اتهام السودان بمحاولة اغتيال زوما: هل يضرب دوره الأفريقي؟

اتهام السودان بمحاولة اغتيال زوما: هل يضرب دوره الأفريقي؟

05 مارس 2015
زوما لم تزر السودان منذ تقلّدها منصبها (فرانس برس)
+ الخط -

تجاهل السودان تماماً التعليق الرسمي على التسريبات الإعلامية التي اتهمت الحكومة السودانية بالتورّط في مخطط لاغتيال رئيسة مفوضية الاتحاد الأفريقي، الجنوب أفريقية نكوسازانا زوما، قبيل تولّيها منصب رئاسة المفوضية في العام 2012 في مقر الاتحاد الأفريقي، وقيل إن التسريبات نُقلت عن استخبارات دولة جنوب أفريقيا.

لكن الاتحاد الأفريقي سارع إلى نفي الواقعة تماماً والتأكيد على عدم وجود أي مخطط لاغتيال الزعيمة الأفريقية. ولم تُشر التسريبات، التي عرضتها قناة "الجزيرة" وصحيفة "الغارديان" البريطانية ضمن سلسلة تقارير أطلق عليها "برقيات التجسس"، إلى الدوافع التي قادت الخرطوم للتخطيط لاغتيال زوما.

ورداً على هذه الاتهامات، يقول القيادي في حزب "المؤتمر الوطني" الحاكم محمد الحسن الأمين، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن هذه الاتهامات ليست بالأمر الجديد، مشيراً إلى أن "السودان دولة ذات توجه إسلامي، الأمر الذي يجعلها عرضة لتلك الافتراءات للنيل منها، فضلاً عن أنها ترفض الخضوع للإملاءات الغربية وتتمسك برؤيتها".

ويلفت إلى أن "مسلسل الاتهامات بدأ منذ قصف مصنع الشفاء للأدوية في الخرطوم من دون مبرر سوى إرضاء المواطن الأميركي ومحاولة تزييف الحقائق والقول إن السودان ضالع في عمل عدائي"، معتبراً أنه "بحكم سيطرة الولايات المتحدة على العالم ووضعها السودان ضمن الدول الراعية للإرهاب، حاولت أن تُظهر الخرطوم وكأنها من تسببت في الكثير من الأعمال السيئة للدول الأخرى، وهي بريئة منها تماماً".

ويضيف الأمين "لذا كل من يريد أن يفعل شيئاً ضد السودان يلجأ لحادث موجود أو يختلق آخر"، معتبراً أن نشر الاتهامات المتصلة بزوما "يأتي ضمن حملة متكاملة ولا سيما أن البلاد تمر بمرحلة انتقالية من حكومة قائمة إلى انتخابات، ويعتقد البعض أنه يستطيع خلق أجواء لصالح جهات معارضة".

في المقابل، يرى مراقبون أن السودان، وبخلاف اتهامه بتدبير محاولة لاغتيال الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك في أديس أبابا في العام 1995 إبان انعقاد قمة للاتحاد الأفريقي، لم تكن له علاقة بأي قضية اغتيال أخرى، كما أن تلك الخطوة غير محبذة داخلياً فلم يُعرف عن النظام السوداني إطلاقاً لجوؤه للتصفيات الجسدية للمعارضين، كما أنه في إطار إدارة صراعاته مع الدول الأخرى ظل يواجهها بدعم معارضيها ومساعدتهم في الوصول إلى الحكم، وهذا ما حصل في عهد النظام الحالي وعهد الرئيس الأسبق جعفر النميري الذي دعم المعارضة الليبية، في ما يُعرف بعملية "باب العزيزية" رداً على دعم العقيد الليبي الراحل معمر القذافي لمعارضين سودانيين عسكرياً ودخولهم الخرطوم في ما عُرف بـ"المرتزقة" في العام 1976.

ويُرجّح مراقبون أن يؤدي التسريب حول تخطيط السودان لاغتيال رئيسة مفوضية الاتحاد الأفريقي، إلى انعكاسات سلبية على البلاد، ولا سيما أن الأفارقة لديهم تجربة سابقة حول محاولة اغتيال مبارك، الأمر الذي من شأنه أن يقود لفتور في العلاقات بين السودان ودول الاتحاد الافريقي، مشيرين إلى أن نشر التسريب بغض النظر عن صحته، مؤشر لأمر ما، ويمكن لأعداء النظام استغلاله بأسوأ الطرق.

لكن وجهة نظر أخرى ترى أن هذه التسريبات لن تؤثر على علاقة السودان بالاتحاد الأفريقي أو زوما، باعتبار أن توقيت النشر والذي جاء بالتزامن مع زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى الإمارات، يهدف لقطع الطريق أمام التوجّه السوداني الجديد نحو "محاربة المتشددين"، فيما يرى آخرون أن الأمر بمثابة رسالة للحكومة في الخرطوم.

من جهته، يعتبر المحلل السياسي، علاء بشير، أن المقصود من هذه الخطوة التشويش على علاقة السودان بالاتحاد الأفريقي، الذي يرى البعض أنه تعاطف مع النظام في الخرطوم لما أظهره من مواقف لينة تجاهه في كثير من القضايا.

وحول الاتهامات التي تُوجّه للسودان، يقول بشير في حديث لـ"العربي الجديد" إن "النظام الحاكم في الخرطوم يُعتبر أول جماعة إسلامية سنّية تصل إلى الحكم وتتحكم في دولة، وبالتالي من الطبيعي أن تتعاطف مع الجماعات الإسلامية في البلدان المختلفة، ولأنها تتحرك بإمكانات دولة، فمن الممكن أن تخفي أشياء كبيرة وتخفي مخططاتها، لهذا تكون محل اتهامات".

اقرأ أيضاً: أفريقيا: صراع الجاسوسية على المعلومات والثروات

ولم يكن اتهام السودان بمحاولة اغتيال المسؤولة الأفريقية بالأمر الجديد، إذ سبق أن اتُهمت الحكومة في الخرطوم بتدبير محاولة لاغتيال مبارك في العام 1995، ووقتها توترت علاقة السودان بمصر وعدد من دول الاتحاد الأفريقي خصوصاً أثيوبيا التي اشتكت الخرطوم لمجلس الأمن الدولي، لتكون تلك الخطوة بادرة تضع السودان في دائرة الضوء في ما يتصل بقضية الاغتيالات، لا سيما أن السودان قبل حادثة مبارك لم تُوجَّه له اتهامات من ذلك القبيل.

لكن في المقابل، ظل السودان منذ اعتلاء الاسلاميين لسدة الحكم عبر انقلاب عسكري في 1989، تلاحقه الاتهامات حول أي أعمال إرهابية أو تغييرات في سدة الحكم تتم في البلدان الأفريقية وبعض البلدان العربية، وأشهرها اتهام السودان بالضلوع في حادث تفجير السفارتين الأميركيتين في كل من كينيا وتنزانيا في أغسطس/آب من العام 1998 بالتزامن مع الذكرى الثامنة لوصول القوات الاميركية إلى السعودية، على الرغم من تبنّي تنظيم "القاعدة" بزعامة أسامة بن لادن وقتها للهجوم وخروجه من السودان قبل عامين من حادثة التفجير. إلا أن الإدارة الأميركية وقتها قامت بردة فعل ضد السودان، إذ قصفت مصنع "الشفاء" للأدوية وسط الخرطوم بعد 13 يوماً فقط من حادثتي التفجير، ووقتها أعلنت إدارة الرئيس الأميركي بيل كلينتون أن لديها أدلة كافية على أن المصنع ينتج أسلحة كيميائية.

وعند وصول النظام الحالي إلى الحكم في السودان، كانت لديه طموحات لإنشاء ما عُرف بـ"الحزام الأخضر" الذي يمتد من السودان والقرن الأفريقي وتشاد وحتى بلاد المغرب العربي، ووقتها أي بداية التسعينيات لعب النظام دوراً في تغيير الحكومات في منطقة "الحزام الأخضر"، وطالت حتى التغييرات التي حدثت في الجزائر بفوز "جبهة الإنقاذ" ذات التوجّه الإسلامي بالانتخابات هناك.

وفي أكتوبر/تشرين الأول من العام 1996، أعلنت واشنطن دعمها للدول المجاورة للسودان (إريتريا وإثيوبيا وأوغندا) بمبلغ عشرين مليون دولار كمعدّات عسكرية دفاعية من الخطر الذي يشكّله السودان في ما يتصل بدعمه للحركات المعارضة لتلك الدول.

كذلك ظل اسم السودان يتردد في ما يتصل بحروب البوسنة والهرسك والشيشان، وكانت المشكلة الأساسية القرارات التي اتخذها النظام السوداني بفتح البلاد أمام جميع الحركات الإسلامية لإدارة أعمالها من الخرطوم.

وفي العام 1993 وضعت واشنطن اسم السودان ضمن الدول الراعية للإرهاب، وظلت الحكومات المتعاقبة على البيت الأبيض تُجدد ذلك القرار حتى تاريخ اليوم. وتم وضع جملة من الدوافع وراء تلك الخطوة، بينها أن السودان يسمح باستخدام أرضه كملجأ لـ"الإرهابيين" من بينهم أعضاء في "حزب الله" اللبناني ومنظمة "الجهاد الإسلامي" وحركة "حماس"، ويوفر ملاذات آمنة ومرافق لـ"دعم الإرهابيين" بموافقة السلطات.

يُذكر أن زوما تقلّدت منصب رئيسة مفوضية الاتحاد الأفريقي في العام 2012 بعد منافسة شرسة مع رئيس المفوضية السابق جان بينغ، واختيرت للمنصب بعد أربع جولات تصويت، لتحسم بذلك الانقسام الحاد داخل دول الاتحاد الأفريقي بين الدول الفرنكوفونية والأنغليكانية حول زوما وبينغ.

وبالعودة إلى شخصية زوما نفسها، فهي قادت نضالاً مستميتاً في دولتها جنوب أفريقيا في ما يتصل بقضية الفصل العنصري إلى جانب الرئيس الجنوب أفريقي الراحل نيلسون مانديلا، وتقلّدت عدة مناصب قيادية بعد إنهاء الحرب في جنوب أفريقيا. كما أن لزوما مواقف في ما يتصل بالمحكمة الجنائية الدولية، والتي قيل إنها تؤيدها بشدة على الرغم من أن قرارات الاتحاد الأفريقي الأخيرة رفضت جميعها التعاون مع المحكمة في لاهاي، لا سيما بعد الجهود التي قام بها السودان وسط دول الاتحاد لإبعاد شبح المحكمة الجنائية عن الرئيس السوداني عمر البشير الذي أصدرت هذه المحكمة مذكرات توقيف في حقه، إضافة إلى مسؤولين سودانيين آخرين متهمين بارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور.

وزار رئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما الخرطوم في فبراير/شباط الماضي، وبدأ مبادرة للتقريب بين الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال، التي تحتفظ دولته بعلاقات جيدة معها، فيما لم تزر المسؤولة الأفريقية نكوسازانا زوما السودان منذ تقلّدها منصب رئيسة المفوضية قبل ما يزيد عن العامين.

المساهمون