"لا كاسا دي بابيل": وجوه شاحبة تحت قناع دالي

"لا كاسا دي بابيل": وجوه شاحبة تحت قناع دالي

31 يوليو 2019
كثير من المُجريات والأحداث لم تكن منطقية (نتفليكس)
+ الخط -
في عام 2017، بثّت شبكة "نتفليكس" مسلسل "لا كاسا دي بابيل" La Casa De Papel، المعروف بالعربية بـ"البروفيسور". بشكل غير متوقع، حقق المسلسل انتشاراً عالمياً كبيراً جعله أعلى المسلسلات غير الناطقة بالإنكليزية مشاهدة على المنصة. ارتبط هذا النجاح بالكثير من التفاصيل، أهمها الشخصيات الجذابة، وألاعيب الخدع والذكاء المتتالية ضمن حبكة سرقة تقدّم بشكل غير تقليدي.
نتيجة لهذا الاستقبال، قرّرت الشبكة شراء حقوق المسلسل وإنتاج الموسم الثالث منه، وكان أمامها الكثير من التحديّات: كيف يمكن الاستمرار مع قصة انتهت فعلياً؟ هل من المحتمل تحقيق النجاح نفسه من دون وجود شخصيات مهمة للغاية قُتِلَت أثناء الجزأين الأولَيْن؟ كيف تتعقد الحبكة والتفاصيل لمفاجأة وخداع المتفرّج كما حدث سابقاً؟
أكبر تحدٍّ في الحقيقة كان ربط الأحداث ببعضها في سياق متصل وغير مفتعل، وهو التحدي الذي نجحت فيه الشبكة وصناع المسلسل لدرجة مدهشة في الحلقات الأولى. في جزئه الجديد، نبدأ بعد عامين من نجاح عملية سرقة "دار سك العملة الملكية"، والأبطال الأحياء يعيشون حياة مترفة بعد سرقة مليار دولار. سريعاً، تهتز تلك الحياة بعد القبض على "ريو" في جزيرة، فتلجأ حبيبته "طوكيو" - بدافعي الحب والشعور بالذنب - إلى "البروفيسور" لمساعدتها، ليبدأ في تجميع الفريق لعملية جديدة أكبر من سابقتها في "مصرف إسبانيا المركزي" في العاصمة مدريد، والهدف الأساسي هو التفاوض من أجل تحرير "ريو".
هذا الربط لبدء عملية جديدة كان شديد الذكاء، تحديداً إذا أضفنا إليه عوامل استغلها السيناريو بقوة، كالبُعد المرتبط بالجماهير التي صارت - خلال العامين السابقين - تتعامل مع المجموعة وقناع "دالي" كرمز للثورة على السلطة، وبناء على ذلك يأتي واحد من أجمل مشاهد الموسم كاملاً حين تُبنى الخطوة الأولى في الخطة على إسقاط 140 مليون دولار من مناطيد في السماء على الجماهير كجزء من عملية إلهاء قبل اقتحام المصرف، وفي الوقت نفسه التعبير عن "روبن هودية" المجموعة.
كذلك كان استحضار شخصية "برلين" مرة أخرى في مكانه تماماً، وشديد الارتباط بالعملية ذاتها كونها فكرته وترتيباته هو قبل خمس سنوات من لحظة تنفيذها، وبهذا عوّضت نسبياً الفراغ الذي ستتركه الشخصية الأكثر شعبية في الموسمين السابقين.
ثالثاً، كان تطور الشخصيات القديمة التي نعرفها (تحديداً "دنفر" و"نيروبي" و"هيلسنكي") متناغماً مع الشخصيات الجديدة التي انضمت للمجموعة مثل "باليرمو" (قائد العملية من داخل المصرف)، ومونيكا (التي صارت الآن "استوكهولم")، والمحققة راكيل (التي ارتبطت بالبروفيسور وصارت "لشبونة"). وأخيراً، كانت المشاهد وتطور الأحداث حابسين للأنفاس في البداية؛ كلحظة دخول المصرف أو اختطاف مديره أو التعامل مع الرهائن أو الصعاب التي يواجهونها في خطة اقتحام غرفة العملات الذهبية أو حتى كون عنصر "البوليس" (ومعه الجيش) أقوى وأعنف في تلك المرة، كل شيء كان مثالياً ويتجاوز حتى جودة الموسمين الأوليين، في نجاحٍ مبهر للتحدي الأكبر.
لكن، مع تتالي الحلقات في النصف الثاني، ومع الرغبة الشديدة في رفع درجة التحدي والإثارة، يبدو وكأن المسلسل يطلب منك إيقاف عقلك قليلاً واستقبال ما تراه فقط من أجل مشاهدة مسلية، لأن أي قدر من التفكير يجعلنا نشعر بالكثير من الافتعال وفجوات المنطق؛ وهو أمر يأتي من أن بناء الموسم كله قائم على "الثنائيات العاطفية" (البرفيسور ولشبونة - نيروبي وهيلسنكي - برلين وباليرمو - طوكيو وريو)، والجانب الأساسي من التعقيدات التي تتعرض لها المجموعة مرتبطة بانفعالات وتداخلات عاطفية، ولكنه يحدث بشكل مُقحم تماماً، إذ لا يوجد إقناع حقيقي بأي خلاف أو توتر بين أي طرفين من الثنائيات العاطفية، "البروفيسور" و"لشبونة" تبدو خلافاتهما أقرب لشد وجذب طالبين في مدرسة ثانوية وليس لعقول جبارة في عملية سرقة مصيرية.
لا يعقل كذلك أن يترك "باليرمو" نفسه في تلك الهشاشة العاطفية، وتقرر "نيروبي" أن تعطيه درساً في أنه كان يحب "برلين" ولم يستطع إخبارها وأن يحدث ذلك أثناء المهمة، ثم الطامة الكبرى والتحول الأكثر إزعاجاً في إخبار "ريو" لـ"طوكيو" - بعد ساعات من خروجه وفي قلب المهمة أيضاً! - بأنه لا يرغب أن يكون معها وردود فعلها الهيسترية بناء على ذلك، لا تصبح الشخصيات بالقوة نفسها أو الحكمة مع محاولة كتاب المسلسل تعقيد الوضع.
كذلك، هناك بعض التتابعات المفتعلة من أجل رفع وتيرة الإثارة؛ لم يكن مقنعاً مثلاً أمر "الحقائب الحمراء" وأسرار الحكومة الإسبانية المخفية في غرفة سرية في البنك والتي تُنقذ المجموعة في لحظة محورية، أو سريّة الجيش القوية التي تخلع ملابسها وتغني "Bella Ciao" مهما كان التهديد، كذلك لحظة "الدب الأزرق" في الحلقة الأخيرة من أجل الضغط على "نيروبي" كانت سيئة للغاية وتعتمد على احتمال ورهان وحيد - هو ما يحدث قطعاً - يبدو رجال الشرطة والأمن شديدي الغباء وهم يبتلعون طُعم الـGPS من دون ذرة شك، وهو امتداد للشكل الكاريكاتيري المبالغ فيه الذي يظهرون به عموماً، وتحديداً شخصية "أليشيا سييرا" المحققة والمفاوضة الجديدة، التي كانت مفتعلة وضعيفة إلى أبعد حد (أدّت دورها نجوى النمري). 
في المجمل، الجزء الثالث من La Casa De Papel ممتع للغاية، ينجح في بعض التحديات التي تجعلك تتابع القصة باقتناع واهتمام، ولكن في ظل محاولته رفع وتيرة الإثارة والخدع يسقط في فخ تفاصيل مفتعلة وغير منطقية. وصحيح أنه أقل من الموسمين الأولين ولكنه يستحق المشاهدة.

المساهمون