حكايات الرقص الشعبي: عَطَب الصورة

حكايات الرقص الشعبي: عَطَب الصورة

18 مارس 2019
تمارين على الرقص الشعبي المصري (فيسبوك)
+ الخط -
يحاول المصري رامز يوسف، في أول وثائقي طويل له بعنوان "الشغلة" (2019، مصر، 79 دقيقة)، أن يكشف شيئًا من أحوال مهنة الرقص الشعبي المصري، في حفلات الأفراح تحديدًا، وكواليسه وخبرياته وقوانينه غير المكتوبة. يريد رحلةً في المناخ الإنساني والأخلاقي والثقافي، المُسرف في قواعده الشعبية البسيطة والمتواضعة، لكن المليئة بوعي يتمكّن صاحبه من جعله صامدًا في مواجهة تنافسٍ وعلاقات وحالاتٍ.

لن يعكس الوثائقي هذا ـ المُشارِك في المسابقة الرسمية للأفلام الوثائقية في الدورة الثالثة (2 ـ 8 مارس/ آذار 2019) لـ"مهرجان شرم الشيخ للسينما الآسيوية" ـ أحوال راقصات وحكاياتهنّ فقط، فهو مهتمٌّ بأصول المهنة وكيفية الاشتغال فيها، ما يدفع برامز يوسف إلى لقاء من يتولّى إدارة اللعبة برمّتها. وهؤلاء، أمام كاميرا ليلى سامي ومحمد صيام، يروون تفاصيل يتداخل فيها الشخصي البحت بالمهنة وأصولها وكيفية العمل بها. والثلاثة، عربي وسيّد وتامر، لهم في المهنة سنوات، ولهم مع راقصاتٍ أكثر من مهنة، فبعضهم يتزوّج راقصة أو أكثر، فتنعدم الحدود الفاصلة بين المهنيّ والحياتي الحميم. ما يرويه هؤلاء ـ وبعضه يتّخذ وقتًا طويلًا فتُثير اللقطات ضجرًا، ويُصبح الكلام مملًا ـ جزءٌ من عالمٍ متكامل تعرفه مصر وأحياؤها الشعبية، فهذا مكانٌ يهتمّ به رامز يوسف (كاتب السيناريو بالتعاون مع بلال حسني) ولن يُغادره إلى أمكنة أخرى، فالتركيز ضروري إنْ يهدف إلى تفكيك المهنة وكشف بعض خفاياها وتاريخها وأسئلتها.

ورغم أنّ "الشغلة" ـ المُصاب بأعطابٍ تتعلّق ببنيانه الدرامي وسرده وتوليفه (إسلام كمال) وصيغته البصرية النهائية (هناك مشكلة صوت، ربما تكون ناتجة من سوء التجهيزات الخاصة بقاعة العرض نفسها في فندق "بيراميزا" في شرم الشيخ، لا بالفيلم) ـ معنيّ بمسألة حسّاسة وأساسية في الحياة المصرية، وهي تجمع بين الفنّ وأحوال العيش والعلاقات القائمة بين العاملين في المهنة، إلّا أن النتيجة غير سوية، لنقصٍ في الوعي المعرفيّ بأصول صناعة وثائقيّ يبتعد قدر المستطاع عن قواعده الكلاسيكية التقليدية، كي يذهب بعيدًا في ابتكار صُوَر واقعية عن مهنة وعالمٍ وأناسٍ وتفاصيل.

لن يكتفي رامز يوسف بتلك اللقاءات الطويلة مع عربي وسيد وتامر. فللراقصات حضورٌ، مع أنه نادر وسريع وغير مُشبع بمساحة تتيح لكلّ واحدة منها تعبيرًا شفافًا وعفويًا (قدر المستطاع) عن ذاتها وارتباطاتها ومعنى المهنة بالنسبة إليها. صحيح أن بعضهنّ يبوح بشعور أو انفعال أو موقف، لكن الغلبة للثلاثيّ الممسك بزمام المهنة ودهاليزها وفضاءاتها المتنوّعة، حياتيًا وفنيًا وانفعاليًا واجتماعيًا. وهذا، بقدر ما يُقدِّم بعض المعطيات عن ذاكرة فردية وتاريخ جماعي، يبقى ناقصًا ومُصابًا بخلل سينمائيّ يمتدّ من التقنيّ إلى الدراميّ والجماليّ والإنسانيّ.

المساهمون