جسور السينما: في الحبّ والحرب والروحانيات

جسور السينما: في الحبّ والحرب والروحانيات

18 سبتمبر 2014
ستريب وإيستوود في جسور ماديسون
+ الخط -
لنجاح مهمّة التصوير في أيّ عمل سينمائي ثلاثة أبعاد ضرورية، لا يكتمل الفيلم من دون إيلائها أهمية خاصة.

يتجلّى البعد الأول في إبراز ملامح الشخصية المصورَّة، ويأخذ مكان التصوير البعد الثاني، فيما يظهر البعد الثالث في تثبيت نظر المتفرّج وتشويقه إلى رؤية صفات هذا المكان وتأمّل دلالاته التاريخية والشخصية، بحسب موضوع الفيلم.

بعض المشاهد المصوَّرة تكون داخلية، مثل الغرفة أو المعمل أو المكتب، وبعضها تكون خارجية مثل الصحراء أو الأنهار أو الشوارع. سواء جرى التصوير في الليل أو في النهار.

واحد من أهمّ مواقع التصوير الخارجي، خصوصاً في الأفلام التسجيلية والوثائقية، هو "الجسر". إذ يجسّد فكرة التواصل بين ضفّتيه، ويرمز أيضاً إلى معنى الجمع والضمّ، أو النزاع، بين الأطراف التي تتشارك أحداث الفيلم.

تقنياً يُعتَبَر الجسر من أهم جماليات الإدارة التصويرية، في معظم الأفلام المشهود لها ببراعة التصوير، على تعدّد أنواعها وأنماطها، تاريخية أم رومانسية أم وثائقية. ففي فيلم "جسور مقاطعة ماديسون" (The Bridges of Madison County)، مثلاً، وهو من بطولة النجمة ميريل ستريب، والمخرج والممثل الأميركي كلينت إيستوود، يحكي الجسر قصة حبّ تولد مصادفة بين البطلين، حين يقوم إيستوود، إذ يؤدّي دور مصوّر فوتوغرافي في الفيلم، بالتقاط صور لجسور مقاطعة ماديسون، وتكون عارِضته أثناء ذلك ومضيفته في منزلها هي ميريل ستريب. في نهاية الفيلم يتفرّقان عن بعضهما، ويصبح الجسر مكاناً يحتفظ بذكرى تعارفهما، تحته تبادلا التقاط الصور ومشاعر الحبّ.

من جانب آخر، اشتهر المخرج ستانلي كيوبرك، وهو واحد من أعمدة السينما المعاصرة، بإدارته التصويرية الباهرة، وحضور الجسور والأنفاق في أفلامه. فيلم "سترة واقية كاملة" (Full Metal Jacket) يكثّف الحرب بطبقات الجسر الثلاث: مَن يقصف الجسر، من يردّ على القصف مِن الجسر، ومن يختبئ أسفل الجسر. أيضاً في فيلم "البرتقالة الآلية" (Clockwork Orange)، يُظهر كيوبرك أنّ الجسر يُستعمَل مخبأً للتعذيب. من أهمّ مشاهد الفيلم عملية قتل تقوم بها الشخصية الرئيسية، حين تشدّد على أن تحصل تلك العملية تحت الجسر، متأثّرة بمعنى قانونه العسكري القديم، حيث أنّ من يُقتَل تحت الجسر لا يخضع لأيّ تحقيق.

بالإضافة إلى أفلام الحرب، تُعرف معظم الأفلام، التي أرّخت للحقبة النازية، بأماكن تصويرها التي تكون مليئة بالجسور. فألمانيا هي أحد أهمّ الدول في تصميم الجسور. ومن نماذج الفيلم التسجيلي يروي فيلم "الجسر" قصّة البوابة الذهبية في مدينة سان فرانسيسكو، وهو "هيكل من الإبداع"، بحسب المخرج إيريك ستيل. مع شيء أكثر من ذلك، شيء من الروحانية، لا يمكن للكلمات أن تصفه.

الجسر هو المكان الأكثر استهلاكاً تصويرياً، وقد جرى تناوله أكثر من مرّة في أفلام المخرج وودي آلان، الذي يُشتهر بشاعرية نصوصه وأبعادها السايكولوجية. وللجسر دلالات شاعرية عدّة أخرى في توصيف المكان المناسب لكلّ شيء، من السيّء إلى الحسن.

دلالات

المساهمون