صندوق الدنيا.. سينما الأجداد الساحرة

صندوق الدنيا.. سينما الأجداد الساحرة

20 نوفمبر 2015
صندوق الفرجة (Getty)
+ الخط -
لا يزال كبار السن يتذكرون ذلك الصندوق السحري الذي كان يفتنهم وهم أطفال قبل ظهور عصر التلفزيون والسينما والإنترنت... كان صاحب الصندوق يحمله على ظهره يجوب الشوارع وهو ينادي: "قرّب يا سلام.. اتفرج يا سلام". فيهرع إليه الأطفال ببعض (الملاليم) ينشدون المتعة!


يقوم الرجل بترتيب الأطفال واحداً تلو الآخر على دكة يجلسون عليها؛ لمشاهدة (صندوق الدنيا) أو (صندوق الفرجة) ويدخل الطفل رأسه خلف قماشة تغطي رأسه لينظر في عدسة يشاهد من خلالها قصصاً مصورة خلابة، ولمدة دقائق معدودة ينفصل عن الحياة مستغرقاً مع الصور المتحركة كأنه في حلم جميل، يشاهد فيه عنترة بن شداد، أو أبو زيد الهلالي، والأميرة ست الحسن وغيرها من الحواديت المحببة!


بدأ يضعف وجود هذا الصندوق منذ منتصف القرن العشرين، وبدأ يقتصر وجوده على المناطق النائية عن الإرسال التلفزيوني الجديد. ثم شيئاً فشيئاً لم يعد له أثر سوى في كتابات السابقين وأعمالهم الفنية.
هذا الجهاز البدائي هو النسخة العربية لجهاز الـ "كنتوسكوب"، وهو أحد اختراعات توماس إديسون، سنة 1891. ويعمل عن طريق تحريك شريط مرن بين لمبة وعدسة، بينما ينظر الشخص من فتحة خاصة. إذ تعمل العجلة الدوّارة في الآلة كمصراع لتمكن الآلة من عرض 46 صورة في الثانية. فتكون النتيجة عرضا شبه حقيقي للحياة.

انتقل الـ "كنتوسكوب" إلى مصر مبكراً، ومنها إلى عدة بلدان مجاورة، وأصبح صندوق تسلية شعبيا من الطراز الأول إلى جوار الأراجوز وخيال الظل.

أقرأ ايضاً:هل سيكون أنطونيو فيليسيانو آخر عارض أفلام متجول بالبرتغال؟

وفي بلاد الشام عرفه الناس، وتحدث عنه ابن كنان (المتوفى سنة 1153هـ) في كتابه (يوميات شامية) فقال: جاء من بلاد حلب صندوق فيه صور البلدان، مثل أدرنة وإسلام بول ودمشق وحلب وغير ذلك، وفي وجه الصندوق، مرآة تنظر فيها تلك الأشكال فترى مثل الحقيقة، وإنما هي نقوش، والمرآة تقوّي البصر في المرئي، وفيه صور بلاد النصارى والكنايس والأنهار والبحور والجبال.


ولا تزال تحتفظ كتابات بعض الأدباء الكبار بأثر ذلك في الصندوق في النفوس، فيحكي عنه الأديب الساخر عبد القادر المازني يقول: "كنا نفرح (بصندوق الدنيا) ونحن أطفال... كنت أجلس إلى الصندوق وأنظر ما فيه، فصرت أحمله على ظهري وأجوب به الدنيا، أجمع مناظرها وصور العيش فيها عسى أن يستوقفنى نفر من أطفال الحياة الكبار، فأحط الدكة وأضع الصندوق على قوائمه، وأدعوهم أن ينظروا ويعجبوا ويتسلوا ساعة بملاليم قليلة يجودون بها...".
بينما يقول صلاح جاهين عن هذا الصندوق:
الدنيا صندوق دنيا.. دور بعــــد دور
الدِّكة هي.. وهي كل الديكـــــــــور
يمشي اللي شاف ويسيب لغيره مكان
كان عربجي أو كان إمبراطــــــــور..
عجبي!
ترى ماذا سيترك أدباء عصر الـ Xbox والـ Playstasion5 وأجهزة التواصل الحديثة لأجيال المستقبل؟!

أقرأ ايضاً:صندوق العرس...صندوق الأسرار الذي صار "أنتيكا"

المساهمون