13 ديسمبر البولندي... بداية الطريق الطويل للخروج من "الستار"

13 ديسمبر البولندي... بداية الطريق الطويل للخروج من "الستار"

13 ديسمبر 2016
ياروزلسكي في أيامه الأخيرة (يانيك سكازينسكي/فرانس برس)
+ الخط -
في مثل هذا اليوم قبل 35 عاماً، أعلن رئيس الوزراء البولندي آنذاك، فويتشخ ياروزلسكي، عن تطبيق القانون العسكري، وذلك بعد فشل التوصل إلى اتفاق بين الحزب الشيوعي وحركة "التضامن" العمالية المعارضة، فيما يعتبر حدثاً مفصلياً على طريق بولندا إلى الديمقراطية، وتشكيل أول حكومة غير شيوعية في أوروبا الشرقية في عام 1989. في بيان متلفز جرى بثه في 13 ديسمبر/كانون الأول 1981، أعلن ياروزلسكي أن "تطبيق القانون العسكري في جميع أنحاء البلاد، يعود إلى ضرورة تجنب طريق المواجهة الذي اختاره زعماء التضامن"، محذراً من تكرار الاحتجاجات الواسعة رفضاً لارتفاع الأسعار في ديسمبر/كانون الأول 1970.

وبموجب القانون العسكري، تم فرض قيود فورية على حرية حركة سكان البلاد، تمثلت في منع السفر خارج المدن والبلدات من دون تصريح، وحظر التجوال بدءاً من الساعة العاشرة مساء، وإغلاق الجامعات والمعاهد بشكل مؤقت، ونشر دبابات وعربات عسكرية في الشوارع. كما أصبح بإمكان الشرطة اعتقال الأشخاص لفترات غير محددة من دون توجيه تهم إليهم، ومن دون إبداء الأسباب. كما تمّ إغلاق الحدود وإلغاء كافة الرحلات الجوية، باستثناء الطيران العسكري.

وفي الساعات التي تلت الإعلان عن تطبيق القانون، جرى اعتقال آلاف القيادات في حركة "التضامن" في مختلف أنحاء البلاد، بمن فيهم زعيمها ليخ فاليسا، الذي سيصبح بعد مرور سنوات رئيساً لبولندا ما بعد الشيوعية. وخلال التظاهرات والإضرابات العمالية، استخدمت شرطة مكافحة الشغب "زومو" مدافع المياه، كما قُتل بضعة عمال جراء الاشتباكات.

وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على تطبيق القانون، لا تزال دوافع ياروزلسكي غير واضحة بشكل كامل. وبحسب ياروزلسكي نفسه، فإنه "أقدم على هذه الخطوة من أجل منع التدخل العسكري السوفييتي لفرض الأمر الواقع"، كما حدث في المجر في عام 1956، وأثناء أحداث "ربيع براغ" في تشيكوسلوفاكيا السابقة (تشيكيا وسلوفاكيا حالياً) في عام 1968.

وفي وقتٍ كان يبدو هذا التهديد واقعياً، وجد ياروزلسكي نفسه أمام خيارين كلاهما مرٌ، إما التدخل الأجنبي الذي كان سيتسبب في خسائر أكبر في الأرواح، وإما السيطرة على الوضع والإبقاء على ديكتاتوريته بدعم القوات البولندية، فاختار الشر الأخف.

لكن من جانب آخر، فإن وثائق أرشيفية تم الكشف عنها بعد سقوط الشيوعية، لم تتضمن أدلة على توجيه الحزب الشيوعي السوفييتي في موسكو إنذاراً إلى ياروزلسكي، بل هو الذي طلب التدخل، وقرر فرض القانون العسكري بعد أن قُبل طلبه بالرفض. إلا أن ياروزلسكي أصرّ على نفي هذه التهمة، بزعم أنه مجرد وصف الوضع للنائب الأول لوزير الدفاع السوفييتي آنذاك، المارشال فيكتور كوليكوف، من دون طلب التدخل، ووضّح له أن السلطات في وارسو ستتمكن من بسط سيطرتها بنفسها.



خلال فترة اعتقاله وبفضل تغطية الإعلام الغربي، تحول فاليسا إلى رمز المعارضة البولندية، وفي عام 1983 نال جائزة نوبل للسلام، بينما امتنعت السلطات تدريجياً عن تطبيق الإجراءات القمعية بموجب القانون العسكري.

وفي يوليو/تموز 1983، وفي محاولة منها لتطبيع الوضع في البلاد، قررت السلطات البولندية إلغاء القانون العسكري بشكل رسمي، وبدأت بالعفو عن نشطاء حركة "التضامن" التي حظيت بتأييد مختلف أطياف الشعب.
إلا أن الحدث الأهم في طريق بولندا إلى إنهاء الحكم الشيوعي جاء في عام 1985 وبعيدا عن وارسو، ففي مارس/آذار 1985، انتُخب الإصلاحي ميخائيل غورباتشوف أميناً عاماً للحزب الشيوعي السوفييتي. وبدأ غورباتشوف بتطبيق برنامج الإصلاحات "بيريسترويكا" داخلياً، وإعادة النظر في السياسة الخارجية حيال الدول الحليفة في أوروبا الشرقية، وسحب القوات السوفييتية منها، والتخلي عما عرف بـ"عقيدة (ليونيد) بريجنيف" التي كانت تشمل إمكانية التدخل عسكرياً في هذه الدول.

وكانت الأنظمة والمعارضة في بلدان أوروبا الشرقية تتابع عن كثب التطورات في السياسة السوفييتية. وعلى عكس عام 1981، لم يعد خطر التدخل العسكري السوفييتي قائماً، ما أتاح للحزب الشيوعي البولندي تقنين أوضاع "التضامن" وبدء محادثات "المائدة المستديرة" في عام 1989 بعد موجة من الإضرابات العمالية في عام 1988.

وأسفرت هذه المحادثات عن إجراء انتخابات حرة وتشكيل أول حكومة غير شيوعية في بولندا، وتحقيق الانتقال السلمي للسلطة والفصل بين فروعها، مع إبقاء الحزب الشيوعي على أغلبية المقاعد في مجلس الشيوخ وانتخاب ياروزلسكي رئيساً للبلاد.

ألهمت هذه التجربة للتوافق بين الأطراف السياسية، الدول الأخرى في الكتلة السوفييتية، المجر وألمانيا الشرقية وتشيكوسلوفاكيا وبلغاريا، لإنهاء الحكم الشيوعي بطريقة سلمية في الأشهر المقبلة، وذلك باستثناء رومانيا التي شهدت موجة من أعمال عنف أسفرت في نهاية المطاف عن إعدام الرئيس نيكولاي تشاوشيسكو وحرمه في نهاية عام 1989. بذلك يظل ياروزلسكي الذي توفي عام 2014، شخصية مثيرة للجدل في التاريخ البولندي بين كونه فرض القانون العسكري وإجراءات قمعية من جانب، ومن جانب آخر دوره في الانتقال السلمي للسلطة في عام 1989.

دلالات

المساهمون