"عبر كارباتيا": حكايات الهجرة والتفاصيل اليومية

"عبر كارباتيا": حكايات الهجرة والتفاصيل اليومية

08 يوليو 2018
من "عبر كارباتيا" لكوتشانسكا وبايون (الموقع الإلكتروني للمهرجان)
+ الخط -
يرصد "عبر كارباتيا" للبولنديين كلارا كوتشانسكا وكاسبار بايون واقعًا إنسانيًا يتمثّل بالهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، عبر بوابتها الشرقية. لكن الرصد متحرّر من كلّ إسقاط سياسي أو اجتماعي، إذْ يكترث الفيلم برحلة يقوم بها زوجان شابان من بولندا إلى الحدود القائمة بين مقدونيا واليونان عبر جبال كارباتيا، بهدف "إنقاذ" والد الزوج القادم من سورية زمن الخراب الراهن. بهذا المعنى، يُعتَبر الفيلم مزيجًا بين شيءٍ من ملامح "أفلام الطريق" والمغامرة، وواقع الهجرات غير الشرعية في تلك الجغرافيا الأوروبية، مع تفاصيل قليلة عن وضعٍ عائليّ مُفكَّك وغير سوي.
فجأة، يجد الزوجان جوليا (جوليا كييوفسكا) وبيوتر (بيوتر بوروفسكي) نفسيهما في متاهة رحلة محفوفة بمخاطر ناشئة من المراقبة الدقيقة لرجال الأمن والشرطة لمتسلّلين أو لاجئين غير شرعيين، ولعاملين في تسهيل التسلّل. فهما يرغبان في إجازة صيفية كأي ثنائي عاملٍ يحتاج إلى فترة استراحة. لكن والدة بيوتر تفرض عليه الاهتمام بأبٍ غائبٍ عن عائلته منذ سنين بعيدة، لكونه مُقيمًا في سورية، بينما بيوتر ووالدته مقيمان في بولندا منذ زمنٍ بعيد. هذا الفرض مدخلٌ إلى رحلة يغلب عليها الصمت، الذي يتخلّله كلامٌ متفرّق بعضه مرتبطٌ برغبة سابقة لهما في تبنّي طفل أفريقي، وتطلّع جوليا حاليًا إلى إمكانية دفع مبلغ من المال لقاء الحصول على طفل سوري، وغيرها من "الدردشات" التي تعكس قلقًا وارتباكًا وخوفًا من أي صدام مع أي أحد.

يرسم "عبر كارباتيا" ـ المُشارك في برنامج "شرق الغرب" في الدورة الـ53 (29 يونيو/ حزيران ـ 7 يوليو/ تموز 2018) لـ"مهرجان كارلوفي فاري السينمائي الدولي" ـ معالم زمنٍ أوروبي منهار تحت وطأة خراب يعتمل في بلاد عربية، ويتوغّل في مسام علاقات عائلية ملبّدة، ويطمح إلى سردٍ مبسّط لحكاية البحث عن أجوبة ستبقى غامضة على أسئلة ستبقى معلّقة. لن تكون معرفة سبب غياب الأب عن عائلته مهمّة، لأن الرحلة البرية أهمّ في مستويات عديدة، أبرزها تمتين العلاقة بين الزوجين، وخلاص بيوتر من ضغط والدته (قيامه بالرحلة) وحضور والده الغائب (إذْ لن يُعرَف شيءٌ عنه إطلاقًا، مع ترجيح بإمكانية بقائه في اليونان لسببٍ ما)، وغلبة الإجازة الموعودة على كلّ شيء آخر.

يبتعد النص السينمائي (سيناريو المخرِجَين بايون وكوتشانسكا والممثِّلَين كييوفسكا وبوروفسكي، عن فكرة لبايون) عن أي تحليل سياسي ـ سوسيولوجي وادّعاء إنساني ـ أخلاقي وتصنّع فني ـ بصري. أما الاشتغال الجمالي ـ الدرامي فمعقودٌ على تبسيطٍ في استخدام الكاميرا (تصوير زوزا كرنباك) والتوليف (مارسِن سوتشارسكي وبربارا فرونك)، رغم أن لقطات عديدة تبقى "مُقرّبة"، والالتزام بها أساسيّ كتعبيرٍ عن مدى الضيق والمساحات الخانقة التي يُقيم فيها الزوجان، خصوصًا في تلك الرحلة. منزلهما الأساسي متواضع يُطلّ على فضاء مفتوح يُلاحَظ من خلف الزجاج، وسيارتهما عادية، لكن الأمكنة التي يُقيمان فيها تعكس هذا الضيق، قبل جلوسهما معًا في نهاية المطاف على طاولة عشاء في مطعم بحري، حيث ينفتح "الكادر" على حيّز أوسع. هناك لقطات شبيهة تسبق النهاية، وتجمع الثنائي في لحظات عابرة، كأنها انعكاس لهدوء ما، بينما هي استراحة مليئة بالارتباك والقلق وانعدام الرؤية.
في التعريف الرسمي بالفيلم، يُذكَر أن الزوجين جوليا وبيوتر ينتميان إلى الطبقة الوسطى. هذا ليس وصفًا عابرًا، لأنه دليلٌ على المكانة الاجتماعية ـ الاقتصادية التي يتمتّعان بها، وعلى السلوك المعيشيّ الذي يلتزمانه في يومياتهما. فالمنزل الزوجي متواضع، والأدوات المستخدمة في حياتهما عادية وبسيطة ومنسّقة ومرتّبة، في حين أن تكاليف "الرشى" ـ التي يُفترض ببيوتر دفعها لتأمين وصول الأب سالمًا ـ متأتية من الأم التي لن يُعرف عنها شيء كثير، فهي مكتفية بتوجيه المسار الدرامي لسيرة الزوجين، بينما تتكفّل بإعادة ترتيب منزلهما أثناء رحلتهما لاستقبال ضيفٍ لن يأتي.

المساهمون