محمد علي في السينما... سيرةُ رجلٍ وتاريخ بلد

محمد علي في السينما... سيرةُ رجلٍ وتاريخ بلد

05 يونيو 2016
محمد علي كلاي (Getty)
+ الخط -
منذ سنين عديدة، تسعى الصناعتان السينمائية والتلفزيونية، بالإضافة إلى الأدب والفكر، إلى مقاربة جوانب كثيرة ومختلفة من العالم المتكامل، الذي يصنعه الملاكم الأشهر في النصف الثاني من القرن الـ 20، محمد علي (1942 ـ 2016). 

أفلام سينمائية تُقارِب سيرته الحياتية، ومساره المهنيّ، وارتباطاته الرياضية، ومواقفه الثقافية والسياسية والاجتماعية. في حين أن التلفزيون يُنتج أعمالاً وثائقية ومتخيّلة، تختار محطات من حياته الخاصّة، أو فصولاً من منازلاته على الحلبة، وفي ساحات أخرى، كالمواجهة القاسية مع السلطة الأميركية، أو الصدام داخل مؤسّسات إسلامية فاعلة في الولايات المتحدّة الأميركية.
برحيله، أمس الجمعة، في 3 يونيو/ حزيران 2016، يستعيد كثيرون عناوين بصرية مختلفة، لعلّ "علي" (2001) للأميركي مايكل مان (تمثيل ويل سميث) يبقى أبرزها وأهمّها، سينمائياً ودرامياً، وسرداً حكائياً، واختبارات بصرية. البريطاني ستيفن فريرز يخوض تجربة كهذه أيضاً، لكن عبر الشاشة الصغيرة، إذ يُنجز "الملاكمة الأفضل لمحمد علي" في العام 2013 (تعرضه المحطة التلفزيونية الأميركية HBO في 5 أكتوبر/ تشرين الأول من العام نفسه).

من جهته، يلتقط موراي ورونور لحظة المواجهة بين كلاي وروكي مارتشيانو، ذات يوم من أيام العام 1969، ويلتزم "الأفضل" (1977) لتوم غريس ومونتي ملّمان، سيناريو ريند لاردنر جونيور، عن "الأفضل، قصّتي" لمحمد علي كلاي وهربرت محمد وريتشارد دورهام، مفردات السيرة الحياتية، إذْ يتابع وقائع العيش لكاسيوس كلاي، بحسب نظرة الملاكم وتحليله وحكايته، منذ فوزه في الألعاب الأولمبية في روما (1960)، حتى استعادته لقبه كبطل العالم في الملاكمة، في المباراة التي يخوضها ضد جورج فورمان (30 أكتوبر/ تشرين الأول 1974، في كينشاسا ـ زائير، المعروفة اليوم باسم "جمهورية كونغو الديمقراطية")، مروراً باعتناقه الإسلام، ورفضه القيام بالخدمة العسكرية في الجيش الأميركي.

الأداء الآسر لويل سميث، في "علي"، يُشكّل إحدى العلامات الفارقة في فيلم مايكل مان هذا، الذي يستعيد لحظات عديدة ومفصلية في السيرتين الذاتية والمهنية لمحمد علي كلاي. سميث، المتمكّن من انخراطه النفسي والجسدي في الصورة المتداولة عن بطل العالم في الملاكمة، يخوض تجربة تمثيلية صعبة، إذْ يُفترض به أن يجعل من الملاكمة مدخلاً إلى العوالم النفسية والروحية والثقافية، التي يصنعها كلاي في يومياته، بالإضافة إلى مواقفه الحادّة ضد حرب فيتنام مثلاً، وإزاء انشقاقات حاصلة داخل "أمة الإسلام" والصراع مع مالكوم إكس أيضاً.
ثمة استعادة يكشفها فيلم مايكل مان، إذْ تتجلّى براعة الإخراج والمعالجة السردية في تخصيص مساحة سينمائية بالمواجهة الأخيرة بين كلاي وجورج فورمان في المباراة الشهيرة بينهما في كينشاسا، تلك المباراة التي "يُصوِّرها" الكاتب والمخرج والسيناريست الأميركي نورمان مايلر (1923 ـ 2007) في كتابه "الملاكمة" (1975)، بلغة أدبية ممتعة وعميقة الأبعاد والتحليل، وبمزاجية أدبية ساحرة، تمزج بعض التأمّل ببعض الوقائع.

يرحل محمد علي بعد أعوام طويلة من انعزالٍ مهنيّ، بسبب إصابته بمرض "باركنسون". انصرافه إلى أعمال خيرية وإنسانية لم تُبعده عن دائرة الأضواء السينمائية والتلفزيونية والأدبية، إذْ يبقى حاجةً ماسّة إلى ترجمة "عبقرية" الصورة والكلمة، في محاولاتهما الدائمة مقاربة رجل بقامة كلاي، وسرد تاريخٍ لن يُكتب كاملاً إنْ لم يحتلّ الملاكم فيه صدارة الحكاية.





دلالات

المساهمون