الشيخ إمام: 100 عام من الغناء

الشيخ إمام: 100 عام من الغناء

02 يوليو 2018
لم يسع إلى تقديم ألحانه إلى مطربين(محمد الشيتي/فرانس برس)
+ الخط -
تظل تجربة الشيخ إمام، الذي تمر اليوم 100 عام على ميلاده، من أهم تجارب الغناء السياسي في مصر، بكل ما يحمل الغناء السياسي من شروط. بداية من حب الوطن، ومعارضة السلطة، والسخرية اللاذعة منها ومن رموزها، ونقد المجتمع ومناقشة قضاياه.. 

الأغنية السياسية جعلت الشيخ إمام رهن مساحة غنائية ضيقة، خصوصاً مع انتماء أغنية إمام إلى الجانب المضاد للدولة. إذْ لا تهتم الدولة بإحيائها أو ذكرها أو إعادة تقديمها، ليقف بجانبه فقط المعارضون وأصحاب الأفكار المستقلة، كما قدمه يوسف شاهين في فيلم "عصفور" عام 1972، وهو الفيلم المبني بالأساس على أغنية "مصر ياما يا بهية".



لسنا من أبناء الستينيات والسبعينيات؛ الجيل المتأثر بأغاني إمام، كملهم ومحفز ومعلق على الأحداث الجارية. لسنا من الجيل الذي لحق ركاب إمام في أواخر أيامه، وحضر له حفلة في أي حزب سياسي، أو تناقل في سرية تامة شريط كاسيت يحمل أغانيه. نحن من جيل كان أول تعارف بينه وبين إمام من خلال فيلم "الطريق إلى إيلات"، وغناء محمد سعد لنفس أغنية فيلم "عصفور"، من دون أن يعرف أن مطربها يدعى الشيخ إمام.

ربما كانت بداية التعارف الحقيقية لجيلينا عن طريق اكتشاف أحمد فؤاد نجم، إما عن طريق أغانيه لمحمد منير، "الملك هو الملك"، أو حنان ماضي، "ليلة عشق"، أو جورج وسوف، "صياد الطيور"، أو محمد الحلو "أهيم شوقا"، أو عن طريق مقاطع لنجم من برنامجه الشهير "حبايبنا"، أو في برامج تمت استضافته فيها، ومن ثمَ نكتشف الشيخ إمام وأغانيه.



عند قيام مطربين وفرق موسيقية بإعادة تأدية أغاني إمام وتقديمها بمصاحبة فرقة موسيقية، يبقى التوزيع الأصلي في أذهاننا، كما قدمه إمام، من دون فرقة مصاحبة، إلا من عوده ورفيقه عازف الإيقاع محمد علي. لم نتخيل أغاني إمام بفرقة موسيقية كاملة، يفقدها هذا الكثير من أجوائها.



كانت فكرة إمام عن الأغنية أنها مُلك الجميع، يختلط صوته مع صوت الكورس، لدرجة أن يختفي صوته، ولا يبالي، فهو قام بدوره في تلقين الكورس الموجود في لحظتها ــ جمهور كان أو أصدقاء ــ لحن الأغنية واكتفى بدور المراقب. يمكن لإمام أن يرفض صوتا بعينه لأنه صوت غير جميل، مثل القصة الشهيرة التي قصها نجم عن رفضه غناء شخص، لأن صوته ليس جميلا، لكن لم يرفض إمام أي صوت جماعي. يرى الغناء صوت الجموع، صوت الشارع بكل ما فيه من اختلافات. لذلك لم يهتم إمام بفكرة النجومية أو الشهرة، أو حتى دخول الفن من أبوابه الشرعية، كانت الجموع هي بوابته للشهرة، كما كانت الكورس وراء غنائه.

بالطبع كانت الأغنية السياسية سببا في انتشاره وسط الجموع، لكن هل كانت الأغنية السياسية هي السبب في جعل الجموع هي بوابته للشهرة والكورس وراءه؟ بمعنى آخر، هل رفضت الدولة إمام لأنه مطرب سياسي ومعارض، أو هل رفض إمام الدخول لعالم الغناء التابع للدولة لأنه مطرب سياسي؟

بعيدا عن الإجابة المتسرعة والمتوقعة، نطرح عدة أفكار ربما تصل بنا إلى نتيجة جديدة، أو مختلفة. في بداية رحلة إمام الفنية، كان يعمل مساعداً للشيخ زكريا أحمد، يحفظ ألحانه، لأن زكريا كان ينسى سريعاً، ومن ضمنها بالطبع أغاني أم كلثوم، والتي بدأ إمام في تسريبها في جلساته الخاصة، حتى اشتهر الأمر ووصل للشيخ زكريا، والذي قام بطرده من العمل. من هنا يتضح أن إمام كان لا يكترث بطريق الفن والشهرة، كان يميل للجلسات الخاصة أكثر، للجموع كما ذكرنا سابقا.

كان ممكنا لإمام استغلال الفرص والاقتراب من الإذاعة، كما فعل سيد مكاوي، لكن إمام كان خارج أي إطار يمكن أن يحدد طريقه. هو حقاً كفيف لا يستطيع أن يمشي في خطٍّ مستقيم، لذلك لم يكن لقاؤه بنجم هو سبب تحوله من مشروع مطرب تجاري إلى مطرب سياسي، كان إمام لا يرى نفسه وسط هذا العالم، ولا يميل له.

كانت الأغنية السياسية مع نجم. جاءت بسبب ظروف الوطن، خاصة مع أحداث هزيمة دامية (النكسة). كانت أغاني إمام ونجم أغاني تعبر عن الجموع، لا في السياسة فقط، ولكن في كل الظروف الاجتماعية، جلسة أصدقاء على مقهى، ينتقلون من موضوع إلى آخر، من دون ترتيب أو نظام. كانت أغاني نجم وإمام أقرب إلى ذلك، من الوطن الحبيبة إلى الحبيبة الوطن، ومن هزيمة إلى أمل، ومن أمل إلى الحديث عن الخائن والخيانة، ومن الأغاني العاطفية إلى الأغاني الحماسية إلى الأغاني الساخرة.



لم يسع إمام إلى تقديم ألحانه إلى مطربين، أو حتى تقديم نفسه كمطرب، اكتفى بمكانه بين الجموع، ونجح في حفر اسمه في عالم الغناء، ونجح في جذب انتباه كل الناس، من البسطاء وحتى محمد عبد الوهاب وأم كلثوم. فتجد في حوار إذاعي، يحاور فيه عبد الحليم حافظ محمد عبد الوهاب، ويسأله عن رأيه في الشيخ إمام، بعيداً عن المحاولات الكثيرة للتملص من الكلمات التي يغنيها إمام، إلا إنه أثنى كثيرا على صوته وألحانه.

في الحوار الإذاعي السابق، يقول عبد الوهاب قبل حديثه عن الشيخ إمام، إن الفنان نوعان، نوع يحاكي الشعب ويحكي عنه ويسلط الميكروسكوب على مشاكله، ويكون واقعياً وصادقاً، ونوع آخر لا يعيش مع شعبه ولكنه متقدم عنه، يمكنك هنا بسهولة معرفة إلى أي نوع ينتمي إمام، وأي نوع ينتمي عبد الوهاب.

إمام أقرب إلى الشعب، يحب الغناء والعود وجلسات الأصدقاء، لذلك نجد تسجيلات كثيرة لإمام وهو يغني أدوارا قديمة وطقطوقات وموشحات، وأغاني سيد درويش ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم والشيخ زكريا أحمد، وأغاني تراثية، كان يحب الغناء؛ هذا كل ما في الأمر.
ربما كانت الأغنية السياسية هي الأكثر انتشاراً لأنها الأكثر إثارة للجدل. لكن إمام قدم أغاني كثيرة بعيداً عن السياسة، على سبيل المثال لا الحصر: "أهيم شوقا"، و"أنا أتوب"، و"أتوب إزاي"، و"صياد الطيور" وغيرها.






دلالات

المساهمون