براين دينيهي: رحيل شرير الأدوار الثانية

براين دينيهي: رحيل شرير الأدوار الثانية

17 ابريل 2020
براين دينيهي: أدوار كثيرة وحِرفية واحدة (نُوَام غَالِي /Getty)
+ الخط -
تُجمِع الأخبار المتَدَاولة عن رحيل الممثل الأميركي براين دينيهي (9 يوليو/ تموز 1931 ـ 15 إبريل/ نيسان 2020) على تعريفٍ أساسي به: متخصّص بالأدوار الثانية. هناك تعبير إضافيّ يعكس، ربما، شيئاً من شهرته في السينما: "الشريف (Sherif)" الذي "ضايق" رامبو (سيلفستر ستالوني) في "دم أول" (1982) لتدْ كوتشيف. بعض كاتبي خبر رحيله يذكر أنّه "معروف بتأديته، غالباً، أدواراً شريرة". اللافت للانتباه أيضاً، في السياق نفسه، كامنٌ في أنّ الجميع يشدّدون على أنْ لا علاقة للوفاة بفيروس كورونا الجديد المتفشّي في العالم منذ أسابيع عدّة. فالممثل ـ صانع "أجمل السهرات" في "برودواي" عام 1999 ـ متوفٍ "لأسبابٍ طبيعية"، في منزله في المدينة الساحلية "نيو هافن" (ولاية "كونكتيكوت")، بحسبِ بيانٍ رسمي عن وفاته الحاصلة مساء الأربعاء الفائت، قبل أسابيع عدّة على بلوغه 89 عاماً.

الأوصاف التمثيلية كلّها صالحةٌ له في أدواره السينمائية والتلفزيونية، علماً أنّ للممثل الأيرلندي الأصل حضوراً في المسرح. ومع أنّ "الشرّ" لصيقٌ به، يظهر براين دينيهي مراراً في أدوارٍ ممتلئة عاطفةً وحناناً وإخلاصاً، وتفانياً في مهنته خصوصاً في شخصية محقِّق في دائرة للشرطة، والبارع في أبوّته، كما في "3 أيام تالية" (2010) لبول هاغِس. غلبة الأدوار الشريرة نابعةٌ من كثرتها، لكنّها (الغلبة) غير قادرة على إخفاء الجانب التمثيلي الدرامي المتماسك في اشتغالاته، حركةً وتعبيراً ونطقاً واستخداماً جميلاً للجسد والعينين/ النظرة والنبرة والانفعال. وهذه قابلةٌ لأنْ تمنح الشرير في شخصياته براعةَ أداءٍ أيضاً.

في مقابل جعله الشرّ مُبطّناً أحياناً، من دون إلغاءٍ تامٍ لظهوره مباشرةً، يذهب براين دينيهي إلى شخصيات أكثر إنسانية في مواقع اجتماعية مختلفة، محاولاً عبرها تأكيد امتلاكه أدوات التمثيل ومفرداته، وحِرفية الأداء وجمالياته.

حضوره التلفزيوني مرتبطٌ بأعمالٍ لها شعبية كبيرة، مُنجزة في سبعينيات القرن الـ20: "كوجاك" و"سربيكو" و"ماش" و"دالاس"، وإنْ تكن إطلالاته فيها قليلة (بضع حلقات في مواسم قليلة)، قبل أنْ يُصبح جاك ريد، المحقّق في قسم الجرائم في "إلّينوا"، بما تمتلكه تلك الشخصية من صفات مشتركة بين رجال الشرطة، في الجانبين الشرير والخيّر، إنْ صحّ اختزال المهنة بهذين الجانبين فقط.

انغماسه في أعمال الشرطة، وبعضها غير سويّ، يُقابله انخراطٌ في أعمال تلفزيونية وسينمائية مُصنّفة بالكوميديا الرومانسية مثلاً. حضوره التلفزيوني يكاد يطغى على تمثيله السينمائي، لكنّ هذا الأخير مرتبطٌ أحياناً بممثلين "نجوم"، كروبرت دي نيرو وآل باتشينو، اللذين يلتقيان به في Righteous Kill لجون آفنت (2008). مع كريستيان بايل وكايت بلانشيت، يظهر براين دينْيهي في شخصية والد ريك (بايل) في "فارس الكؤوس" (Knight Of Cups) لتيرينس ماليك (2015)، وريك رجلٌ تائه في ذاته وحياته، لأنّه كسيناريست يعاني أزمة متأتية من شعوره كـ"عبدٍ" للنظام الهوليوودي. قبل هذا كلّه، يُشارك في عملية إجرامية تحصل داخل مقرّ للشرطة، مع إيثان هوك ولورنس فيشبورن، في الفيلم الفرنسي الأميركي "الهجوم على منطقة 13" (2005) لجان ـ فرنسوا ريشي.

قبل "رامبو ـ دم أول"، ومناكفاته الحادّة ضد جون رامبو، يحدث لقاء بين دينيهي وستالوني في FIST لنورمان جايزون (1978)، عن العلاقات المعقّدة بين النقابات والمافيات، من خلال "نقابة سائقي الشاحنات" و"مافيا شيكاغو". لكنّه يلتقي روبرت ريدفورد في الكوميديا البوليسية Legal Eagles لإيفان رايتمن (1986)، حيث يتداخل التحقيق البوليسي في سرقة لوحة بمسائل رومانسية ومواقف كوميدية مختلفة. في هذين الفيلمين، يكشف دينيهي عن حِرفية تمثيلية، تحمل في طياتها جماليات أداءٍ تتفوّق، أحياناً، على المطلوب عادةً من ممثل يؤدّي دوراً ثانياً.

شهرته كممثل ثانٍ منبثقة أيضاً من التزامه متطلّبات هذا الدور الذي يُعتَبر ضرورياً في البناء الدرامي للنص والحبكة، وفي العلاقات القائمة بين الشخصيات كلّها. فالدور الثاني مُساندٌ جوهري لشخصية الدور الأول، في مساراتها ومصائرها وانفعالاتها وتوازناتها وارتباكاتها، إنْ يكن الصنيع الفني مبنيّ على معادلة درامية تحتاج إلى توزانٍ كهذا بين شخصيتين ـ دورين.

براين دينيهي ـ "الجذّاب والكريم من دون حدود والأب والجدّ اللذان يُفتخر بهما"، كما في رثاء ابنته اليزابيث، الممثلة بدورها ـ يبدو كأنّه مُدركٌ تماماً المساحة الموجود فيها كممثل. ربما لهذا تبقى أدوارٌ عدّة له "أساسيّة" في نتاجٍ سينمائيّ وتلفزيوني، يحتاج (النتاج) إلى براعةِ أداءٍ لصنع "دور ثانٍ" يكون ركيزةً لشخصياتٍ مختلفة، في عملٍ واحد.

دلالات

المساهمون

The website encountered an unexpected error. Please try again later.