استخدام الخطاب النسوي في الإعلانات التجارية

استخدام الخطاب النسوي في الإعلانات التجارية

07 مارس 2018
من إعلان نايكي لدعم النساء (يوتيوب)
+ الخط -
تخرج فتاة محجبة من منزلها، وهي ترتدي ثياباً رياضية، وتبدأ بالركض. تحملِقُ امرأة ستينيّة مُحجبة بالفتاة، وكأنها تنتقدها، إلا أن الفتاة تكمل الركض غير مكترثة. بعيد ثوان، تتلاحق لقطات لنساء أخريات يمارسن مختلف أنواع الرياضات في أماكن متعددة على مرأى من الجميع، تزامنا مع صوت أنثويّ ناطقٍ بلهجةٍ عربيةٍ معينةٍ يشير بالقول "ما الذي سيقولونه عنك"، وذلك بالعاميَّة "ايش حيقولوا عنك؟".

هذه المشاهد هي من إعلان مدته تزيد عن دقيقة تقريباً لشركة "نايكي" الرياضية. الإعلان الموجه بشكل خاص لمنطقة الشرق الأوسط، يقابله آخر مختلف نوعاً ما موجه لتقوية النساء في روسيا، وآخر مخصص للمرأة التركية، جميعها جزء من حملة للشركة العملاقة تحت اسم Believe in More، وذلك لتقوية النساء، ودفعهن لكسر الحواجز المجتمعية الشائكة عن طريق ارتداء ملابس نايكي وممارسة الرياضة.




هذه ليست المرّة الأولى التي تطلق فيها "نايكي" حملات خاصة بتمكين النساء women empowerment، من أجل بيع منتجاتها وتوسيع رقعة سوقعها. كما أنّ شركة "دوف" Dove أطلقت عددًا من الحملات التي تدعو النساء إلى تقبل أنفسهن، ورفض المعايير الجمالية التي تفرضها وسائل الإعلام والمجتمع، أشهرها حملة "الجمال الحقيقي" Real beauty. شركة "كيلوكوز" kellogs، أيضاً، خصّصت للنساء مواد غذائية، وأطلقت حملةً بعنوان own it، تدعو النساء إلى عدم الاكتراث للمقاييس الجمالية التي يفرضها الإعلام والمجتمع على المرأة.




هذه الشركات العملاقة وشركات آخرى، بدأت بتضمين مصطلح تمكين المرأة، كجزء أساسي لحملاتها الإعلانية، ولتكريس مصطلح femvertising (ويعني بالضبط: استخدام الخطاب النسوي من أجل البيع)، ما أثار جدلاً واسعاً وطرح أسئلة، عما إذا كانت هذه الشركات تسعى فعلاً لتمكين المرأة ودعمها، أم أنّ ما تحاول فعله ببساطة هو بيع منتجاتها، وزيادة نسبة أرباحها على حساب قضايا شائكة تعاني منها النساء حول العالم.
قبل الإجابة عن هذا السؤال، تجب الإشارة إلى أن الشركات، وبعد إطلاق حملاتها حققت أرباحاً كبيرة، بعضها عرض على الإنترنت بوضوح وبعضها الآخر لم يعلن بشفافية. أما فيما يخص الإجابة عن هذا السؤال مع استخدام الأمثلة المذكورة سابقاً، فلا بد من دراسة حالة التناقض على مستويين. المستوى الأول، هو التناقض الذي يطرحه الإعلان أو الحملة الإعلانية، فشركة dove، على سبيل المثال، ومن خلال إعلانات حملتها، تدعو النساء إلى رفض القيم التي يطرحها الإعلام، وتدعو النساء لاستشفاف جمالهن الحقيقي، إلا أنها في الوقت ذاته تبيع منتجات لمحاربة وإزالة التجاعيد والترهّلات! أمر مشابه يوجد عند شركة "كيلوكز" التي تقول في حملتها إن كل ما تفعله النساء هو الخوف من الأكل، وعلى النساء أن يأكلن ما يرغبن به وخاصة منتجات "كيلوكز" المصنعة والغنية بالسكر. إلا أن المنتج نفسه يدعو إلى اتباع حمية خاصة "بيكيلوكز سبيشال كي" تركز على فقدان الوزن، أي أنَّ فكرة المنتج ولدت أصلاً لزيادة نسبة أرباح الشركة.
المستوى الثاني، هو التناقض الذي تطرحُه مُعاملة حملة أو إعلانات الشركة بمعْزَل عن كلّ منتجات الشركة الأصل التي تمتلكها. فـ"أولويز"، على سبيل المثال، أطلقت أشهر حملة لتقوية النساء بعنوان like a girl، من أجل كسر النمطيّة التي تعامَل بها النساء، ككائنات ضعيفة وهزيلة، ولا تتقبّل نفسها، وغير قادرة، وأقل من الرجال.



إلا أن الشركة المالكة لـ"أولويز"، وهي شركة مختصَّة بمستحضرات تجميل النساء، وبشكل محدد كريمات الحد من التقدم بالعمر والتجاعيد باعتبارها الخطر الأول الذي يحدق بالنساء، كما تدعي الشركة من خلال إعلاناتها. الأمر ذاته بالنسبة لـ"نايكي"، والتي تقول للنساء إن عليهن التمرد ورفض الهيئات النمطية للنساء الجميلات اللاتي يظهرن في المجلات، لكن "نايكي" تروج لمنتجات شركات تمتلكها مستعينة بعارضات أزياء وحسناوات جميلات كإعلان شركة Cole Haan الذي يجمع العارضتين الشهيرتين Christy Turlington Burns و Karlie Kloss.


أما Dove التي تحاول في كل عام طرح أذكى الحملات لتحفيز الجمال الداخلي، والتي تبني أبحاثاً خاصة بها وعلى أساساها تهيئ لحملات تقوية المرأة فهي مملوكة من قبل شركة unilever التي تمتلك أيضاً fair and lovely القائمة على محاولات تفتيح البشرة السمراء لتغدو أكثر بياضاً، بالإضافة لامتلاكها لشركات مأكولات وأطعمة تساعد على زيادة الوزن، كـ"ماغنوم" و"كنور"، وعشرات الشركات اللاتي يناقضن فكرة حملات Dove.


وجهة نظر أخرى تشدِّد على أنه، بالرغم من هذه الحقائق، فإن الإعلانات بحد ذاتها تحمل رسالة مشجعة للنساء. إلا أن وجهة النظر المقابلة تتوسع في شرح مخاوفها التي تتمحور حول حقيقة سيطرة هذه الشركات على الكلمات المفتاحية والمفاهيم التحررية التي تحارب من أجلها منظمات عديدة تُعْنَى بقضايا النساء. بالإضافة إلى سيطرتها على أحداث احتفاليات عالمية تختص بالنساء، ووقوفها وجهاً لوجه أمام منظمات تحاول طرح حملات غير ربحية تساهم بشكل مباشر في مساعدة النساء، كاليوم العالمي للمرأة حينما وقف إعلان لشركة "ويسترن يونيون" يدعو إلى تعليم النساء في أقاصي العالم، أمام إعلان بعنوان أطول فيلم على الإطلاق لإثبات أن الفقر موجود، التابع لحملة GirlsCount لمنظمة One غير الربحية، وأيضاً أمام حملة الأمم المتحدة التي تُعنَى بشؤون النساء تحت اسم The Autocomplete Truth.



دلالات

المساهمون