ليالي القاهرة: يا صهبجية... آه يا لالالي

ليالي القاهرة: يا صهبجية... آه يا لالالي

05 يونيو 2015
صهبجية في القرن التاسع عشر (Getty)
+ الخط -
تؤرّخ أغنية لصلاح جاهين وسيّد مكاوي عادة فنية تراثية قديمة، حيث كان "الصهبجية" في أصلهم فرقة من الهواة يجتمعون لغناء الموشّحات بصورة جماعية، ويحيون الحفلات الساهرة حتى الصباح. ثم يعود كلّ منهم في النهار إلى حرفته الأصلية التي كانت تلتصق باسمه لقباً؛ كالمكوجي والحلواني والطرابيشي والخياط والخضري.
تقول أغنية جاهين التي يتشوّق فيها لإبداعات الصهبجية: "يا ملتقي الصحبه يا لالالي.. يا ورده في الصحبه يا لالالي.. منورين في القعده تملّي.. إيه يا لالالي؟! عايزين شوية.. حاجه من اللي هي.. حبة آهات على ليل على عين.. على يا لالالي".

إقرأ أيضاً: فرقة جزائرية تشدو بتراث الصحراء في قلب القاهرة

ويؤثر عن الصهبجية بعض التقاليد الغنائية كالآهات، ويا ليل يا عين، و"الآمان يا لالا لي".
تسمى السهرة أو طريقة الغناء "الصهبة"، ولعلها تحريف مصري للفظ "الصحبة" وأحياناً تسمى "الصهباء" لعلها أيضا للدلالة على حالة السُّكر الفني. ومن الطريف أن الصهبجية كانوا يغنون في أحيان كثيرة كلاماً غير موزون، وكانوا يتحايلون على ذلك ببعض الآهات.

صهبجية مكّة

الصهبة أو الصهباء المكية أيضاً تعدّ فنّاً شعبياً مميزاً في منطقة الحجاز، له تقاليده المعروفة، ومصطلحاته الخاصة، ولا يزال له هواته حتى اليوم. وهم يطلقون على مجموعة الأبيات المغنّاة من الموشح اسم "الدور".
تتكون جوقة الصهبة الحجازية من "الحادي" و"الشاوون" و"الرديدة"، ويلزمهم جميعاً الحفظ المتقن لما سيؤدّونه، كما أن ترتيبهم من حيث المكان والأداء مهمّ جداً، فهم يتكاملون جميعاً لأداء الدور بشكل متواصل دون توقف، ويسمون الغناء المتواصل هذا "الشيلة"، وقبل إنهاء الشيلة تتم (الشبشرة) وهي علامة بقرب إيقاف الغناء للاستراحة.
هناك إيقاع مصاحب للصهبة يتأتى عن طريقين الأول هو: "النقاقيل" وهي عبارة عن طبلتين صغيرتين، الواحدة منهما تشبه القصعة، يضرب عليهما بعيدان خشبية نحيلة، وكل واحدة منهما لها إيقاعها الخاص الذي يقوم بوظيفة محددة. الطريق الثانية الضرب بالكفّ، وهو تصفيق منضبط زمنياً، إذ تكون هناك ضربتان بالكفّ متلاحقتان في المرة الواحدة ثم ضربة منفردة مصاحبة لنقرة النقاقيل.
في الحجاز نوعان من الصهبة المكية: المصرية واليمانية، ولا علاقة لهما بمصر ولا باليمن، ولكل منهما إيقاعاته الخاصة التي اشتهرت بها فرق الصهبة في الحجاز.
ومن نماذج الأدوار الشهيرة التي يغنيها صهبجية الحجاز: "الهوى أضنى فؤادي/ وبرى جسمي السقام/ وتزايد بي الغرام/ يا تري أبلغ مرادي/ وأرى بدر التمام... لاح من تحت الغمام/ قد وفى جفني سهادي/ وغدا جافي المنام/ ودموعي في انسجام"...

الخلعي أهانهم

ويبقى أن الصهبجية في مصر، ورغم دورهم الكبير في نشر حالة من البهجة والسرور في المقاهي الشعبية في القرن 19، كان الموسيقيون المحترفون ينتقصون من قدرهم، فقد أفرد محمد كامل الخلعي (1881-1931م) في كتابه "الموسيقى الشرقية" فصلاً خاصّاً سماه "فصل في التحذير عن الأخذ عن قهاوي الحشيش المعروفين بالصهبجية". وفيه ذكَر كيف أفسد هؤلاء الصهبجية (أو العصبجية) كثيراً من أوزان الموشّحات، وحفظها عنهم خلقٌ كثير ممن امتهن الغناء. وهو يقول: "النابغون منهم تلقوا بعض الموشحات على رؤسائهم في القهاوي كسعد دعبل ومحمد الخضري، وغيرهما بدون أوزان... ويربو عمر كل منهما على الثمانين، وقد اختبرتهما فوجدتهما لا يعرفان اسماً لأي وزن".
ومن طريف ما أشار إليه الخلعي أنه في كثير من الأحيان تتبارى فرقتان من "الصهبجية" في الأفراح، لكن من المحتم أن تتعاركا في آخر الليل، لأن إحداهما غلبت الأخرى بضروب الأغاني، فتحبّ الثانية أن تغلبها بضروب العصي، وفي أثناء ذلك يأتي خفراء الشرطة، ويسوقونهم جميعاً إلى الحبس، وبذلك ينتهي العرس!

دلالات

المساهمون