جيل سوري جديد يروي حكايته على مسارح بيروت

جيل سوري جديد يروي حكايته على مسارح بيروت: "ما خلصت الحتوتة"

05 ابريل 2019
تسرد المسرحية الاغتراب السوري بمنظور جديد (العربي الجديد)
+ الخط -
لا شك في أن الثورة السورية، وما تبعها من حرب وتهجير، أثرت بشكل كبير على جيل كامل من السوريين. الذين عاشوا مراهقتهم وسنوات شبابهم المبكرة بظروف قاسية، تعيق أغلب محاولاتهم لتأسيس شخصيتهم الخاصة والمستقلة، ولا سيما السوريون الذين لجؤوا إلى لبنان وعلقوا فيه.

ففي لبنان، تعاني شريحة كبيرة من اللاجئين السوريين من عدم قدرتها على متابعة تعليمها الأكاديمي. وقد حاولت منظمات المجتمع المدني أن تسد هذا الفراغ، من خلال الورشات التعليمية التي أقامتها خلال السنوات الماضية، والتي كان النصيب الأكبر فيها من حصة الورشات الفنية؛ إذْ أقيم عدد كبير منها تحت عناوين "تدريب المدربين" أو "تقنيات الإخراج" أو ورشات "إعداد ممثل".

ورغم أن هذه الدورات تُقام في لبنان منذ 6 أعوام تقريباً، إلا أنها لا تزال، حتى اليوم، تحتفظ بالهيكلية ذاتها، فالفنانون الأكاديميون نفسهم يقومون بإجراء الورشات وإخراج العروض. ويشارك الأطفال والشباب السوريون اليافعون بهذه الورشات والعروض الناتجة عنها. وفي أغلب العروض، تتم الإشارة إلى أن هذه التجربة هي التجربة الأولى للممثلين، ما خلق ظاهرة غريبة من نوعها في مسرحيات السوريين في لبنان، وهي تقديم ممثلين يزاولون المهنة لما يقارب ثلاثة أعوام أو أكثر، باعتبارهم ممثلين جدد يخوضون تجربتهم الأولى!

في هذا السياق، تتضح أهمية تجربة المخرجة السورية الشابة، باسكال جلوف، التي أخرجت مسرحيتها الأولى "توتة توتة... ما خلصت الحتوتة" في منتصف الشهر الماضي؛ إذْ إن جلوف لاتزال في الثالثة والعشرين من عمرها، وعندما لجأت إلى لبنان كانت لاتزال طفلة، وبذلك مسرحيتها تشكل مفصلاً هاماً في المسرح السوري في لبنان، فهي أول مخرجة تنتمي للجيل الجديد.

وللمفارقة، فإن جلوف لم تشارك يوماً بالورشات المعدة لتخريج الكوادر المسرحية السورية الجديدة، بل هي قامت بدراسة المسرح في جامعة LAU (الجامعة اللبنانية الأميركية)، ومع ذلك فإن مضمون مسرحيتها لا يختلف كثيراً عن مضامين المسرحيات التي تمولها المنظمات للسوريين في لبنان. إذ إنَّها تروي في مسرحيتها التي قامت بتأليفها بنفسها، حكايتها الخاصة عن رحلتها من مدينة حلب إلى بيروت. ولكن الأسلوب الإخراجي الذي اختارته لسرد قصتها، يختلف بشكل كبير عن كل المسرحيات التي سبقتها. فهي اختارت أن تستخدم أسلوب الحكواتي كشكل مسرحي لعرضها، واستندت إلى الموسيقى والغناء لإضفاء جمالية خاصة للعرض.



وفي لقاء خاص مع "العربي الجديد"، تحدثت جلوف عن مسرحيتها والشكل الذي اختارته قائلةً: "هذه المسرحية هي نتاج لدراستي الأكاديمية، وهي بالأحرى مشروع التخرج الذي قدمته في جامعتي. وعندما طُلب مني أن أقوم بتقديم عرضي الأول. لم أرغب بأن أسير بنفس الخطى التي يسير عليها زملائي، وبدأت أبحث عن الشكل المسرحي الخاص بي، وفكرت أن أستفيد من شكل مسرح الحكواتي وتقنياته في بناء العرض وسرد بعض القصص للتعبير عن مشاعري في فترات متباعدة، ولكن بطريقة عصرية. فأقحمت بالعرض العديد من الأغاني الشعبية المتداولة اليوم، بدلاً من استخدام الأمثال والأشعار التي كان يلقيها الحكواتي في قصصه. فإلى جانب الأغاني التراثية، اخترت بعض شارات المسلسلات وأفلام الكرتون، بسبب ما تعنيه هذه الأغاني لي بشكل خاص".

ومن الأمور التي تميز مسرحية جلوف أنها تتمكن من استغلال كافة الأدوات التي تملكها هي وفريقها، وتوظفها ببساطة بما يخدم جمالية العرض. ولكن ما يعيب العرض هو ضعف النص الذي يفتقر للبنية المتينة. وعن نص العرض تقول: "حاولت أثناء مرحلة الكتابة ألا أصنع نصاً بكائياً. لأنني أؤمن بأن المسرح يجب أن يقدم البهجة والمتعة للجمهور، وذلك ما جعلني أغير ببنية الحكاية. بدأت بحكايتي من منتصفها، وعدت فيما بعد إلى طفولتي، قبل أن أختتم النص بالمستقبل. وكنت واعية أثناء الكتابة أن الجمهور سيكون لبنانياً بالمقام الأول، وذلك ما جعلني أطيل بشرح بعض النقاط، كما فعلت بسرد حكاية الروزنة، التي يعرفها السوريون جيداً".

وفعلياً، نتج عن إدارة جلوف للعملية المسرحية من لحظة الصفر وحتى ختامها، حكاية جديدة، تسرد قصة الاغتراب السوري بمنظور لم نعتد عليه، منظور من كانوا أطفالاً لحظة اندلاع الحرب السورية.

والتقى فريق "العربي الجديد" بالمدير التنفيذي لمؤسسة "اتجاهات – ثقافة مستقلة"، عبد الله الكفري، للحديث عن احتياجات الجيل المسرحي الجديد من السوريين في لبنان. وفي هذا السياق، يقول الكفري: "تحتاج أطر دعم الفنانين الشباب، ومن هم في أول مساراتهم الفنية، إلى حساسية عالية وفهم كبير لمختلف الاحتياجات التي تتعلق بالتكوين الفني وبالظروف الاجتماعية، وإن لا يمكن اعتماد نموذج واحد في الدعم لأن الظروف تختلف. هناك ميل عام من قبل المؤسسات الفنية إلى تنظيم ورشات عمل مكثفة، قد تفيد جداً في سياقات، إلا أنه في سياقات أخرى ربما لا تجدي. كما أنه بعد مرور سنوات عدة على اضطرار أجيال مختلفة من الفنانين إلى الخروج من سورية، فهناك حاجة لخلق أطر مختلفة للدعم أكثر جدوى واستجابة؛ ومن هنا كانت مبادرة "أجيال" لدعم التعليم الأكاديمي في مختلف مجالات الفنون، والتي أطلقتها اتجاهات في دورة تجريبية لهذا العام الدراسي، إذْ تحاول الاستجابة إلى جزء من الاحتياجات الكبيرة في سورية، والبلدان المجاورة وأوروبا".


المساهمون