"حلاوة روح" .. عرض المفاتن لحصد الإيرادات

"حلاوة روح" .. عرض المفاتن لحصد الإيرادات

15 ابريل 2014
+ الخط -

لا عيب في نقل عمل سينمائي من لغة إلى لغة، ومن طبيعة وقضايا وهموم مجتمع إلى مجتمع آخر. حدث هذا ويحدث وسيحدث، وشاهدنا كثيراً من النسخ السينمائية لموضوعات متشابهة، من عيّنة "الساموراي السبعة" و"الأخوة كارامازوف"، وغيرها كثير من القصص التي كانت في الأساس روايات شهيرة.

والسينما الأمريكية والأوربية نقلت عن بعضها بعضاً كثيراً من الموضوعات. كما نقلت من السينما الآسيوية كثيراً أيضاً، والعكس حصل. بل إنّ كليهما استعانا مرات عدّة بمخرجي وكتّاب أفلام حققت شهرة لصناعة نسخ محلية من الفيلم نفسه بحثاً عن الأرباح نفسها.

يبقى العيب دائماً في استسهال نقل العمل الفنّي من دون بذل مجهود في صناعته، أو جعله مناسباً للمجتمع الجديد المفترض أنّه صُنِع ليتوجّه إليه. النقل نفسه عيب ونقيصة، خصوصاً عندما لا يراعي طبيعة العمل الأصلي، مقارنة بالجمهور الجديد المستهدف بالعمل المنقول.

ويظلّ الاقتباس، هو الصيغة الأنسب والأكثر احترافاً في مجال السينما، ودائما يمكن لأيّ فنان أن يقتبس تيمة أو فكرة أو موضوعاً من عمل فني آخر ليقدّمه في ثوب جديد، أو في صيغة جديدة، أو بلغة جديدة لجمهور جديد.

ويدرك عشّاق السينما المصرية مثلاً أنّ كثيراً من أفلام نجم الكوميديا عادل إمام منقولة من أعمال أخرى أجنبية، وأنّ أغلب أفلام النجم الكوميدي الشاب، أحمد حلمي، منقولة من أفلام أجنبية. ويضمّ تاريخ السينما المصرية كثيراً من الأفلام الشهيرة التي نقلت كاملة أو اقتباساً، من السينما العالمية مثل "نهر الحب" و"الأخوة الغرباء" و"واحدة بواحدة" و"الامبراطور" و"اغتيال" و"شمس الزناتي" وصولاً إلى "عريس من جهة أمنية" و"جاءنا البيان التالي" و"اكس لارج" و"ألف مبروك" و"ريكلام"، وغيرها كثير وكثير.

إلا أنّ كلّ ذلك لا يعدّ، ولا يمكن أن يُعَدّ، مسوّغاً مقبولاً للنقل الحرفي للأفلام الأجنبية إلى لغات وبيئات مختلفة من دون مراعاة الاختلاف بين البيئة الأصلية والبيئة الجديدة.

في الأعوام الأخيرة تزايدت الظاهرة بما يمكنّنا من أن نطلق عليها تسمية "نَسخ" الأفلام الأجنبية لا اقتباسها. وعرفنا في مصر أفلاماً عدّة منسوخة بالفعل، آخرها فيلم "حلاوة روح" للمخرج، سامح عبد العزيز، والفنانة اللبنانية، هيفاء وهبي، المعروض حالياً في الصالات العربية.

الفيلم منقول، بالكامل، من الفيلم الشهير "مالينا" للمخرج، جوسيب تورناتوري، وبطولة النجمة الجميلة، مونيكا بيللوتشي. لكن شتّان بين الفيلم الأصلي والفيلم المنقول. وشتّان بين السيناريو الأصلي وبين السيناريو المنقول، وشتّان أيضا بين، بيللوتشي، كممثلة محترفة متمكّنة من كلّ أدواتها ومعتمدة على فكرة مغرية جداً لأيّ ممثلة ومخرج ونصّ جيدين، وبين، هيفاء وهبي، المتمكّنة فقط من إبراز مفاتنها ومخرجها الذي ساعدها على ذلك جيداً من دون أن يلتفت إلى أنّ "كلّ ما زاد عن حدّه انقلب الى ضدّه".

يبدو فيلم "حلاوة روح" كأنّه فيلم ينتمي إلى فترة ما بعد "النكسة" في مصر، حيث الإلهاء هو الأهمّ والإغراء هو الأساس، وليس الفنّ. هو ليس فيلماً بالمعنى الحرفي الإبداعي الذي يدرسه الطلاب في معاهد السينما أو أكاديميات النقد الفني، إنّما هو محاولة مستميتة لاستغلال مفاتن، هيفاء وهبي، التي لا تجيد التمثيل، والتي ليس لديها أدنى ممانعة أمام طلب إبراز كلّ ما يريده المخرج من مفاتنها. كلّ هذا مسخّر في النهاية بهدف جلب الجمهور إلى قاعات العرض وبالتالي حصد الإيرادات، وليس النجاح أو الثناء، ولا الجوائز بالطبع.

سامح عبد العزيز، في فيلمه المصري الذي أنتجته "شركة السبكي"، لم يكتفِ فقط بنقل نصّ الفيلم كاملاً، وعدد من المشاهد كما ظهرت في الفيلم الأصلي، بل وصل الأمر حدّ تصميم "أفّيش" مماثل تماماً لأفيش الفيلم الأصلي. (الصورة مرفقة).

لسان حال صنّاع الفيلم يقول: "لا نحاول نفي أنّ الفيلم نسخة مصرية من الفيلم الأجنبي الشهير، بل بالعكس، ها نحن نستغلّ بوضوح نجاح الفيلم الآخر لإضفاء بعض البريق على فيلمنا".

لكن لماذا لم يهتمّ المخرج بصناعة نصّ جيد، وحبكة درامية أفضل، وتصوير مشاهد أكثر صعوبة وحرفية والاعتماد على رؤية خاصّة به في تقديم الفكرة، بدلاً من التركيز فقط على صدر وساقي بطلة فيلمه، وشوق الرجال جميعاً لمضاجعتها؟

لقد تعمّد تسطيح الموضوع ومخاطبة الغرائز وحدها بدلاً من أن يخاطب العقول أيضاً بالمأساة والمعاناة كما في فيلم "مالينا" الذي ضمّ، إلى جوار مفاتن البطلة الواضحة، أسباب أزمتها الحقيقية، التي غابت في النسخة المصرية.

يظنّ بعض أنّ نقصاً في الأدوات لدى المخرج أو ضغوطاً من المنتج كانت وراء المستوى الباهت والابتذال الزائد في الفيلم، بينما الحقيقة أنّ المخرج نفسه قدّم سابقاً فيلمين من أفضل أفلام العقد الأخير بمصر هما "كباريه" و"الفرح"، وهما من إنتاج "السبكي" أيضاً، وضما عدداً من الجميلات، اللواتي لم يخضع المخرج لضغوطهنّ على حساب العمل الفنّي.

لكنّ ذلك لا يعفي المخرج أبداً من ضعف المستوى الدرامي للفيلم، خصوصاً فيما يتعلق بأداء هيفاء وهبي، نفسها كبطلة واحدة ووحيدة للعمل. ما لا يتفق أبداً مع ما قدمته في فيلمها الأول "دكان شحاتة" للمخرج، خالد يوسف، الذي كان أداؤها خلاله أفضل بكثير من "حلاوة روح". على الرغم من أنّ الدورين فيهما كثير من الشبه، تحديداً في اللجوء إلى الحزن المصطنع والأداء الزائد عن المطلوب، "أوفر أكت"، لإخفاء ضعف أداء البطلة.

على مستوى التمثيل أيضا لم يكن، باسم سمرة، مختلفاً عن معظم أدواره السابقة، وكان صلاح، عبد الله، نسخة مكرّرة من أدوار كثيرة قدّمها بالأداء نفسه. ربما كان، محمد لطفي، الأكثر اقناعاً، وربما أيضا لأنّ دوره هو الأسهل بين الرجال الثلاثة المحيطين بالبطلة.

لكن يبقى أداء الطفلين في الفيلم هو الأكثر ظهوراً. وأداء الطفل الرئيسي "سيّد" كان مفتعلاً في بعض المشاهد، ومتماسكاً في مشاهد أخرى، بينما كان الطفل الآخر متميّزاً طوال الوقت.

المثير حقاً هو حالة الاحتفاء الإعلامي الواسعة بالفيلم، وبعضها بالطبع مصطنع بالنظر إلى سوء مستواه الفني. والأمر هنا له علاقة مباشرة باسم البطلة أولاً، ثم بالمشاهد الساخنة التي تثير دائماً الجدل في مجتمعاتنا التي يدّعي مواطنوها التمسّك بالأخلاق والفضيلة ويرفضون الخروج عن الأعراف في العلن، لكنّهم في الوقت ذاته يتوافدون إلى صالات السينما لمشاهدة السيقان العارية، والصدور المكتنزة والغنج المصطنع بولع ولهفة. وحين ينتهي الفيلم الذي كانوا يتابعونه بحواسّهم كلّها، تبدأ حملة الشتيمة لمن صنعوه ومن نصحهم كمشاهدين بمشاهدته.

 

 

 

المساهمون