مخرِجات السينما المصرية في الألفية الجديدة

مخرِجات السينما المصرية في الألفية الجديدة: جرأة وتجريب وأصوات نسائية

11 مارس 2018
المخرجة المصريّة كاملة أبو ذكرى (Getty)
+ الخط -
لم تشهد السينما المصرية، في أي فترة من تاريخها، بروزاً لمخرجات نساء أكثر من سنوات الألفية. على الأغلب، بسبب الحراك المجتمعي والانفتاح على العالم أكثر من ذي قبل، ذلك الذي جعل المنتجين (باعتبارهم العنصر الأقوى في الصناعة السينمائية) يعطون الفرصة وثقة أكبر لسيدات في الوقوف وراء الكاميرا، وتنفيذ رؤاهم الفنية. ثم، وفي مرحلة لاحقة، كان لتبنّي بعض المخرجات مشاريعهنّ السينمائية وصناعتها في إطار إنتاجي مستقل، أي بعيداً عن الشركات والكيانات الكبرى، دور في وجودهنّ وبروزهنّ وانتزاع ما يمكن اعتباره "مساواة سينمائية"، ونزع الامتيازات الإضافية التي ينالها الرجال، لكونهم فقط رجالا.

ساندرا نشأت تفتح الباب
كانت أولى المخرجات التي استطاعت التواجد في إطار السوق السينمائي التجاري هي ساندرا نشأت، والتي يتمحور مشروعها السينمائي، لو صحت التسمية، حول قدرتها على تقديم أفلام ناجحة جماهيرياً، بشكلٍ يضمن لها الاستمرار، بدايةً من "مبروك وبلبل" عام 1998، مروراً بثلاثة أفلام كوميديا رومانسية من بطولة كريم عبد العزيز هي: "ليه خلتني أحبك" (2000)، و"حرامية في كي جي تو" (2001)، و"حرامية في تايلاند" (2003). واستفادت نشأت من النفس الجديد في السينما، خلال تلك الفترة، وتوازى ذلك مع طرح عبد العزيز نفسه كممثل غير كوميدي (يقدم أفلام "أكشن" أو أفلاما رومانسية)، وفي نفس الوقت يكون قادراً على الإضحاك، ويمتاز بخفة الظل. بعد ذلك تغيرت شراكة نشأت إلى أحمد عز، لتقدم معه 4 أفلام متتالية في 7 أعوام، ومرة أخرى تستفيد نشأت من رغبة عز في طرح نفسه كبطل أفلام تشويق وحركة. ولتقديم سينما الإثارة الـ"هيتشكوكية" التي تفضّلها، تخرج له "ملاكي إسكندرية" (2005) و"الرهينة" (2006) و"مسجون ترانزيت" (2008) وأخيراً "المصلحة" في (2012) الذي شارك بطولته أحمد السقا.


سينما امرأة أكثر ذاتية
مع منتصف الألفية، برزت مخرجتان مميزتان بشدة، تجاوزتا الرغبة في التواجد أو تقديم سينما تجارية حسب نموذج نشأت. وكانت أفلامهنّ تحمل هماً شخصياً أو صوتاً مميزاً يخص السيدات. أولاهن المخرجة هالة خليل، التي أخرجت 3 أفلام حتى الآن، وكان باكورة أعمالها "أحلى الأوقات" (2004)، من بطولة حنان ترك وهند صبري ومنة شلبي، من أكثر الأعمال حساسية في التعامل مع قصص وتفاصيل تخص المرأة خلال تلك الفترة. وكذلك كان فيلماها من بطولة سيدات؛ "قص ولزق" (2006) مستلهم عن قصتها الشخصية، والفترة التي أرادت فيها الهجرة من مصر، والثاني "نوارة" (2015) عن فتاة عاملة تحلم بتحسّن وضعها بعد قيام الثورة. أما المخرجة الثانية فهي، كاملة أبو ذكري، ورغم بدايتها التجارية، مثل نشأت، وإخراجها فيلماً يبحث عن التواجد مثل "سنة أولى نصب" (2004)، إلا أنها تجاوزت ذلك سريعاً بأفلام مثل "عن العشق والهوى" (2006)، والأهم "واحد صفر" (2009) الذي يحاول خلق رؤية بانورامية للوضع في مصر، من خلال عدة شخصيات على هامش مباراة كرة قدم للمنتخب الوطني، وأخيراً، فيلمها "يوم للستات" (2016) عن رغبة سيدات في منطقة شعبية الحصول على يوم في الأسبوع يستطعن فيه الذهاب إلى حمام السباحة الموجود في المكان بمعزل عن الرجال.


أما في التلفزيون فقد أخرجت أبو ذكري اثنين من أكثر المسلسلات تأثيراً وحملاً لقضايا المرأة في السنوات الأخيرة؛ "بنت اسمها ذات" (2013)، وتتناول فيها 50 عاماً من تاريخ مصر من وجهة نظر سيدة من الطبقة المتوسطة وتفاصيل حياتها وأحلامها العادية، والثاني "سجن النسا" (2014) الذي يقدم نظرة شديدة القرب لنساء مسجونات في قضايا مختلفة، ويروي قصصهن من وجهة نظرهن.

مخرجات السينما المستقلة
خلال السنوات الأخيرة، تحديداً التي تلت ثورة "يناير 2011"، شهدت السينما المصرية ظهور عدد من أفلام المخرجات المستقلات، بعيداً عن السوق التجاري. المشترك بينها هو انطلاقها من أفكار وهواجس ذاتية لهن والميزانية الصغيرة للإنتاج؛ "الخروج للنهار" (هالة لطفي 2012) يدور في يوم وليلة عن فتاة تحاول التعامل مع مرض أبيها واقترابه من الموت، "هرج ومرج" (نادين خان 2013) يخلق مثلث حب، شابان يحبان نفس الفتاة، في منطقة افتراضية مغلقة على نفسها، "فيلا 69" (آيتن أمين 2013) عن رجل على وشك الموت تخترق حياته أخته وابنها المراهق، "عشم" (ماجي مورجان 2013) في 6 قصص متوازية في فترة ما بعد الثورة في مصر. وصولاً لأفلام وثائقية مثل "ستوزاد" (هبة يسري 2011)، "أم غايب" (نادين صليب 2014)، "جاي الزمان" (دينا حمزة 2015) و"هدية من الماضي" (كوثر يونس 2016). ومُؤخَّراً، خلق مسلسل "سابع جار" جدلاً كبيراً عند عرضه على التلفزيون المصري، بسبب النماذج والعلاقات الجريئة والرؤية المختلفة التي يقدمها عن الحياة في مصر خلال الفترة الحالية، وفتح المجال للحديث في تلك الفترة عن احتمالية وجود ما يسمى بـ"مسلسلات مستقلة"؛ تنتج بميزانية محدودة ونجوم غير معروفين، ويكون لها احتمالية تحقيق نجاح وتواصل مع الجمهور، ويأتي المسلسل من صناعة 3 مخرجات آتيات من السينما: نادين خان وآيتن أمين وهبة يسري، ويحمل رؤية المرأة بشكل غير مسبوق تلفزيونياً، ويؤكد أن العصر الحالي أكثر قبولاً واستيعاباً لوجود المخرجات ورؤاهن من ذي قبل.

دلالات

المساهمون