السعودية تحارب "داعش": مفتاح لمواجهة نفوذ إيران؟

السعودية تحارب "داعش": مفتاح لمواجهة نفوذ إيران؟

05 فبراير 2016
أطلقت السعودية أخيراً التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب(فايز نورالدين/فرانس برس)
+ الخط -


تبدو الفكرة التي طرحها مستشار وزير الدفاع السعودي العميد أحمد عسيري، حول استعداد السعودية للمشاركة بقوات برية في أية عمليات عسكرية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، مطروحة في الأروقة السياسية المهتمة بمحاربة الإرهاب، خصوصاً في الولايات المتحدة الأميركية، ومنسجمة مع الأجندة السعودية التي تطرحها الرياض أخيراً، والتي تُوّجت بإعلان ولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان، في 15 ديسمبر/كانون الأول 2015، عن التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب. ومن هنا يأتي الترحيب السريع، من وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر، بالإعلان السعودي، والذي سيتم التباحث في شأنه خلال اجتماعات بروكسل، الأسبوع المقبل.

الجديد هذه المرة، هو التصريح السعودي الرسمي المباشر، من شخصية عالية المستوى في وزارة الدفاع السعودية، حول استعداد السعودية لإرسال قوات برية لمواجهة "داعش"، المواجهة التي لا يمكن فصلها عن الصراعات الإقليمية، والتي يأتي على رأسها، مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، وفي سياق الضغط باتجاه تسوية في سورية.

السياسات الأميركية ضد "داعش"

تخمينات المراقبين التي تشير إلى أن الولايات المتحدة لا تمتلك رؤية لمواجهة تنظيم "داعش" في العراق وسورية غير دقيقة. بل يبدو أن الولايات المتحدة تملك رؤية واضحة تماماً، لكنها غير قادرة على فرضها، بسبب الأوضاع السياسية في المنطقة، وعدم رغبتها بالتدخّل المباشر على غرار سياسات الرئيس السابق جورج بوش الابن.

فإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لا تريد أن تتحمل عبء مواجهة "داعش" وحدها على الأراضي السورية والعراقية، وعندها سيُنظر إليها كقوة احتلال، ما قد يزيد من جاذبية "داعش" للجهاديين حول العالم، أو المتحمسين لمواجهة الولايات المتحدة. ومن جهة أخرى، ستكون مواجهة الولايات المتحدة منفردة لـ"داعش"، بمثابة هدية لإيران، وتخفيفاً للعبء عن النظام السياسي الموالي لطهران في بغداد، من هنا كانت واشنطن تطرح رؤية مختلفة منذ سنوات، تواجه من خلالها الإرهاب، وتقوم بإجراء تغيير كبير على النظام السياسي في العراق في الوقت نفسه، وهذا ما كان خطاً أحمر إيرانياً.

فقد كانت خطة الولايات المتحدة لمواجهة "داعش" شديدة الوضوح والبساطة، كما عبّر عنها منذ سنوات، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، المتقاعد حالياً، مارتن ديمبسي. الرؤية تتلخص في تسليح السنّة العراقيين، وهم من يقوم بطرد "داعش" من مناطقهم، بدعم من حكومة بغداد، ومن الحكومة الأميركية التي توفر غطاء جوياً ودعماً لوجستياً للمقاتلين. لكن هذا الأمر لا يمكن تحقيقه من دون تنازل الحكومة العراقية عن سياساتها، والقبول بنفوذ سنّي فاعل في العراق. هذه الخطة تأتي إثر نجاح مهم، سجّله مقاتلو العشائر في 2007 بمواجهة تنظيم "القاعدة" وطرده من أراضيهم. ولكن سياسات رئيس الحكومة العراقية السابق نوري المالكي الإقصائية، أدت إلى عودة الاحتجاجات إلى الأقاليم العراقية السنّية، مما جعل "داعش" يعود إلى المنطقة لاحقاً، في ظل رفض سياسيين وقادة العشائر تكرار تجربة محاربة "القاعدة"، بسبب عدم ثقتهم بحكومة بغداد، واعتقادهم بأن أية مشاركة منهم في هزيمة "داعش"، لن تؤدي إلى إنهاء تهميشهم في بلدهم.

اقرأ أيضاً: المهمة الصعبة لشتاينماير… بين الرياض وطهران

الأمر الآخر، من وجهة نظر عراقية، أن بغداد لا تريد أن تسلّح القوى السنّية تسليحاً فاعلاً لمواجهة "داعش"، خوفاً من أن يستخدموا هذه القوة لاحقاً لتغيير موازين القوى في النظام السياسي العراقي، لذا رفضت الحكومة العراقية مشروع "الحرس الوطني العراقي" وحاولت التلاعب به، وهو المدعوم أميركياً، لتجنّب وجود قوة عسكرية سنّية موازية للمليشيات.

الرؤية الأميركية لمواجهة "داعش"، ناتجة عن اعتقاد بأن هزيمة التنظيم لن تتم على يد مليشيات طائفية، تقوم خلال قتالها للتنظيم بعمليات انتقامية من السكان المحليين، وتدفع الرافضين لـ"داعش" إلى التحالف معه للنجاة من تنكيل المليشيات.

التجربة العراقية في هزيمة "القاعدة" مهمة لفهم آفاق ما يمكن أن يحدث في سورية. فالوضع في سورية مشابه للأوضاع العراقية إلى حد ما، إذ أن رئيس النظام السوري بشار الأسد يعتمد على مليشيات طائفية ارتكبت مجازر وقامت بعمليات انتقامية. في الوقت ذاته، فإن محاربة "داعش" من دون وجود قوات معارضة قوية، سيقوّي من سيطرة الأسد على سورية، ويدعم شرعيته دولياً، وهذا ما تحاول روسيا القيام به الآن، وهو ما لا تريده السعودية، ولا الولايات المتحدة.

خلال زيارة رئيس لجنة القوات المسلحة في الكونغرس الأميركي السيناتور جون ماكين، ونظيره السيناتور ليندزي غراهام، إلى بغداد في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كان في جعبتهما خطة لمواجهة "داعش"، تتلخص في بناء تحالف عسكري، تكون أغلب قواته من "الدول السنّية" لمواجهة التنظيم. وتحدّث ماكين عن مشاركة قطر وتركيا ومصر في هذا التحالف المفترض، والذي تشارك فيه الولايات المتحدة بقوات عسكرية ودعم لوجستي. لكن الأهم في خطة ماكين-غراهام، إشارتهما إلى السعودية. إذ أكد السيناتوران أن الخطة تم التباحث بها مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، عندما كان ولياً للعهد ووزيراً للدفاع، وأن السعودية وافقت على المشاركة في هذا التحالف، وإرسال قوات عسكرية، شرط أن يواجه هذا التحالف نظام الأسد مع "داعش". وقال ماكين في هذا الشأن: "السعوديون لا يريدون أن يقاتلوا داعش ويتركوا دمشق تسقط في أيدي الإيرانيين". وهذا ما يبدو بأن السعوديين في صدد فعله.

محاربة "داعش" لمواجهة لطهران؟

تُطرح اليوم فكرة جديدة بأن محاربة "داعش"، قد تكون بداية جيدة لمواجهة إيران في المنطقة. ففي الوقت الذي تبدو حظوظ عقد أية تسوية سياسية في سورية شبه معدومة، في مقابل عدم ثقة الأطراف العراقية ببعضها، مع هيمنة إيرانية على الدولة العراقية، يأتي التدخّل من خلال تحالف عسكري، تؤدي فيه الرياض دوراً كبيراً، كعامل جديد، قادر على تغيير أوراق المنطقة. بل الأمر يتعلق أيضاً بفشل المحادثات السورية في جنيف، وتغير موازين القوة على الأرض لصالح روسيا والأسد.

فقد أدى التدخّل الروسي إلى تقوية موقف الأسد، وباتت الأراضي التي تخسرها المعارضة، أو "داعش"، تقع تحت سيطرة قوات موالية للنظام السوري، وكل هذا بحجة "محاربة الإرهاب"، كما تعلن روسيا. وبالتالي يطرح ذلك إمكانية أمام السعودية لأن تقوم بخطوة مشابهة، فتدخّلها العسكري في سورية، والبري تحديداً، سيأتي لتقوية المعارضة السورية، ويصب في مصلحتها سياسياً وعسكرياً، الأمر الذي سيبدو مهماً جداً للرياض، في حال رغبت في مواجهة النفوذ الإيراني في سورية والعراق.

ومن المستبعد أن تكون الخطوة السعودية للتدخّل منفردة، كما أن السياق الذي طُرحت فيه الفكرة هو سياق تحالف واسع، لذا تبدو فكرة إرسال قوات سعودية، ضمن تحالف دولي، أو تحت مظلة التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب، خياراً ممكناً، وفكرة مطروحة منذ فترة ليست بقصيرة. فالسعودية تريد أن تواجه تنظيم "داعش"، لسببين رئيسيين: الأول أن التنظيم يُشكّل خطراً عليها، وهو شنّ هجمات دموية داخل أراضيها، أسفرت عن مقتل عشرات المواطنين خلال العام الماضي. والأمر الثاني، أن مواجهة "داعش"، يمكن أن تكون مفتاح نفوذ واسع للسعودية في العراق وسورية، يتمثّل في تسليح فصائل مناهضة لإيران، مما يعني محاولة جدية لإنهاء النفوذ الإيراني في المنطقة، وهو الأمر الذي تسعى الرياض إليه بقوة، مع تغير سياساتها الخارجية منذ 2015، وإعلانها سياسات أكثر راديكالية تجاه طهران، منذ إعلان التحالف العربي في اليمن، وحتى قطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران.

اقرأ أيضاً: ثلاثة ملامح للسياسة الخارجية السعودية

المساهمون