رافي وهبي: لم أتعمد الرد على "الهيبة"

رافي وهبي: لم أتعمد الرد على "الهيبة"

25 سبتمبر 2019
الفيلم يروي الصراع بين الزعيم والبطل (فيسبوك)
+ الخط -
قد تكون العاصفة التي أحدثها عرض فيلم "بلا هيبة" الذي يعد التجربة السينمائية الأولى للممثل السوري رافي وهبي على صعيد الإخراج والكتابة قد هدأت، لكن تبعاتها لا تزال حاضرة مع كل عرض جديد يدخله مشاهدون جدد، يعقدون مقارنات بينه وبين مسلسل "الهيبة" الذي سيعرض الجزء الرابع منه في الدورة الرمضانية المقبلة.

بدأت المشكلة عندما تقدمت شركة "الصبّاح إخوان" التي أنتجت ولا تزال أجزاء من مسلسل "الهيبة" الذي يخرجه السوري سامر برقاوي، بشكوى ضد شركة "فالغون فيلمز" التي أنتجت فيلم "بلا هيبة" بسبب استعمال الاسم، حتى وإن كان بصياغة مختلفة، لكن الشركة المدعية خسرت الدعوى من الجلسة الأولى للمحكمة، فيما استمر التراشق بسبب اتهام مؤلف ومخرج فيلم "بلا هيبة" بتفنيد ونقض الأفكار التي وردت في مسلسل "الهيبة"، فدارت كاميرا الفيلم في بيئة مشابهة لبيئة المسلسل، وهي البيئة البعلبكية العشائرية في لبنان، إلا أن وهبي عمل من خلال فيلمه الأول على صناعة بطل مختلف ساذج وضعيف الشخصية، لكنه ينتصر في النهاية. ينتقد وهبي في سرده السينمائي ظواهر التنمر والزعامة العشائرية والتوريث السياسي، بقالب كوميدي، ما جعل المتابعين والنقاد يقارنون بين الفيلم والمسلسل على صعيد الشخصيات والرواية، على سبيل الفكرة ونقيضها.
انتظرت "العربي الجديد" حتى هدأت هذه المشاحنات، وكانت لها وقفة طويلة مع رافي وهبي مخرج ومؤلف فيلم "بلا هيبة" وسألته عن تقصدّه حقيقة بالرد على الأفكار التي أتى بها المسلسل. يجيب: "بداية، أعتقد أن الأسباب التي تدفع المشاهدين العاديين أو المتابعين والاختصاصيين إلى عقد المقارنات بين الأعمال الدرامية كثيرة ومتنوعة، قد تتعلق بالموضوع والأحداث والشخصيات أو كيفية معالجة العمل الدرامي لبيئة أو حقبة تاريخية ما، وتتعلق أحياناً أخرى بأداء ممثلي الأدوار الرئيسية والحلول التي اقترحوها لتقديم شخصياتهم، انتهاءً بالمقارنات بين الأعمال العربية التي تستلهم أو تقتبس أو تستند أو تتكئ في أفكارها ومواضيعها على الأعمال الأجنبية الناجحة، والحقيقة أن المقارنات رافقت النجاح الجماهيري اللافت الذي حققه مسلسل "الهيبة"، سواء مع مسلسل "ناركوس"، وشخصية بطله "بابلو إسكوبار"، بداية انطلاقته، أو المقارنة بمسلسل "باب الحارة" لاحقاً، بعد صدور عدة أجزاء منه. أما في ما يتعلق بالمقارنة بين المسلسل وفيلم "بلا هيبة"، فلا بد من توضيح بعض النقاط الأساسية".

يتابع وهبي: "أولاً، وبطبيعة الحال، لم أتعمد الرد على أي طرح أو فكرة في "الهيبة"، فقد أدركت ومنذ بداية المشروع أن ثمة إمكانية لوقوع مقارنات بين المسلسل والفيلم وذلك لسببين رئيسيين، الأول هو التشابه في العنوان وهذا أمر تسويقي ودعائي، لا يمنع المُنتج من استخدامه قانونياً ومهنياً وأخلاقياً، سوى امتلاك غيره من المنتجين لحقوق ملكية الاسم، ولا يمنعه فنياً سوى فبركته كعنوان غير ملائم لحكاية الفيلم أو مقولاته وإسقاطاته، وهذا ما ينفيه الفيلم موضوعياً؛ لكون "بلا هيبة" هو لقب الشخصية الرئيسية، ومرتبط موضوعياً بحكاية صعودها"
يضيف: "أما السبب الثاني، والأهم؛ فهو اعتماد كلا العملين على البيئة البعلبكية كبيئة مفترضة للأحداث، ما يجعل بنية العشيرة وشخصياتها وتراتبها الاجتماعي أساساً، بل ومرجعاً لا غنى عنه، لبناء الحكاية وإدارة الصراع بين الشخصيات. ورغم قناعتي أن معالجة هذه البيئة أو تلك هي حق موضوعي لأي منتج وصانع، فقد حرصت أشد الحرص، من موقعي كمؤلف ومخرج للفيلم - وبالاتفاق مع الشركة المنتجة طبعاً - على السعي إلى تقديم حكاية وشخصيات وأحداث مستقلة تماماً لا تمت للمسلسل بصلة، ومعالجته درامياً وفنياً بطريقة تبعده عن أي تقاطعات معه انطلاقاً من شخصية زعيم العشيرة، وهو في المسلسل شاب محبوب ومهرّب ذو شخصية قوية حد الاستبداد، بالغ الثقة بنفسه يدير ويتحكم بجميع الصراعات في الحكاية، أما شخصية الزعيم في الفيلم فهي شخصية عجوز مهووس بالسلطة يلاحقه كابوس اقتراب موعد فقدانه لها، فتصبح قضيته الأساسية هي البحث عمن يفكّر أو يخطط للجلوس مكانه، وهي قضية مختلفة كلياً عن قضية الزعيم في المسلسل". يوضح وهبي: "كذلك، يتقاطع العملان في ثيمة الحب - وهي ثيمة لا غنى عنها موضوعياً في الدراما - لكن الحب في المسلسل مرتبط أيضاً بشخصية الزعيم نفسه، الوسيم العاطفي الذي تقع الفتيات في غرامه، فيعيش في كل جزء قصة حب جديدة، فيما تدور قصة الحب في الفيلم بين فتى طيب يسخر منه الجميع فيطلقون عليه لقب "بلا هيبة"، وابنة قريته المتعلمة التي تجمعها معه قصة حب بريء لكنه ممنوع. لكن تلك العلاقة ورغم بساطة أدواتها وقلة حيلة أبطالها تتحدى المجتمع والسلطة لتنتصر بعد عدة مفارقات".

عن محاور العملين، يقول وهبي: "فيما يقدم المسلسل حكايته من خلال محور أساسي هو الزعيم البطل، يقدّم الفيلم حكايته عبر عدة محاور، معتمداً على إدارة الصراع بين الزعيم والبطل الإيجابي. وهناك أمر آخر لا بدّ من أن أشير إليه، أن احترامي لمهنتي ولصنّاعها وحرصي على اسمي كمؤلف وعلى حقوق زملائي في هذه المهنة، وخشيتي على تجربتي الأولى في الإخراج السينمائي، دفعتني لأبذل قصارى جهدي كمؤلف ومخرج لتقديم تجربة سينمائية تلبّي الشرط الإنتاجي، وتحقق النجاح المطلوب في شباك التذاكر، من دون أن تتنازل عن المعالجة الجدية لموضوعها ومحاولة تقديمه فنياً بالشكل المناسب".


يتابع: "فإن وقعت المقارنة أخيراً في خانة معالجة العملين لنفس البيئة وكيفية تناولهما لتيمة الحب أو شخصية الزعيم فأعتقد أن هذا أمر إيجابي ومشروع، لا بل ومطلوب ضمن إطار القراءات الفنية الدرامية لمجتمع ما أو شريحة أو بيئة، وهو حتماً، على الأقل بالنسبة إليّ، بعيد كل البعد عن سخافة الإشاعات التي تم الترويج لها من أن الفيلم يحاول أن يسخر - معاذ الله - من المسلسل أو أي من أبطاله، لمنتجيه وفنييه وممثليه كل الاحترام والتقدير".
وعن نجاحهم كفريق عمل للدعوى التي قدمتها "الصبّاح إخوان" بحق الشركة المنتجة للفيلم، وإن كان انتهى الموضوع عند هذا الحد؛ يشير وهبي "أعتقد أن الدعوى القضائية، والتي كنت أتمنى شخصياً تلافيها وكان ذلك ممكناً بالحديث الودي، حسمت بقرار من المحكمة لصالح شركة "فالغون فيلم"، وأعتقد أن الشركة نشرت قرارَي المحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف على صفحتها ويمكنكم التأكد من ذلك، وأتمنى أن يكون الأمر قد توقف عند هذا الحد، خصوصاً أن الفيلم يعرض في صالات السينما منذ ستة أسابيع وقد تصدر قائمة المشاهدات منذ انطلاقته في لبنان حتى اليوم".
وعن القضايا التي أراد أن يعالجها الفيلم كتجربة أولى لوهبي في الكتابة والإخراج السينمائي، يقول: "يقدم الفيلم حكايته عبر مستويين رئيسيين، الأول هو قصة تقليدية لحب ممنوع تدور أحداثه في الضيعة؛ حيث يبدو أن لا أمل لبطليها بالزواج بسبب طيبة قلب البطل حد السذاجة، ما يجعل أهالي القرية يسخرون منه فيلقبونه "بلا هيبة"، إلا أن إخلاصه لحبيبته ودفاعه المستميت عنها وعن حبه لها ووفاءها بدورها له ورفضها لسلطة شقيقها الأكبر وسلطة زعيم القرية، تمكن البطلين من الزواج أخيراً، وهو ما يمثل انتصاراً للحب وإنصافاً لضحايا التنمر أو الاستخفاف".

يضيف: "على المستوى الآخر، يعالج الفيلم هوس الختيار، زعيم عشيرة راس التلة وجد بلا هيبة، بالعباءة وكرسي الزعامة، فيسعى لمنع كل ما قد يهدد هذا الكرسي،معتمداً في ذلك على تفسير كوابيسه حتى تصبح مخاوفه ومؤامراته مع حاشيته وجميع الإجراءات والتدابير التي يتخذها منعاً لفقدان هذه السلطة، هي السبب الرئيسي الذي يجعله يفقدها فعلاً في النهاية حيث تشاء المفارقة أن يكون "بلا هيبة" نفسه هو الزعيم الجديد للضيعة والعشيرة، ليطرح الفيلم أخيراً سؤاله: هل سيقبل الزعيم بتلك النتيجة أم أن تمسكه بالسلطة وخبرته بالتلاعب بأدواتها ومعرفته لأتباعه ستمكنه من استعادتها، ولو بعد حين؟".
كان وهبي قد قدم مسلسلاً من حلقات لا تتجاوز الواحدة منها سبع دقائق، حمل عنوان "بدون قيد"، وكان فعلاً كذلك؛ حيث يتطرق إلى بنية السلطة في سورية من دون المرور على الرقابة كون التصوير والإخراج تمّا في لبنان، وعرض المسلسل على منصة يوتيوب.
في هذا السياق، نسأل وهبي عن إمكانية تكرار التجربة الناجحة يجيب: "في ما يتعلق بـ "بدون قيد"، سعيت وما زلت أسعى منذ عرضه قبل عامين إلى استكمال هذه التجربة وتدعيمها بتجارب مشابهة، لكن المشكلة هي في إمكانية توافر الجهات الإنتاجية التي تتحمس لمثل هذه الأعمال، وقد كنا على وشك البدء في العام الماضي بعمل مشابه، لكن ظروفي والتزاماتي المسبقة حالت دون ذلك، على أن ثمة فرصة لمثل هذا الإنتاج في العام المقبل".
حقق فلم "بلا هيبة" الذي صوّر في لبنان ولعب دوري بطولته عباس جعفر وستيفاني عطا الله، وعدد من الممثلين اللبنانيين، أرقاماً جيدة على شباك التذاكر في لبنان منذ عروضه الأولى، لطرحه قضايا تناسب تطلعات المجتمع العربي عموماً وليس السوري واللبناني على وجه الخصوص، فيما تستعد الشركة المنتجة لمسلسل "الهيبة" لتصوير الجزء الرابع منه بعد تكليف فؤاد حميرة بكتابة هذا الجزء وإخراج سامر برقاوي، ولا يزال المسلسل يتعرض لانتقادات كبيرة، في مقدمتها الترويج للمهربين وتجار المخدرات.

دلالات

المساهمون