إعادة التوزيع الموسيقي... تمرّد على السائد

إعادة التوزيع الموسيقي... تمرّد على السائد

09 يناير 2017
التوزيع الموسيقي قبول ورفض (آدم جيسون/Getty)
+ الخط -
يكثر السؤال عن ماهية التوزيع الموسيقي، بالطبع فكلمة توزيع موسيقي مرتبطة بالمجال الموسيقي من الدرجة الأولى وبمجال الهندسة الصوتية من الدرجة الثانية. فمن حيث المجال الموسيقي التوزيع يكون مسؤولاً عن التحكم في الآلات الموسيقية واستعمالها في نطاق دورها المختص بالإضافة إلى "الصولوهات" والتوافقات الموسيقية وكل توابعها، وإعادة المقاطع والكورال.

في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، بدأت ظاهرة جديدة تغزو عالم الأغنية العربية، وهي ظاهرة التوزيع الموسيقي. فبعد أن كانت الأغاني العربية منذ نشأتها، تقوم على المزج بين ثلاثة عناصر فنية، وهي: الكلمة، اللحن والأداء، فإن التطور التقني، المقترن بعمليات معالجة الصوت والتسجيل، أدى إلى انبثاق عنصر إبداعي جديد، لا يقل أهمية عن باقي العناصر المكونة للأغنية، وهو التوزيع الموسيقي.

والمقصود بالتوزيع الموسيقي عملية الإشراف على تسجيل الأغنية من الألف إلى الياء، أي بدءاّ من اختيار الآلات الموسيقية المستخدمة، وتحديد الإيقاعات والخلفية الموسيقية، وانتهاءً بالإشراف على عمليات التسجيل والمعالجة، لإخراج الشكل النهائي للأغنية.

ظاهرة محدثة في الثمانينيات
تفاجأ المستمعون في تلك الفترة، بوجود عنصر جديد أضيف إلى أغلفة الألبومات، وهو التوزيع الموسيقي؛ ويعود الفضل في ذلك للفنان الليبي – المصري، حميد الشاعري، الذي حوّل عملية اختيار الآلات الموسيقية والإشراف على تسجيلها، من أمر ثانوي يقوم به الملحن والمغني بشكل عفوي، إلى صناعة منظمة وممنهجة. وقام حميد الشاعري بتوزيع أغلب الألبومات الغنائية في مصر في تلك المرحلة، إلى أن تم إيقافه عن العمل الموسيقي في مصر سنة 1991، بتهمة هي الأغرب بتاريخ الموسيقى العربية، وهي تخريب الذوق الموسيقي، إذ إن الفنانين المنتمين للعصر السابق للشاعري، لم يتقبلوا التغييرات التي قام بها، ولاسيما في الجانب المتعلق بالتوزيع الموسيقي.




تزامناً مع قضية إيقاف حميد الشاعري عن العمل الفني، قام بعض المطربين المصريين بإعادة التوزيع الموسيقي لأغان قدموها سابقاً، ليعبروا بشكل فني عن أهمية هذا العنصر الفني المُحدث في الأغنية العربية، ولتأتي هذه التجارب كنوع من التمرد الصامت على قرار إيقاف الشاعري؛ وكان محمد منير أول من قام بإعادة توزيع الموسيقى في أغانيه، حيث أطلق سنة 1991 ألبوم "مشوار"، والذي يضم أغاني من ألبوماته الخمسة الأولى بتوزيع مختلف؛ وكذلك قام عمرو دياب بإعادة توزيع أغنية "ميال"، التي أطلقها أول مرة سنة 1988، والتي كانت الأغنية الأساسية في أول ألبوم تعاون فيه عمرو دياب مع حميد الشاعري، وأدرجها في ألبوم "ذكريات" سنة 1994.

إعادة توزيع أغاني الفولكلور والطرب
مع بداية الألفية الثالثة، أعادت فرق الموسيقى البديلة للتوزيع الموسيقي مكانته كأداة للتمرد، فقامت بعض الفرق بإعادة التوزيع الموسيقي لبعض أغاني "الفولكلور" وبعض الأغاني "الطربية"، لتقدمها بشكل جديد تمتزج فيه الإيقاعات الغربية أو الإفريقية، والموسيقى الإلكترونية الحديثة مع الكلمات والألحان الأصيلة.

وأنتجت هذه المزاوجة أشكالاً جديدة من الموسيقى العربية تمتزج فيها الأصالة بالحداثة، مثل فرقة "جدل" الأردنية، التي قدمت أغنية "كل ما قول التوبة" لعبد الحليم بنكهة الروك، ومثل فرقة "هالوسايكو آليبو" السورية، التي قدمت أغاني أم كلثوم على طريقة "الإلكتريك بوب"؛ وأعجب البعض بهذه النزعة الحداثوية، ولكن شريحة كبيرة من النقاد والموسيقيين المنتمين، وجدوا أن إعادة توزيع الموسيقى الطربية يفقدها قيمتها، وتصدوا للموجة الجديدة بمنطق "تبقى الأغاني الأصلية أفضل"، لتؤكد هذه النظرة أن التوزيع الموسيقي في الوطن العربي، هو أداة مستمرة للتمرد على ما هو سائد.




دلالات

المساهمون