عن جائزة الشيخ حمد للترجمة

عن جائزة الشيخ حمد للترجمة

28 نوفمبر 2015
+ الخط -
بتكريمها، في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري في الدوحة، الفائزين في دورتها الأولى، أنجزت جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي مكانتها المتقدمة بين المؤسسات والهيئات العربية الفاعلة في دعم حركة الترجمة في العالم العربي، وهي مكانة خاصة، ولها تميّزها الظاهر، بالنظر إلى أن الجائزة وحدها، من بين جوائز عربية مقدّرة، تلتفت إلى تكريم فائزين يترجمون من العربية إلى الانجليزية وإلى لغات أخرى، في تأكيد الدور الذي أَشهرته عند إطلاقها في سبتمبر/ أيلول الماضي، ومن عناوينه "تشجيع عمليات المثاقفة الناضجة بين العربية وبقية لغات العالم". والمبادرة التي تمنح هذه الجائزة خصوصية لافتة، أنها تختار، في كل دورة، لغة أخرى مع الانجليزية، لتكريم الفائزين بترجمة كتبٍ منها إلى العربية، ومن العربية إليها، وكانت التركية للعام 2015.
وبهاتين الميزتين فيها، تُحقق هذه الجائزة الجديدة التي تقدمها دولة قطر، في حقل إبداعي وإنساني وحضاري جوهري في الثقافة العربية، لنفسها، موقعاً فريداً بين جوائز غير قليلة، تقدمها مؤسساتٌ ودول عربية، في جهد طيب ومحمود، يصب، أيضاً، في دفع حركة الترجمة في العالم العربي، وتنشيطها، وتجويدها.
ومن لطائف رائقة في جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي أن ترجمتين لكتابي محمد عابد الجابري "العقل الأخلاقي العربي" وعبد القاهر الجرجاني "دلائل الإعجاز"، تم تكريمهما بجائزتين في فئة الترجمة من العربية إلى التركية. وكذا ترجمتيْ "رسالة الغفران" للمعرّي و"أخبار مجنون ليلى" إلى الانجليزية. وبذلك، فإنها خدمة ثمينة تُبادر إليها هذه الجائزة المرموقة، وفي أول دوراتها، أن يفوز بها مترجمون نقلوا هذه الأسفار الفائقة الأهمية في الموروث العربي وفي الفكر العربي المعاصر إلى الثقافتين، الأوروبية والتركية. والواضح أن أعلاماً عرباً لهم إسهامهم اللافت في الترجمة ممّن ظفروا بالجائزة، منهم الأردني فايز الصياغ، صاحب ترجمة رباعية إريك هوبزباوم، ومنها "عصر التطرفات" الذي نال الجائزة، وكان الصياغ قد نال جائزتي خادم الحرمين الشريفين، عبد الله بن عبد العزيز، للترجمة، والشيخ زايد الدولية للكتاب، عن ترجمته عمليْن كبيرين آخريْن. والمصري إمام أحمد إمام، صاحب المجهود اللافت في ترجمات فلسفية وفكرية مشهودة. والسوري عبد القادر عبدللي، والذي نقل إلى العربية أعمالاً إبداعية غير قليلة من التركية.
هي، إذن، مساهمةٌ كبرى، تقوم بها الجائزة الجديرة بكل تنويه، في مكافأة التميّز في ميدان الترجمة الذي بقدر ما صار يعرف، في بلادنا العربية، إنجازاتٍ محمودة ومهمة، فإنه يعرف، أيضاً، مظاهر من البؤس والشناعة غير هيّنة، بالاعتداء على أعمالٍ يتم نقلها إلى العربية بركاكة وأخطاء نحوية وتعبيرية وأسلوبية كثيرة، وأيضاً برقابة مقيتة عليها، بالتحريف فيها، والحذف منها. وثمّة الترجمة عن لغةٍ وسيطة، (وهذا جائز ومشروع)، من دون احترام للنصوص وجوهرها. وثمّة الفوضى في الترجمات المتعددة للنص نفسه. وقد ناقشت مؤتمرات كثيرة، انتدى فيها أهل الخبرة والدراية في غير بلد عربي، هذه المشكلات وغيرها، من دون أثرٍ ظاهرٍ في الحد منها. وهنا، يحسن التنويه بالمجهود المهم الذي تقوم به مؤسسات ناشطة ومحترمة، منها المنظمة العربية للترجمة، والتي استحقت، عن اقتدار، جائزة "الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي" للإنجاز، الأربعاء الماضي، وقد أخلصت للمعايير العلمية والمهنية في الترجمة. وفي البال أن هذه المعايير تحتاج، دائماً، إلى ذائقةٍ إبداعية، لا بد أن يتوفر عليها من يبادر إلى الترجمة، ولو لنصوصٍ غير أدبية، فالإحساس بالنص ومفرداته وبنائه استحقاق ضروري لتتميز الترجمة.
الحديث عن راهن الترجمة في راهن الثقافة العربية طويل، ومشتبك بقضايا كثيرة، غير أن المقام، هنا، هو التأشير إلى فعل حضاري محل تثمين مطلوب، تُبادر إليه جائزة قطرية عربية، تكرّم المتميزين في حقل الترجمة الذي يعد من أهم جسور التواصل بين الشعوب والأمم وثقافاتها، وما أحوج العرب إلى الانفتاح على العالم، وإلى أن يعرفهم العرب، بغير العيون إيّاها.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.