أبطال "باب الحارة" ضدّ التكفيريين واقتتال السوريين

أبطال "باب الحارة" ضدّ التكفيريين واقتتال السوريين

17 يوليو 2014
عباس النوري في الجزء السادس من "باب الحارة"(يوتيوب)
+ الخط -

يتابع مسلسل "باب الحارة" في جزئه السادس (انتاج شبكة أم بي سي) جذب المشاهدين، الذين لم يشتكوا من التكرار أو الثرثرة أو الكليشيهات، ربما لأنّ هذا المسلسل ينجح تحت اشراف عرّابه، المخرج بسام الملا، في الحفاظ على إيقاع متوازن غير رتيب، وفي إعادة جولات ناجحة للعبة الدرامية نفسها، من ثنائية الخير والشرّ، والصراع على زعامة الحارة، وتفصيل الخصوصيات الفلكلورية لعالمي النساء والرجال في النصف الأول من القرن العشرين.

وبعد عودة أبي عصام، زعيم الحارة عُرفاً، يثبت كيف أنّ هذا المسلسل يستغلّ انتشاره الجماهيري لتمرير رسائل أيديولوجية، ضدّ التكفيريين مرّة، الذين يقيمون الحدّ على الآخرين بسلطة يعطونها لأنفسهم، وضدّ كلّ سوري يقتل سورياً آخر.

سابقاً اتّهمت بعض أبواق النظام السوري منتجي المسلسل بأنّهم يتحملون مسؤولية إشعال الثورات، لأنّهم حضّوا على الانتفاض والموت في سبيل الحرية والكرامة، وإن كان من المستبعد تصديق هذه الاتهامات إلا أنّ المسلسل في أجزائه الأخيرة لم يخلُ من استغلال شعبيّته لأجل تمرير رسائل "ملغومة" غالباً وحمّالة أوجه.

في الجزء الحالي، يتزعّم معتز مجموعةً من مقاومي المحتلّ الفرنسي، يعتصمون بالجبال نهاراً ويقودون أعمال المقاومة ليلاً، ثم يقع لصّ بين أيديهم فيطلبون من زعيمهم أن يقيم عليه حدّ السرقة، أي قطع اليد.

حين يعرف أبو عصام، والد معتزّ، بالأمر يثور غضباً، ويخطب فيه - وفينا - خطبة مؤثّرة، ويدعوه إلى العودة إلى بيته وأهله، ويسأله عمّن وكّله وصياً على الناس ومنفّذاً لأحكام الله، يذكّره أنّه لا يفقه في الإسلام، ولا يعرف منه سوى صيام رمضان وصلاة متقطعة، فكيف يأخذ دور الحاكم باسم الإسلام وصاحب السلطة على المسلمين؟

ولا تمرّ حلقات قليلة حتى يأتي دور معتزّ نفسه في خطبة بعنوان: من سوري إلى سوري، إذ يقف وسط زملائه في مواجهة كلامية مع زمرة أخرى، ويقول في خطبته، التي عولجت بمؤثرات صوتية جعلت صداها يتردّد في الأسماع، إنّه لا يجوز للسوري أن يقتل السوري، ويا حيف!

المربك للمشاهد أنّ المسلسل انتاج سعودي بينما معظم الممثلين يوصفون بالشبيحة، الذين يذودون عن الأسد ونظامه وجيشه، بل إنّ بطلي المسلسل الرئيسيين عباس النوري وأيمن زيدان حضرا حفل أداء الأسد لليمين مؤخراً، واشتعلت أيديهما من حرارة التصفيق.

ولا ننسى أنّ المسلسل، وإن كتب وكانت ميزانيّته في أي بلد، فقد صوّر في سورية، بعلم وتغطية من السلطات هناك، ما يجعل الحيادية أمراً مستحيلاً.

تبنّت المعالجة الدرامية حتى الآن خطاباً لا يمكن الاعتراض عليه شكلياً، فهي ترفض التكفيريين وترفض أن يقتتل السوريون وأن يتعاملوا مع المحتلّ أو أي غريب له أطماع ببلدهم... هذا كلام لا غبار عليه، لكنّ سحباً من غبار مباني حلب التي تتحطّم يومياً في عظام الأطفال والمدنيين تكاد تغلّف الحارة وكلّ من فيها. أستشهد هنا بالبراميل المتفجّرة دون غيرها من الفظائع الأخرى، لأنّ لا إمكانية للقول إنّها طائرات الثوّار، حقيقتها واضحة لا تقبل الجدل، والطيّار السوري الذي يقتل السوريين واضح، فهل الأمر بمثل هذا الوضوح عند "أهل حارة الضبع"؟ لا يبدو الأمر كذلك، ولكن فلننتظر المزيد من الخطب الجهورية ونرَ.



المساهمون