عزت أبو عوف: سيرة من المسلسلات والأغاني

عزت أبو عوف: سيرة من المسلسلات والأغاني

02 يوليو 2019
عُرف بأدوار أرستقراطية مثل "هوانم غاردن سيتي" (فيسبوك)
+ الخط -
لم يستكمل الفنان عزت أبو عوف (1948 - 2019) تصوير آخر أعماله، "كل سنة وإنت طيب"؛ فصراعه مع أمراض الكبد والقلب لم يمنحه مزيداً من الوقت، ليدخل في غيبوبة في الأسابيع الأخيرة، ويرحل عن 71 عاماً. تعاقد أبو عوف على المشاركة في بطولة مسلسل "بالحب هنعدي" مع الفنانة سميرة أحمد والمؤلف يوسف معاطي لكن العمل تعرّض للتأجيل كثيراً، وكان آخر ظهور له من خلال إعلان لإحدى شركات الاتصالات في شهر رمضان الماضي، إذ ظهر في لقطة جمعته بعمرو دياب وهو في سن صغيرة. 

يقول الباحث محمد الجوادي، في إحدى تدويناته المنشورة، عن عائلة أبو عوف: "عرف الجمهور الذي شهد نهاية السبعينيات أن أحمد شفيق أبو عوف أنجب ولداً وأربع بنات، وأنه قدم للمجتمع المصري على أنه رائد لأسرة فنية جديدة، فقد كوّن ابنه الفنان عزت أبو عوف (الذي تخرج في كلية الطب وعمل طبيبا للنساء والتوليد) مع شقيقاته الأربع (اللاتي كانت أسماؤهن تبدأ بحرف الميم) فرقة سُميت الـ"فور أم"، وفيما بعد بقيت واحدة منهن فقط في مجال الفن وهي الممثلة مها أبو عوف".

يضيف: "كان هذا الضابط الرياضي واحداً من عشاق الموسيقي العربية الذين عنوا بتدوينها، وعملوا على مواكبة تراثها للعصر الحديث، وهو أيضاً واحد من الضباط البارزين في عهد ثورة يوليو 1952 الذين تولوا المسؤولية المتقدمة في كيانات الحياة الفنية من خلال أجهزة الدولة. ولد أحمد شفيق أبو عوف في 2 ديسمبر/كانون الأول 1919 في القاهرة، وتخرج في الكلية الحربية (1940)، ثم درس في المعهد العالي للموسيقي وحصل على درجة الدبلوم منه (1952)، وفي ما بعد درس السيارات والنقل البحري في جامعات أميركا وإنكلترا، كما نال درجة في الأدب الإنكليزي من الجامعة الأميركية (1977)". ويشير إلى أن عزت أبو عوف، كان متفوقاً في دراسته بشكل كبير، وأنه التحق بكلية الطب بناء على رغبة والده، ليتخرج منها في القاهرة، ولكن ميله إلى الفن جعله ينتمي إلى أشهر فرق الموسيقى الغربية في مصر، كعازف على الأورغ.

أسس عزت أبو عوف في أواخر الستينيات فرقة "Les Petits Chats" (القطط الصغار) مع الفنان عمر خورشيد والفنان عمر خيرت والفنان هاني شنودة. كما انضم لفرقة "البلاك كوتس"، والتي أسسها إسماعيل الحكيم، ابن الكاتب المصري الكبير توفيق الحكيم. اشتهرت الفرقة في أواخر الستينيات وبدايات السبعينيات من القرن العشرين في كل أنحاء مصر، ولكنها توقفت بعد وفاة مؤسسها إسماعيل عام 1978. بعد توقف "البلاك كوتس"، بدأ عزت أبو عوف تكوين فرقته الخاصة واعتمد على العنصر النسائي، متبعاً مثال فرقة "البوني إم" المشهورة في ذلك الوقت، وتعاون أبو عوف مع أخواته البنات مها، ومنال، وميرفت ومنى، وكان يقوم بالبروفات في قبو فيلتهم في الزمالك، ليؤسس فرقة "فور أم" في عام 1979.

ذاع صيت الفرقة في الألحان، والتي من أشهرها الليلة الكبيرة، دبدوبة التخينة، مغنواتي، لا عاجبك كده ولا كده، جنون الديسكو وغيرها الكثير. كما قدمت عدداً من المسرحيات أبرزها "عشرة على باب الوزير". فرقة الفور أم أسهمت في ترسيخ اسم عزت أبو عوف وشهرته إلى حد كبير. وكانت هذه الفرقة من بين الأشهر، وكان تكوينها من فكرة شقيقته منال وقدم الموسيقى التصويرية للكثير من الأفلام مثل "حسن اللول"، "نشاطركم الأفراح"، ومسرحية "الدخول بالملابس الرسمية"، ومسلسل "حكاية ميزو"، وغيرها من الأعمال الأخرى.

أحب الفنان الراحل مجال التمثيل هو وشقيقته مها واتجها إليه بقوة، وقدما العديد من الأعمال التلفزيونية والسينمائية والمسرحية، واشتهر أبو عوف بتقديم الأدوار الأرستقراطية التي تليق بملامحه تماما مثلما ظهر في مسلسل "هوانم غاردن سيتي"، "نيلي وشريهان"، "أماكن في القلب"، وسينمائياً من خلال سلسلة أفلام "عمر وسلمى" مع المطرب تامر حسني، و"مطب صناعي" مع الفنان أحمد حلمي، وغيرها من الأعمال الأخرى، فيما رفض في السنوات الأخيرة الكثير من الأدوار التي عُرضت عليه والتي تتمحور في أدوار البلطجة، مؤكدا أن الجمهور لن يصدقه في مثل هذه الأدوار، كما أنه لا يحب أن يؤديها أو أن يقدم أي مشهد يحتوي على ألفاظ سوقية لا تليق بأن يسمعها جمهوره الذي دائما كان يثق به وباختياراته، ويكفي ما صرح به عما قدمه من أعمال لم يكن راضيا عنها في بداية حياته الفنية، واضطر لتقديمها بسبب حاجته الشديدة إلى المال، وقال وقت هذا التصريح كلاما أثار جدلا كبيرا، حيث أكد أن كل الممثلين قدموا أعمالا "هايفة" من أجل المادة في فترات من حياتهم، حتى إن عادل إمام نفسه قدم مثل هذه الأعمال.

بجوار التمثيل، كانت له تجربة في تقديم البرامج التلفزيونية من خلال برنامج المسابقات "هرم الأحلام"، الذي كان يذاع في التلفزيون المصري عام 2001. كما كان يشارك اﻹعلامي عمرو أديب في تقديم برنامج "القاهرة اليوم"، منذ سنوات.

من أهم مراحل حياة أبو عوف الفنية كانت رئاسته لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي لعدة دورات، بدأها عام 2006 خلفا لشريف الشوباشي، وكان على النقيض من غيره من الفنانين ممن ترأسوا المهرجان، يعترف بالأخطاء التي وقع فيها من دون أي خجل، لكنه دوما كان يؤكد أنه يرفض المجاملات في اختيار أعمال لجان التحكيم، وذلك بعد عدة اتهامات وُجهت له في هذا الشأن.

استمر نجاح أبو عوف في المهرجان لمدة سبع سنوات، وتم لأول مرة خلال فترة رئاسته للمهرجان استضافة الممثلة الفرنسية جوليت بينوش، والنجم الأميركي ريتشارد غير، وذلك في الدورة الـ 34 للمهرجان. كانت وفاة السيدة فاطيما الزهراء زوجة الفنان القدير عام 2012 بمثابة الحدث الجلل في حياته. دخل أبو عوف عقب وفاة زوجته وأم ابنيه كمال والمخرجة مريم أبو عوف، مصحة علاج للأمراض العصبية خارج مصر، حتى يستطيع تجاوز هذه المرحلة الصعبة، وهو ما حدث نوعا ما، واستطاع أن يعود بمساعدة أهله وأصدقائه إلى حياته الطبيعية، لكن ظل جزء كبير من روحه مفقودا برحيل فاطيما، التي لم يتخلَ عن خاتم زواجهما الذي ظل عالقا في سلسلة كان يرتديها في رقبته. وبسبب حكايات أبو عوف دوما عن زوجته الراحلة كان خبر زواجه من مديرة أعماله أميرة بمثابة صدمة لجمهوره، واتهمه الكثيرون بالتناقض في تصريحاته وأنه ليس مخلصا، إلا أنه كان يرد قائلا إن صور زوجته لا تزال موجودة في كل ركن من أركان الشقة التي يقيم فيها مع زوجته الجديدة، مؤكدا أن مديرة أعماله كانت من أقرب الناس لزوجته وله وبينهما عشرة طويلة، لذا تزوجها لأنها تعرف جيدا كيف تتعامل معه، وخصوصاً أنه كان قد بدأ في المعاناة من بعض الأزمات الصحية المتتالية، وكان في حاجة إلى سند يتكئ إليه وقت الشدة.

في إحدى اللقاءات الصحافية كشف عزت أبو عوف عن أسرار المأساة التي عاشتها أسرته بسبب الرئيس الراحل أنور السادات، وحالة الاكتئاب التي عاشها والده بعدما أجبره الرئيس الراحل على ترك عمله.

وقال عزت أبو عوف في حوار سابق: "أنا ابن الدكتور أحمد شفيق أبو عوف أحد الضباط الأحرار، الذين قاموا بثورة 23 يوليو 1952، وبكل أسف لم يحصد والدي إلا المتاعب السياسية، فقد حدث خلاف بينه وبين السادات في الفترة التي كان يشغل فيها منصب رئيس مجلس الأمة وكان والدي عضوا بالمجلس".​ وأضاف: "لم ينس السادات هذا الخلاف، وعندما شغل منصب رئيس الجمهورية 1970 أطاح بوالدي وأجبره على ترك عمله، وحاول والدي تجاوز المحنة وتحلّى بالصبر، ولكن أنا والأسرة تأثرنا جدًا ماديًا ومعنويًا". وتابع: "عشنا فترة جوع غير عادية، ولا أبالغ إذا قلت إن والدتي كانت تقدم لنا الماء بالملح على أنه شوربة، وباختصار أنا أكره السياسة لأنها أصابت والدي بالاكتئاب وجعلتني أعرف معنى الجوع".

دلالات

المساهمون