"نوّارة": الثورة المصرية من بين أحلام الناس

"نوّارة": الثورة المصرية من بين أحلام الناس

11 ابريل 2016
نوارة (فيسبوك)
+ الخط -
بعد 9 سنوات على آخر أفلامها، "قص ولزق"، تعود المخرجة هالة خليل إلى السينما بفيلم "نوّارة"، الفائز بجائزة أحسن ممثلة لبطلته، منّة شلبي، في مهرجان دبي السينمائي، والذي بدأ عرضه في مصر منذ أيام.
الفيلم، الذي قامت بتأليفه، أيضاً، هالة خليل، لا يقوم على حبكة أو حكاية محددة يمكن سردها بتفاصيل البداية والوسط والنهاية المعروفة، بقدر ما يدور في ما يشبه سرداً ليوميات بطلته نوارة، التي تعمل في منزل أحد رجال الأعمال، وهو من أعضاء برلمان نظام حسني مبارك الذي سقط لتوه. ويعكس عملها هناك مفارقة حيوات من قامت الثورة ضدهم، ومن قامت الثورة لأجلهم، حيث الجانب الآخر من عالم نوارة، جدتها المنهكة التي تخاف من عدم وجود مياه لغسل جسدها بعد الموت. حموها المريض بالسرطان الذي لا يجد سريراً في مستشفى حكومية، والأهم، زوجها علي الذي عقد عليها منذ 5 سنوات دون إقامة علاقة زوجية حتى الآن لعدم وجود منزل.
تحاول خليل في الفيلم أن تلتقط لحظة الآمال العظيمة التي صاحبت الأشهر الأولى بعد ثورة يناير 2011، وانتظار الفقراء عودة الأموال المنهوبة وسط وعود وأحاديث إعلامية عن الرخاء، الذي سيعم مصر بعد استعادة "فلوس سويسرا المنهوبة". وعلى الرغم من مباشرة الفيلم في اختياره لنماذجه ومشاكلهم، إلا أن محاولة إكساب الشخصيات الكثير من التفاصيل الحقيقية في الشكل والمضمون، إلى جانب أداءات ممتازة من الممثلين، منحت الجانب الفقير من عالم الفيلم الكثير من الصدق، خصوصاً لشخصية نوارة المكتوبة بشكل جيد جداً، والمنفذه بأداء رائع فعلاً من منة شلبي، حيث الشخصية التي تتغلّب على صعوباتها بالصبر وانتظار الفرج وعدم الجهر بالشكوى، وتنتظر بصدق أن تتحسن الأمور دون أن تفقد الإيمان، رغم طول المدد، على حتمية التحسن. ولكنْ على الجانب الآخر من العالم، وخصوصاً في جزء الفيلم الذي يرصُد حياة الأثرياء، يبرزُ تناقض كلّ شيء. إذ لا تسير الأمور بنفس الصدق والهدوء، شخصيات فيلا "أسامة" (يجسد الشخصية محمود حميدة) وزوجته شاهندة (شيرين رضا) وابنته خديجة (رحمة حسن) كُلُّها تبدو شخصيّات كاريكاتيرية، وبصورة نمطيّة عن الأغنياء. ويزيد من هذه النمطيّة، شكل الحوار الذي اختارته هالة خليل ليدور بينهم طوال الوقت، حيث حديث مباشر عن الثورة والبلد ورجال الأعمال و"عودة الأمور لشكلها القديم"، إلى آخر تلك الأمور المثقلة جداً للفيلم، والتي تُفْقِد المشاهد تواصله مع ما يحدث.
يزيد من ذلك، النفس السياسي الزاعق في الفيلم، رغم محاولة هالة خليل عدم التطرُّق للثورة بشكل مباشر، ولكن إغراق شريط صوت الفيلم بنشرات أخبار طوال الوقت، قلل كثيراً من فنية العمل، حيث نشعر طوال الوقت أن الراديو مفتوح كي نسمعه نحن كمشاهدين، ويبدأ الخبر وينتهي مع ركوب أو نزول "نوارة" من وسائل المواصلات. وفي نفس السياق، يأتي مشهد ساذج ومباشر جداً لوقفة احتجاجية تخص الثورة، تُعطِل "الميكروباص" الذي تركبه البطلة فتنزل لفتح الطريق. رمزية المشهد وكل ما هو سياسي، يقلل كثيراً من كل شيء. ورغم أن الفيلم يحافظ على توازنه حتى ربعه الأخير، وهو اتِّزانٌ نابع من اهتمامنا بشخصية "نوارة" وأداء منة شلبي، إلا أنَّه ينهار تقريباً مع ظهور شخصية عباس أبو الحسن، شقيق "أسامة"، وقدومه إلى الفيلا واعتداؤه على "نوارة" بسبب غضبه من سفر شقيقه. مشهد زاعق آخر لا ينتمي لهدوء الفيلم، وطريقة نسجه لحياة شخصيَّته، وهو أمرٌ يستمرُّ لاحقاً مع نهاية ترغب في أن تكون ضاغطة على المشاهد، ودافعة للتساؤل عن مسار الثورة والقهر غير المقصود الذي سبّبته مع انهيار آمال الناس، إلا أن ذلك أيضاً يبدو صاخباً جداً، وبجرعة مضاعفة (ميلودرامية ربما) من القهر على عالم كان أصدق وأهدأ منذ البداية. ليخسر الفيلم نقاط قوته الإنسانية حين ينجر وراء الرسالة السياسية.

منة شلبي: من مراهقة مرفوضة إلى أفضل ممثلة

لم يكن طريق منة شلبي سهلاً في مسيرتها السينمائية. ممثلة أخرى لو كانت في مكانها، وببداية مثل بدايتها، كان من الممكن أن يخفت نجمها أو تتوقف تماماً. ولكن منة شلبي امتلكت الكثير من الوعي لتأخذ القرارات الصحيحة والتي تجعلها، مع نيللي كريم ربما، أفضل ممثلة مصرية في السنوات العشر الأخيرة. بدأت منة مسيرتها بدور مهم ورئيسي في فيلم "الساحر"، مع المخرج رضوان الكاشف، عام 2001. كانت مجتهدة وجيدة، ولكن حديث الناس اقتصر بشكل كامل على ما سمّوه بـ"المشاهد الجريئة" التي قدمتها، في وقت كان شعار "السينما النظيفة" الخالية من أي وجود حسي، هو المسيطر على السينما في مصر، لتنال هجوماً عنيفاً وحاداً، وهي لم تكمل بعد العشرين من عمرها.

في سنوات لاحقة، ظلت موهبة منة محصورة ضمن أفلام ضعيفة جداً، وفي أدوار لا تتطلب أي موهبة أو حضور، أفلام مثل اوعى وشّك (2003)، فيلم هندي (2003)، السيد أبو العربي وصل (2005)، أحلام عمرنا (2005)، أو الأسوأ محاولتها الكوميدية في أفلام السبكي في كلم ماما (2003). هذا الترنح في المستوى الفني، أو الأدوار غير المهمة، كان من الممكن أن يجعلها محصورة هناك إلى الأبد، لولا ذكاؤها ورهاناتها المختلفة. في المقابل، مشاركتها في فيلم هالة خليل، الأول "أحلى الأوقات" (2004)، كان لحظة مهمة، التجربة نفسها والحضور القوي لنسائها وأداء منة لدور "ضحى"، والشراكة الثلاثية المميّزة مع حنان ترك وهند صبري كصديقات قدامى في الفيلم.
هذا الحضور والاجتهاد الدائم وذكاء الاختيارات، استمر وصولاً إلى "نوارة"، والذي فازت عنه بجائزة أفضل ممثلة في مهرجان دبي ومهرجان تطوان السينمائيين، في دور مليء بمشاعر مكتومة. وبدا حينها تحديداً، كيف أن موهبة منة شلبي صارت مصقولة جداً، في تأكيد جديد لمكانتها كواحدة من أفضل ممثلات مصر، إن لم تكن الأفضل على الإطلاق.

دلالات

المساهمون