعناية المركزة، في ظل الأعداد الكبيرة من المرضى.