"عدودة": دنيا مسعود تنوح على العالم

"عدودة": دنيا مسعود تنوح على العالم

28 مارس 2019
تقيم حالياً في باريس (فيسبوك)
+ الخط -
تعتبر دنيا مسعود (1979) من أبرز وأفضل الأصوات المصرية التي اهتمّت بإعادة تقديم التراث من دون إضافات كثيرة تُخلّ بالشكل الأصلي للفلكلور. منذ هجرتها من مصر، قبل سنوات، تسعى مسعود إلى تصوير حفلاتها في أوروبا، خصوصاً باريس حيث تقيم حالياً، وهو ما يبقي جمهورها المصري على تماس مع أعمالها وموسيقاها. 

آخر هذه الحفلات كان في معهد العالم العربي في باريس، في شهر يونيو/ حزيران 2018، لكن الفيديوهات لم تنشر إلا الشهر السابق، قدمت خلالها دنيا أغاني عدة لم يسبق أن أدتها من قبل، بينها "ليلي طال" و"ليلة الأربعين" لمحمود شكوكو، كما غنت "يا سمباتيك أوي يا مهندم" لرتيبة أحمد، و"المسحراتي" لفؤاد حداد، بالطبع إلى جانب أغانيها المعروفة والقديمة.

لكن اللافت كان تقديم دنيا أغنية جديدة هي "عدودة". من العنوان يمكن معرفة أننا أمام عمل ينتمي إلى العديد، وهو فن نسائي صعيدي، قوامه الغناء والبكاء والنواح عند موت أحد الأحباء. أي هو فن توديع الراحل ومهاجمة الموت، فن التعامل مع الأحزان والموت والحياة أيضاً. وكان هذا الغناء اختصاصاً مصرياً صعيدياً تقوم به الندابة أو المعددة، التي تأتي لتنوح وتغني فوق جسد الميت منذ إعلان خبر الوفاة حتى العزاء.

ولم يسجّل الترايخ الغنائي المصري تقديم أغنية عديد بشكلها الصريح إلا مرات معدودة وبعد تهذيب وحذف وتنقيح، مثل "شربت الصبر بعد التعافي" لعبده الحامولي، وأم كلثوم في "الأولة في الغرام"، كما نجد العديد بشكله الأقرب إلى الحقيقي في فيلم "عرق البلح" من كتابة عبد الرحمن الأبنودي، وأغنية جمالات شيحة "راسيني" مع فتحي سلامة.

دنيا مسعود نفسها كان لها تجارب أيضاً مع العديد من خلال أغنية "أبايا"، وأغنية "الحلم". لكن هذه المرة مع "عدودة" يجد المستمع نفسه أمام دنيا التي ترثي وتنوح جسداً رحل للتو، فلا تستعين بالموسيقى، إلا بالإيقاع، كما كان يحدث مع الندابة التي كانت تستخدم الدف أحياناً في مرثاتها.

نادى المنادي وكحرت النبوت
راح اللي كان ضله مالي علينا بيوت
نادى المنادي وكحرت الجُليب (القلب)
قال جبر ضيق ولا يسيع طولك
ولا يسيع رِفاق يخشولك
أتنين عليك وأتنين على النخلة
خدوك يا حبيب ساعة الغفلة




بعد نشر الفيديو، تساءل كثيرون ما إذا كانت دنيا مسعود مريضة بسبب البحة التي ظهرت في صوتها، وهو ما يبدو طبعاً غير واقعي. بل إن الفنانة المصرية عرفت كيف تنقل العديد كما هو: إنه غناء الموت، بالصوت المنهك والحزين والغاضب أيضاً. بدأت دنيا الأغنية بشكل العديد الأصلي، بعبارة "نادى المنادي" التي كان يعلن فيها خبر الوفاة في الصعيد.

ثم تبدأ الآهات ويشاركها في الخلفية صوت عازف الإيقاع حبيب مفتاح، وكأنه صوت الصدى، وتدريجياً تتركه دنيا يغني الآهات بين المقاطع لتنتقل بعدها إلى إكمال الأغنية بعيداً عن نمط العديد إلى الغناء العادي لكن بصوت يكسوه الحزن والنواح.

لا يخلو العديد من الغضب الذي يصل إلى حد الشجار مع الله، رغم أنه من تقاليد العديد أن تبدأ الندابة بذكر الله والنبي. لكنه في النهاية ثمة حالة من الصراع بين الحياة والموت، فنجد دنيا مسعود تردد في المقطع الثالث "اقفل على المُهر مغلاق، يا زمان وصيب الغوالي، ربك ده لفتاح وغلاق، وكاسر نفوس العوالي".
تنهي دنيا الأغنية بالآهات، ويختفي الصوت تدريجياً وكأنه يغيب كما غاب الميت، يرحل بعيداً ولا نراه. هل تنوح مسعود على شخص قريب، أم تنوح على العالم بأسره بكل ما يحمله من دماء وخوف؟

دلالات

المساهمون