عن المرنيسي وشكري

عن المرنيسي وشكري

19 أكتوبر 2015

محمد شكري وفاطمة المرنيسي

+ الخط -
الكتب هي آخر ما يتبقى لدينا. وهنا في المغرب، هناك كاتبان يحظيان بتقدير خاص في العالم العربي، وينظر إليهما الغرب نظرة فيها احترام كثيرين. أحدهما متوفى، لكنه حي، والآخر يتمتع بنعمة الحياة ويبدع فيها.
أقصد الروائي محمد شكري، وعالمة الاجتماع فاطمة المرنيسي، والجامع بينهما أنهما ذهبا إلى الحدود القصوى. الأول إلى حدود الكشف عن عري الكائن والنوازع البشرية الكامنة في الإنسان. والثانية أخضعت المسلك البشري لقراءة من نوع آخر، تتوسل بالعلم وترصد الظواهر، وهما معا رُفضا، في بداية حياتهما الأدبية والعلمية، لكن الاعترافات المتوالية من الداخل ومن الخارج، جعلت آلة "النفي" تنهزم وتتراجع.
كتب شكري دائما في الواجهة وفي صدارة المبيعات وبكل اللغات، وكتب المرنيسي تعرض في أرقى المكتبات العالمية، ومنها مكتبة الكونغرس وهارفارد، كما تدرس في أكثر من جامعة عالمية، فالكتّاب أيضا يصنعون الفرق، وليس وحدهم السياسيون من يقدر على ذلك.
عندما كتب المفكر السوري، بوعلي ياسين، كتابه ذائع الصيت "الثالوث المحرم، دراسة في الدين والجنس والصراع الطبقي"، الصادر سنة 1973 لم يكن يفكر أن يكون لهذا الكتاب كل هذا المصير المتقلب، فمن كتاب ممنوع معاقب على تداوله من الجهات الأمنية إلى كتاب يمرر مستنسخا كالنشرات السرية، إلى كتاب مطروح على سوقه في الأسواق.
بالفعل، تطلبت الحكاية زمنا طويلا استمر أكثر من ثلاثة عقود، وقتها، كان الكثير من معالم الأشياء القديمة شارفت على الزوال، واتضح للنظام العربي مقدار الخطأ الذي ارتكبه في منع دراسة أكاديمية.
بالنسبة إلى محمد شكري يمكن اعتبار روايته "الخبز الحافي" من أكثر الروايات العربية التي أصبحت علامة على طبيعة الصراع الثقافي بين بنية اجتماعية تقليدية قائمة على آلية تحريم جاهز وبنية اجتماعية أخرى نقيض لها على التمام. وربما لم يكن شكري نفسه يتصور أن تحقق الرواية، التي كتبها في فصول مرتبكة، شهرة طارت في الآفاق، وخصوصاً بعد أن دخلت "الخبز الحافي" دائرة الكتب الممنوعة، كي تخلد رواية خارج الزمن.
ظل شكري مكبلا بنجاح روايته، ولم يعرف كيف يتجاوزها في أعماله التي تلت. شعر بخيبة أمل أن يكون معتقلا داخل نص روائي واحد به يعرف، وإليه تؤول كل شهرته، وقد عبر عن هذا الانزعاج، بل عن هذه المعاناة التي عاشها غيره من الكتاب العالميين الكبار. وجد نفسه محشورا في مثلث لا قبل له به، روايته اعتبرت رواية جنسية وفاضحة بينما رآها الليبراليون انتصارا للهامش ضد قيمهم "الكونية"، في حين اعتبرها رجل السياسة تقوض مشروعه السياسي من الداخل، لأنها طافحة باللاجدوى. لكن شكري كان خارج كل هذه الاعتبارات خارج أدبية.
أما فاطمة المرنيسي فهي تشكل نموذج الباحثة العربية التي تتحلى بنفس أكاديمي، مغامرة بالبحث في مجالات شديدة الحساسية في الثقافة العربية الإسلامية. ولعل كتابها "الحريم السياسي" هو مفتاح عملها في مجال ملتبس، وفيه الكثير من المخاطر ومزالق التأويل، إنها هي نفسها واعية بمغامرتها وبمخاطر هذه المغامرة، ولذلك لم تتوقف المرنيسي عن الحديث عن تربيتها الإسلامية ومعرفتها بالقرآن والسنة النبوية، بينما يعتبرها المفكرون الإسلاميون، أو الإسلامولوجيون، مجرد باحثة ورثت الكثير من المنظورات الأجنبية، الاستشراقية منها خصوصاً.
تقول المرنيسي في ما يشبه الدفاع عن نفسها: "كمغربية تلقيت تربية حسنة على يد علماء جامعة القرويين بفاس، الذين فتحوا أولى المدارس المختلطة في وجه البنات للتباري مع أقرانهن الذكور، في إطار الحركة الوطنية، التي توجت بتحرير البلاد سنة 1956، ولجت المدرسة الصوفية، منذ سن الخامسة من عمري كنت أدخل الفرح والبهجة إلى قلب والدي باستظهار حديث البخاري في باب حفظ اللسان، وقول النبي صلى الله عليه وسلم "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت".
6A0D14DB-D974-44D0-BAC8-67F17323CCBF
حكيم عنكر
كاتب وصحافي مغربي، من أسرة "العربي الجديد". يقول: الكرامة أولاً واخيراً، حين تسير على قدميها في مدننا، سنصبح أحراراً..