دولة "ثنائية القومية" في فلسطين: خيار أم حاجة؟

دولة "ثنائية القومية" في فلسطين: خيار أم حاجة؟

14 فبراير 2016
(القاهرة: دار ابن رشد، 2015)
+ الخط -
ينسجم الطرح الذي يقدمه الكاتب الفلسطيني سلامة كيلة من حيث المنطلقات الفكرية مع ما قدمه في مؤلفاته السابقة، فهو ينطلق من مبادئ الفكر الماركسي في تحليله للواقع، ويركز على أزمة الرأسمالية في رؤيته لموازين القوى، وتأثيرها على علاقة الولايات المتحدة الأميركية بإسرائيل، وانعكاس ذلك على استحالة تحقيق حل الدولتين، فهو يرى أن حصول الفلسطينيين على دولة مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفقا لاتفاقيات أوسلو 1993 "كان وهما"، ويقترح العمل على قيام دولة ديمقراطية علمانية للإسرائيليين والفلسطينيين.

ويبدو الكتاب، من حيث بنائه، أشبه بورشة عمل حوارية تحليلية، إذ يحاور المؤلف فصائل اليسار الفلسطيني في إستراتيجياتها نحو إيجاد حل للقضية الفلسطينية، ويحلل بأدوات ماركسية مفهوم حل الدولتين في توجه يفضي إلى استحالته، في الوقت الذي يؤكد ضرورة تبني الطرح القديم الجديد، المتمثل في حل الدولة الواحدة، ويرد على منتقدي هذا الحل.

يعلل كيلة استحالة تحقق حل الدولتين الذي تم طرحه لإنهاء الصراع بتمسك إسرائيل بـ"لاءات خمسة" تتمثل بلا انسحاب من القدس المحتلة، ولا انسحاب من وادي الأردن، ولا إزالة للمستوطنات، ولا عودة للاجئين، ولا للدولة الفلسطينية المستقلة، لتتحول السلطة الفلسطينية إلى شبه إدارة مدنية مبتعدة عن شكل السلطة السياسية.

في حين يتناسى المؤلف منطلقاته الماركسية في هذا الطرح، إذ إن هذه اللاءات مرتبطة بحل الدولتين وتحركه على أرض الواقع، ومن المتوقع أن يرتبط حل الدولة الواحدة بلاءات واشتراطات إسرائيلية مشابهة، بخاصة فيما يتعلق بالمسألة الديمغرافية المرعبة بالنسبة لإسرائيل، لكنه يتوازن في هذا الأمر من خلال دعوة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، إلى النضال من أجل تحقيق هذه الدولة العلمانية التي تساوي بين مواطنيها، متناسيا سؤالا جوهريا ألا وهو لماذا ستسعى إسرائيل لمثل هذا الحل؟

ويرى أن الرهان على التفاوض في ظل ميزان القوى الدولي والعربي الحالي "لا معنى له"، ولن يقود إلى شيء، فبعد إقامة الجدار العازل لم تعد الجغرافيا صالحة لإقامة دولة فلسطينية، ويعتبر ذلك مقدمة تقود بالضرورة إلى البحث عن حل في إطار الدولة "ثنائية القومية" وهو مصطلح يحلله قائلا "إن الدين يجري تحويله في إسرائيل إلى قومية في حين أن اليهودية ليست قومية، إذ توجد اختلافات بين اليهود الشرقيين واليهود الغربيين بل توجد تمايزات بين اليهود الغربيين أنفسهم"، ويضيف "إسرائيل تستغل الدين لتغطية مشروع إمبريالي".

الدولة التي يقترحها كيلة، تتضمن حلا ديمقراطيا للمسألة اليهودية، إذ ليس من الممكن تجاهل وجود كتلة كبيرة من المستوطنين الذين يمكن أن يقبلوا العيش في ظل دولة ديمقراطية فيدرالية عربية، متوقعا أن هذا سيجعلهم يقومون بدور في مواجهة "المشروع الإمبريالي الصهيوني".

كما يتطرق المؤلف إلى الثورات العربية منذ بدايتها عام 2011، وتأثيرها إعلاميا على القضية الفلسطينية، إذ قادت الأحداث الدامية التي شهدها الوطن العربي في السنوات القليلة الماضية، إلى تراجعها عن واجهة وسائل الإعلام.

حيث إن تخلي السلطة الفلسطينية عن المقاومة المسلحة لصالح التفاوض أربك توجه النضال الفلسطيني للتحرر، وقاد إلى تداخل اقتصادي بين السلطة وإسرائيل، أدى إلى تبعية فلسطينية لإسرائيل وتقاطع المصالح، في إطار وهم تحقيق حل الدولتين كما يرى.

ويؤكد عدم إمكانية التعايش مع "الدولة الصهيونية" وأنها لا تريد التعايش بل السيطرة، وأن الصراع سيظل مستمرا، ما يجعل من ذلك مقدمة منطقية تفرض طرح الدولة العلمانية الديمقراطية. لكن هذا الطرح ينطوي على تناقض، إذ كيف تنسجم رغبة إسرائيل في السيطرة ورفضها للتعايش في إطار دولتين متجاورتين، مع الوصول إلى دولة واحدة يتعايش فيها الفلسطينيون والإسرائيليون بوصفهم مواطنين متساوين في الحقوق؟

كما يراهن كيلة على المسألة الديمغرافية، من حيث التداخل والتشابك الذي يجعل الانفصال صعبا فمن وجهة نظره أن دولته المنشودة ستكون "دولة لكل مواطنيها".

ويبقى الحل الذي يقدمه كيلة نموذجا فكريا طُرح سابقا، ويحتاج إلى وضعه على أرض الواقع ليثبت ما يقدمه ويؤكد صدقه وإمكانية تحقيقه، تماما كما حدث مع إعلان بوسطن عام 2009، الذي قدم بشكل معمق دراسات تنظيرية لحل الدولة الواحدة، دون برنامج عملي يدعم التوجه المطروح، وكما يبدو فإن كيلة لم يتجاوز ما تم طرحه في بوسطن.

إن الحل الذي يقدمه أصحاب شعار الدولة الواحدة يحيل إلى تاريخ النضال الفلسطيني، ليظهر أنه بعد كل عقد يخرج تيار لينفي تجربة سابقيه، ويعيد تبني الدولة الواحدة ثم ينتهي إلى حل الدولتين، كما هو واضح من خلال تجارب القيادة التقليدية وفتح ومنظمة التحرير، وأخيرا حركة حماس التي بدأت بطرح إسلامي شمولي، وانتهت بدخول الانتخابات تحت مظلة أوسلو.
إن هذه التجارب القائمة على نفي السابق اصطدمت جميعها بالواقع وخضعت له وتبنت البراغماتية، ولكن بعد خسارات فادحة تمثلت بفرض إسرائيل لوقائع على الأرض، كما أنها أجلت خيار الدولتين فضلا عن عدم تحقيق خيار الدولة الواحدة.

(كاتب فلسطيني)

اقرأ أيضا
فشل حل الدولتين.. ماذا بعد؟

المساهمون