النفط، ما قبله وما بعده!

النفط، ما قبله وما بعده!

11 ابريل 2016
(الكويت: مؤسسة الوحدة للنشر والتوزيع، 1975)
+ الخط -
يلحظ قارئ هذا الكتاب لمؤلفه محمد غانم الرميحي أن مؤشرات التغيير ومواضعه التي رصدها لاتزال ذاتها بؤرًا ساخنةً في عملية التحول والتطوّر المستمر في المجتمعات الخليجية، بعبارة أخرى فإن مجموعة المحاضرات التي قدّمها الرميحي وجمعها في هذا الكتاب الصادر عام 1975، لاتزال -إلى حدٍ كبير- قادرة على وصف وتحليل مساحات كبيرة من الواقع الاقتصادي وانعكاساته الاجتماعية في الخليج العربي في وقتنا الراهن.
البترول والتنمية، ماذا حققنا في حقبة الوفرة النفطية/ المالية لما بعدها؟ وهل استعد مجتمع ما قبل النفط الخليجي للمتغيرات الاجتماعية الناجمة عن اكتشافه؟ وهل هو على استعداد اليوم لفترة ما بعد النفط؟ كلها أسئلة تستدعيها الأوضاع الاقتصادية الراهنة، وتدور في الخلد أثناء قراءة هذا الكتاب الذي يحلل الأمور بدقة لا تخلو من استشراف واع.

ليس النفط وحده!
يرفض الرميحي اعتبار النفط الفاعل الوحيد لإحداث التغيير في المجتمعات الخليجيّة، كما يرفض اعتباره سببًا في تحقّق استقلال هذه المجتمعات عن التسلّط الأجنبي، بل على العكس، فإنه يرى أنه "كان عاملًا هامًا من عوامل إحكام السيطرة الأجنبية على هذه المنطقة لمدّة من الزمن طالت فأفسدت". مفردًا للإدارة البريطانية مساحة استعرض فيها ما يراه دورًا هامًا لعبته في تشكيل مستقبل المنطقة، وحصولها، في مرحلة ما، على موافقات مسبقة لاحتكار ثروات المنطقة الطبيعية "استغلّتها أيّما استغلال" حسب تعبيره مستشهدًا بنص من أحد تقارير مجلس اللوردات البريطاني عام 1907: " إننا يجب أن نعتبر إقامة أية قاعدة بحرية أو أية موانئ محصّنة في الخليج (الفارسي) من قبل أية قوة، على أنه تهديد عظيم للمصالح البريطانية، ويتوجّب علينا مقاومته بكل الطرق التي تحت تصرّفنا".

البناء المجتمعي ما قبل النفط
كان النشاط الاقتصادي في فترة ما قبل النفط، ودور الفرد أو المجموعة فيه يحدد مكانتها الاجتماعية بنسبة كبيرة، أو أن العكس أدقّ، فإن عائلات وقبائل بعينها كانت تضع يدها على محركات ومفاصل الاقتصاد فتحظى بالأفضلية الاجتماعية والمكانة الرفيعة.

ففي اقتصاد الغوص على اللؤلؤ، يرى الرميحي أن العمل فيه كان شاقًا ومؤلمًا، كما هي العلاقات الاجتماعية التي أفرزها على مدى قرون من الزمان، إذ يقرض صاحب المال أو السفينة الغواص حاجة بيته، ويبقى الأخير مقترضًا يسد ديونه من عمله، فإن مات اقتيد للعمل أبناؤه بل وزوجته ليسدوا دينه!

ويقسّم الرميحي المجتمعات الخليجية آنذاك إلى قطاعين: قطاع تجّار يمارسون التجارة الداخلية والخارجية ويحتكرون عمليات التمويل للصناعات الأخرى وقطاع عمال كانت معيشتهم بذاتها مغامرة كبرى في اعتمادهم الدائم على الحظ، والتبعية لصاحب الأرض أو السفينة.

ظهور النفط والتكنوقراط!
أدت الوفرة النفطية والمالية إلى تعزيز مظاهر الاستهلاكية، وظهور عدد من الصناعات الأخرى التي أسهمت في فتح أبواب عمل جديدة للعمال المحليين أو العرب، أو حتى غير العرب الذين بدؤوا بالتوافد إلى المنطقة.

ويعتبر الرميحي التعليم أهم أسباب كسر السلّم الاجتماعي في مجتمع الخليج التقليدي، فبالتعليم، استطاع أبناء الطبقة الفقيرة والمتوسطة الوثوب في السلم الاجتماعي، وتبوؤا مناصب هامة في الإدارة الحكومية ما مكنهم من تحسين وضعهم المالي والاجتماعي، وسمح أيضًا بحدوث المصاهرة بين أبناء سائر الناس، أي الناس العاديين وأبناء العائلات الكبرى الأصيلة.

ساهم التعليم أيضًا في ظهور طبقة التكنو قراط، أو الطبقة الوسطى الفنية التي ملكت في يدها بعض القرارات الإدارية والفنية. كما ساهم في تحرر المرأة وخروجها لسوق العمل، وإيجاد مكانها في الإدارة وصناعة القرار ما انعكس بطبيعة الحال على شكل الأسرة وبنائها ووضع المرأة فيها.

أسئلة حول التنمية
يختم الرميحي كتابه بالإشارة إلى أن سكان الخليج العربي هم أصحاب حضارة عربية وإسلامية، كما أنهم يعيشون عند ممر بحري هام، يجعلهم مركزًا ومعبرًا ويجعل التغيير والتطور أمراً طبيعياً، غير أنه يرى أن البترول أسهم في تسارع وضوح مظاهر التغيير التي لا تعني بالضرورة أن التغيير حقيقي.

ويدلل على هذا بمثالين: أؤلهما أن العربي إن استبدل السيارة بالجمل، ثم استقدم من الخارج من يشغلها له ويصلحها له، فإن التغيير يبقى ظاهريًا وليس حقيقيًا، وإن دول الخليج التي تبنت بعضها أنظمة برلمانية أو أنظمة شورية، لاتزال بحاجة إلى تنظيم عمل الأحزاب التي تعدّ من ضرورات التجربة لتصبح مظاهر التغيير ذات عمق حقيقيّ.

واصفًا ما يجب أن تكون عليه الأمور كخارطة طريق للنجاة بقوله: "الخليج المعاصر عليه استثمار موارده في تنمية وضع الاحتياطي البشري محليّا وعربيًا-عن طريق خلق المواطن العربي الذي يدفع بعملية التغير الإيجابي إلى الأمام".

(كاتبة وشاعرة بحرينية)

المساهمون