"سولي" لكلينت إيستوود... الحركة في المنطقة الآمنة

"سولي" لكلينت إيستوود... الحركة في المنطقة الآمنة

09 أكتوبر 2016
المخرج كلينت إيستوود أثناء عرض الفيلم (جاسون لافيريس/ Getty)
+ الخط -
يُعتبر المخرج، كلينت إيستوود، من أكبر المخرجين العاملين في السينما اليوم. بلغ عامه السادس والثمانين في مايو/ أيار الماضي، وهو لا يزال قادراً على الوقوف خلف الكاميرا، وعقد اتفاقات عمل على مشاريع جديدة، رغم الخفوت الذي مرّت به مسيرته، في السنوات العشر الأخيرة، وتحديداً منذ فيلمه الحربي "رسائل من إيو جيما" (Letters From Iwo Jima).
إلاّ أن عملاً جديداً له يبقى أمراً منتظراً دائماً، خصوصاً إذا كان الجديد هذا تعاوناً أول مع ممثل بمستوى توم هانكس، وبقدرات إيستوود المعروفة في إدارة الممثلين في أداءاتٍ كبيرة لهم.
فيلم Sully مأخوذ من قصة حقيقية، جرت أحداثها في أميركا في يناير/ كانون الثاني 2009، عندما تعرّضت طائرة ركاب لعطلٍ فني، نتيجة دخول بعض الطيور في المحرّكات، ما تسبّب في توقّفها، فاضطر قائد الرحلة تشيزلي سولنبيرغر (الشهير بسولي، الذي يؤدي دوره هانكس)، إلى هبوط اضطراري فوق نهر هادسون، من دون وقوع خسائر في الأرواح بين الـ 155 راكباً، فتحوّل إلى بطل بالنسبة إلى المجتمع الأميركي. لكن هذا لا يمنع، لاحقاً، من تعرّضه للمساءلة، وفتح تحقيق حول الحادثة، للبحث عما إذا كان هناك خيار أفضل يمكن لسولي اتخاذه، حينها.

السيناريو مقتبس عن الكتاب الذي ألّفه صاحب الواقعة الحقيقية، والذي تدور معظم حبكته حول الوضع في الطائرة، ومشاعره أثناء التحقيق معه، وهو أمر منح كاتبه تود كومارينسكي، إلى حدّ كبير، فرصة تناول الفيلم بوجهة نظر ذاتية، ومحاولة التقاط لحظات نادرة من الشك بين سولي ونفسه، وعما إذا كان هناك خيار آخر فعلاً يمكن أن يتّخذه.

لكن المشكلة التي لم يستطع السيناريو والفيلم تجاوزها، رغم كل المحاولات، كامنة في ضعف الخط الرئيسي لأحداث الفيلم. في القصة الحقيقية، استمرّت التحقيقات أياماً عديدة، وكانت فعلاً روتينياً بشأن حدث كبير كسقوط طائرة، من دون أن يحمل شكاً حقيقياً بسولي. في الفيلم، لا ينتاب المشاهد أي درجة من الشكّ، غير ذلك الذي يحاول الفيلم فرضه، بشأن الحقيقة، وبالتالي كان هناك فراغ في أوقاتٍ كثيرة، لأننا لا نشعر بالتوتر المفترض. إن مقارنة هذا الأمر بفيلم آخر، كـ "رحلة" (2012) لروبرت زيميكس الذي رُشِّح دنزل واشنطن عن دوره فيه لجائزة "أوسكار" أفضل ممثل، يمكنها أن تضعنا أكثر في الصورة، بين فيلم فيه توتر حقيقي ومساءلة مستمرة عما حدث، وآخر تبدو الإجابة فيه واضحة منذ أول لحظة، ويبذل محاولات مفتعلة أحياناً لتعويم تلك الإجابات.

تعويضاً لتلك الفجوة، فإن الفيلم يتحرّك في المنطقة الآمنة، التي لا تحمل مُخاطرة، إذ يستعين بخيوط فرعية وشخصيات جانبية كثيرة، ويحاول أن يمنح بعض اللحظات دفعة شعورية قوية ومؤثرة. ولأن الأحداث تدور، أصلاً، في ساعة ونصف الساعة فقط، فلا يوجد مجال كبير للشعور بالملل أو البطء، وأيضاً بفضل وجود ممثل كبير ذي "كاريزما"، كتوم هانكس، يؤدي الدور بخبرة أكثر منه بتماهٍ مع الشخصية، وإلى جانبه ممثلون ممتازون، أمثال لورا ليني وآرون إيكهارت وآنا جاين، يؤدّون أدواراً نمطية، وإن لم تكن مزعجة، فإن الفيلم في النهاية يضمن ألا يفشل، أو يذهب في أي من تفاصيله إلى مغامرة غير محسوبة.

هو فيلم مسلٍّ إلى درجة بعيدة، يغازل نزعة البطولة الأميركية المعتادة، من خلال قصة حقيقية. وما يلفت النظر، ربما، أن الفيلم عرض في 9 سبتمبر/ أيلول الماضي، في مطلع الأسبوع السينمائي الخاص بـ 11 سبتمبر، كأنه يلعب على الغريزة الخاصة بتلك الذكرى، ويحتفي بطائرة لم تسقط في ذكرى طائرات سقطت في مشهد مأساوي.
إجمالاً، لا يُضيف الفيلم جديداً إلى مسيرة توم هانكس، أو إلى مسيرة مخرجه كلينت إيستوود، ولا يمكن اعتباره، بأي شكل، ضمن أفلامهما المهمة. إنه فقط تجربة متوسطة وآمنة مرّت بسلام، تماماً كما فعل سولي بطائرته.




دلالات

المساهمون