بيت غسان كنفاني

بيت غسان كنفاني

11 فبراير 2015
المنزل الذي ولد فيه غسان في مدينة عكا المحتلة
+ الخط -
يصح القول إن غسان كنفاني استعاد الفلسطيني اللاجئ من زمن المنفى بمعناه السالب للفعل، إلى دائرة العمل المقاوم والإصرار على العودة، محررا الإنسان الفلسطيني من سطوة الواقع الموهوم، الذي هو عالم ليس لنا، إلى زمن الرجال والبنادق. لم يدع مجالا لنص يفلت من الإنسان العاشق. هي صوره الإنسان الحر الذي يؤمن برسالة نبي ما، ويناضل لتغيير "هذا الطابع الوحيد للعالم" .. لم يسعف الوقت ولا القدر الأديب الذي أحدث ثورة في سرديات الأدب العربي المعاصر، إذ امتدت يد الغدر الصهيونية إلى غسان ممزقة جسده في الثامن من يوليو / تموز ١٩٧٢ لكنها لم تستطع أن تنال من فكره الباقي.
إرث غسان كنفاني لا يزال حيّاً يرزق بأزقة مدينة عكا، التي ولد فيها في الثامن من أبريل / نيسان ١٩٣٦ إبان اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى. كان الوحيد من بين أشقائه وشقيقاته الذي ولد في عكا ليظل شاهدا وشهيدا على مناراتها ومينائها وأهلها.
الحجر وبلاط البيت ودرابزين الشرفة والعمارة، بفنها الشرقي، باقية وشاهدة على ولادة غسان كنفاني الأديب والمناضل.
تسكن عائلة كاملة منصور البشر بيت غسان كنفاني الذي ولد فيه، في شارع بدلته الرواية الصهيونية إلى اسم "موشيه تسوري" وسرقت المنزل عائله صهيونية محاولة طمس كل ما فيه من ذاكرة عربية. إلا أن القدر استعاده ثانية من الزمن المسروق إلى عائلة منصور الفلسطينية، التي اشترت المنزل عام ١٩٦٩.
أصبح البيت مزاراً للمهتمين بشأنه في السنوات التالية، وقبل عامين حضر ابن أخت غسان كنفاني من أميركا وزار وجال في البيت الكائن قرب السور الشرقي لمدينة عكا القديمة.
وغالبية الفلسطنيين في عكا يرون في غسان، ابن مدينتهم، رمزاً وفخرا لهم. إنها قصة ابن البلد الذين يفتخرون به.
ويعمل العديد من الشباب الفلسطيني في الداخل المحتل عام ١٩٤٨ على ترسيخ إرث غسان كنفاني والحفاظ على إنتاجه الأدبي ونضاله السياسي بتمريره للأجيال الصاعدة. فقام الحراك الوطني الشبابي في مدينة عكا بإطلاق اسم غسان كنفاني على دوار بالشارع قبل 3 سنوات تخليدا لذكراه، رغم رفض بلدية عكا الصهيونية حيث لا يزال اسمه الرسمي "المدفع".
وكان لمؤسسة الأسوار الثقافية في عكا الدور الرائد في المحافظة على إرث غسان كنفاني وكشفه وإعادة نشره للجيل الشاب والطلاب وحثهم على عمل الدراسات على منشوراته ،وخاصة للدراسات العليا، مقابل منح تعليمية وأيضا تزويدهم بكتبه وجميع إصدارته على مختلف أنواعها. وكان قد أصدر في نهاية السبعينيات من القرن الماضي كتاباً بعنوان "الرجل تحت الشمس" وهو عبارة عن مجموعة مقالات أعدها مدير جمعية الأسوار، الكاتب يعقوب حجازي، والناقد أنطوان شلحت.
وكان لـ "العربي الجديد" لقاء مع الكاتب، يعقوب حجازي، مدير جمعية مؤسسة الأسوار في مقرها بحي خان العمدان العريق بجانب ميناء عكا داخل الأسوار ويقول:" اهتمامنا بغسان كنفاني، أحد أهم الرموز الثقافية الوطنية، هو تمسكنا به ويعود بالفائدة على مجتمعنا وعلى أهالي عكا. غسان كنفاني هو الرمز والنموذج خصوصا لواقع المدينة التي تعيش ظروفاً سياسية من تمييز وتهميش ومحو معالمها العربية الفلسطينية. نحن نشجع الأجيال الصاعدة من الطلاب، وفتحنا أعينهم واهتممنا واستثمرنا دور غسان كعكّيٍّ، كي نستفيد منه لبناء جيل يملك قدرات من الوعي والالتزام الوطني".
وأضاف: "نقوم بمؤسسة الأسوار بعمل أرشيف عن غسان كنفاني من دراسة ومقال، وقمنا بتوزيع آلاف الكتب لكنفاني على طلاب المدارس لإحياء ذكراه على مدار السنة. فمسيرته النضالية وكتاباته وإبداعه نحاول إيصالها لأجيال المستقبل فهي رسالة اعتزاز وانتماء ووفاء لأحد المناضلين الكبار. لقد قمنا بعدة امسيات إحياء لذكراه وكتبنا عنه في مجلتنا (الأسوار) واستضفنا مسرحية (القنديل الصغير) التي تم تجييرها من كتابه واهتممنا بأن يشاهدها غالبية طلاب المدارس. فهذا أحد الأدوار المهمة، التي تتميز بها مؤسستنا. واليوم غسان كنفاني موجود بوعي كل عكّي هَرِمٍ أو شاب أو طفل. لقد حفظنا على إرثه بعيوننا لأنه صان قضيتنا، وأعطى لعكا أهمية مثله مثل الظاهر عمر الزيداني".
وبالمقابل التقينا بالناقد والباحث، أنطوان شلحت، خارج أسوار مدينة عكا القديمة حيث قال:" يعود الفضل لمؤسسة الأسوار بتعريف الجماهير الفلسطينية عامة، وعكا بشكل خاص، بأنها أعادت نشر كل إنتاج غسان كنفاني".
ويعد غسان أحد أركان الرواية الفلسطينية الحديثة، لا من حيث الكتابة الريادية التاريخية، وإنما أيضا من حيث فنية الرواية الفلسطينية. بالإضافة إلى أنه كتب قصة قصيرة جيدة، وكتب للمسرح عدة مسرحيات وكتباً ودراسات.
ففي حقل الدراسات لديه دراسة رائدة عن الثورة الفلسطينية 1936-1939 تعتبر أحد المراجع المهمة عن هذه الثورة الأشرف إلى بداية النضال الوطني الفلسطيني ضد الحركة الصهيونية وضد الإستعمار. وأيضا كتب دراسة رائدة حول الأدب الصهيوني وما زالت دراسته تفيدنا كثيرا في مقارنة هذا الأدب.
كنفاني كان رائداً بالتعريف بالأدب، الذي كتبه الفلسطينيون بمناطق 48، من خلال دراسته التي كانت بمثابة فتح في العالم العربي لأدبيات المقاومة في فلسطين المحتلة. العالم العربي ينظر للفلسطينيين بالداخل كما أنهم ذابوا في المجتمع الإسرائيلي إلى حد ما ألمحوا إلى ذلك."
وتابع شلحت: "قدم غسان دراسة فيها ثيمة العربي الواقعي، فقصصه مرتبطة بالأرض. باعتبارنا جزءاً من العالم العربي، إن النكبة لا تؤثر على هويتنا"، موضحا أنه بالنسبة للرواية فأهمية غسان الأولى، كأديب، عمله على نقلة نوعية في أدب كان يكتب عن فلسطين بصورة مليئة بالنواح، وبنوع من الأسطرة للفلسطيني، إلى الواقع المجسد بأشخاص هم من لحم ودم، وعمله الأهم (رجال في الشمس) يروي عن علاقة فلسطين بالعالم العربي و(يقرع جدران الخزان). تحدث عن المستضعفين في روايته. وقدم نموذجاً للمثقف الفلسطيني المسمى نموذج غرامشي.
المثقف يجب أن يتقدم في حياته بين معركتين. المعركة الأدبية تتمثل بالإنتاج الأدبي، والمعركة العامة تتمثل بنشاطه السياسي الثوري.
لهذا كله استشعرت إسرائيل بالخطر منه أكثر من كثير ممن حملوا البنادق".

المساهمون