موجة اغتيالات في أفغانستان: غموض المنفذين ينشر الخوف

موجة اغتيالات في أفغانستان: غموض المنفذين ينشر الخوف

15 ابريل 2020
لم تتمكن الجهات الأمنية من تحديد المرتكبين (الأناضول)
+ الخط -
لم يغب مشهد الاغتيالات عن العاصمة الأفغانية كابول منذ سنوات، لكنه تصاعد في الأيام الأخيرة، مطاولاً وجوهاً قبلية ورؤساء بلديات ومسؤولين في الحكومة وحتى في القصر الرئاسي، كان أبرزها عمليتي اغتيال اثنين من حراس الرئيس الأفغاني، أشرف غني، هما سيد عطاء الله، وقيام الدين مقصودي. وأثارت العمليتان تساؤلات كثيرة، خصوصاً بعد تكتم الرئاسة الأفغانية بشأنهما، وحيال جميع الاغتيالات التي شهدتها كابول في الفترة الأخيرة. في السياق، كشف مصدر في الحرس الرئاسي لـ"العربي الجديد"، أن سيد عطاء الله، الذي اغتيل في منطقة تيمني في قلب العاصمة كابول في وضح النهار مساء يوم السبت الماضي، لم يكن معروفاً بين حراس الرئيس بفعل انضمامه حديثاً إلى الطاقم. لكن مقصودي، الذي اغتيل مطلع شهر إبريل/نيسان الحالي، كان من أشهر حراس الرئيس، خصوصاً أنه كان يرافقه دائماً في كل زياراته الخارجية وجولاته الداخلية. ويذكر الأفغانيون ما قام به مقصودي في العاصمة البريطانية لندن في مايو/أيار 2016، حين كان غني يخطب في إحدى القاعات، فتوجه ناشط أفغاني، يدعى عطائي من أقلية هزارة، بكلمات قاسية له ثم وصفه بالخائن، حينها ضرب مقصودي الرجل على وجهه، ثم سحبه مع رجال الأمن البريطانيين إلى خارج القاعة.

وعقب اغتيال مقصودي، تعرّض نعمت الله هوتك، مستشار عبد الله عبد الله، الرئيس التنفيذي السابق للحكومة، لمحاولة تصفية في منطقة خوشحال خان، التي لا تبعد كثيراً عن منطقة بغمان، التي قتل فيها مقصودي. أصيب الرجل بإصابات بالغة لكنه نجا ويتلقى العلاج حالياً في أحد مستشفيات كابول.
وجاءت هذه العمليات بعد خطف الزعيم القبلي البارز ضياء الدين كمال من منطقة خوشحال خان نفسها، مع رفيقه الزعيم القبلي حاجي إبراهيم، وإعدامه لاحقاً في إقليم وردك.

في السياق، يقول الإعلامي ولي الله شاهين، وهو أحد المقرّبين من ضياء الدين كمال، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "كمال تعرّض لعملية خطف من أمام منزله في منطقة خوشحال خان، مع حاجي إبراهيم. وبعد أيام من الخطف وُجد جثمانه في مديرية سيد أباد بإقليم وردك المجاور لكابول، حيث أعدمه مجهولون بعد ضربه وتعذيبه، بينما حاجي إبراهيم لا يزال في عداد المفقودين".

وسبق أن تعرضت رئيسة بلدية إقليم وردك، ظريفة غفاري، لمحاولة اغتيال في 22 مارس/آذار الماضي في منطقة خوشحال خان أيضاً. وغفاري معروفة في أفغانستان، ونالت "جائزة النساء الشجاعات الدولية" من الخارجية الأميركية في 3 مارس الماضي. عن هذه المحاولة تقول غفاري، لـ"العربي الجديد"، إن الدافع الأساسي وراء ما تعرضت له هو أعمالي ومواقفي إزاء الوضع الحالي في البلاد، تحديداً في قضية المصالحة. وتضيف "لقد تلقيت تهديدات بالقتل بعد زيارتي الأخيرة لواشنطن"، مشيرة إلى أن جهات مختلفة كانت تهددها بالقتل، تارة عبر الاتصالات الهاتفية وتارة عبر الرسائل الإلكترونية.

وتتكهّن غفاري بوجود ثلاث جهات تقوم بالاغتيالات، لكل منها أهدافها الخاصة. الجهة الأولى، الجماعات المسلحة، تحديداً "طالبان" وتنظيم "داعش". وبرأيها، فإنّ هذه الجماعات تتبنى بعض العمليات لا كلها، من أجل مصالحها. هي تقوم بتصفية كل من تتهمه بالولاء للغرب وللحكومة الأفغانية. والجهة الثانية عبارة عن قوى داخل البلاد غير الجماعات المسلحة، تقوم بتصفية كل من يدافع عن مصالح أفغانستان، تحديداً في عملية المصالحة ولمّ شمل الشعب الأفغاني، لأن وقف حمام الدم سيحدّ من مصالحها. أما الجهة الثالثة، بحسب غفاري، فعبارة عن "قتلة مأجورين"، لأن هناك عصابات تقوم بتصفية كل شخص مقابل المال من أي جهة كان، وتلك الخلايا والجماعات الصغيرة توظفها استخبارات المنطقة أحياناً. وتنوّه إلى أن الاستخبارات الأفغانية تعرف القضية جيداً، لأنها اعتقلت عدداً من عناصر تلك العصابات، مؤكدة أن الجهل والبطالة يؤديان دوراً كبيراً في تشكيل تلك العصابات الإجرامية، لناحية تجنيدها الشباب العاطلين من العمل.

وفي يوم محاولة اغتيال غفاري، اغتيل عالم الدين المشهور نوربادشاه حماد، وذلك بعد أن ناقش في قنوات محلية قضية الحرب الأفغانية، معتبراً إياها حرباً غير شرعية بعد الاتفاق بين حركة "طالبان" والولايات المتحدة. وقبل ذلك بأيام اغتيل عضو الشورى الإقليمي في إقليم لوجر، محمد ناصر غيرت، مع اثنين من حراسه الشخصيين في شرق كابول. وتطول قائمة الاغتيالات في كابول وسط تساؤلات حول أداء مؤسسات أمن الدولة، التي تدّعي في كل مرة وضعها خططا جديدة، وإجراء تحقيق لمعرفة ملابسات تلك الأحداث.



في هذا الإطار، ينوّه المتحدث باسم مكتب مستشار الأمن القومي، جاويد فيصل، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن معظم تلك الاغتيالات تنفذها الجماعات المسلحة، تحديداً "طالبان"، وهي لا تتبنّاها لأغراض مختلفة وللحفاظ على سمعتها، لافتاً إلى أن الحركة تقوم بتصفية من يعارض أفكارها، وكل من لصوته صدى بين الناس، ومن يخطو خطوة إزاء حماية النظام. كما لا يستبعد فيصل أن يكون وراء بعض تلك العمليات دوافع وعداءات شخصية وولاءات قبلية.

لكن الإعلامي والناشط عزيز أحمد تسل، يعتبر في حديث لـ"العربي الجديد" أن جهات مجهولة واستخبارات دول الجوار والمنطقة تسعى من وراء هذه الاغتيالات لإثارة البلبلة في البلاد، في وقت تبرز فيه توقعات بجلوس الحكومة الأفغانية و"طالبان" على طاولة الحوار، رغم تعدد العقبات. بالتالي، فإن تلك العمليات تهدف لتبديد الجهود والإساءة لسمعة "طالبان"، وتزيد الضغوط على الحكومة لأنها "تتفاوض مع جماعة مسلحة تقتل الناس ورموزها"، مضيفاً أن مثل هذه الهتافات موجودة على وسائل التواصل الاجتماعي حالياً. ولا يستبعد تسل وقوف الاستخبارات خلف تلك العمليات.

أما الإجراءات الحكومية لوقف عمليات الاغتيال، فبدأت من خلال إصدار الداخلية الأفغانية قراراً بمنع قيادة الدراجات النارية في منطقة خوشحال خان، حيث حصل عدد كبير من عمليات الاغتيال، بحجة أنه تمّ استخدام تلك الدراجات في معظم تلك العمليات، علماً أن قوات الأمن تصادر الدراجات أيضاً. تبع ذلك إعلان وزارة الداخلية الأفغانية حظر قيادة وتجوّل الدراجات النارية في كابول وكل المديريات التابعة لها ابتداء من اليوم الأربعاء، إلى أجل غير معلوم. ويوضح المتحدث باسم الداخلية طارق أرين، لـ"العربي الجديد"، أن نتائج التحقيقات تشير إلى أن الدراجات النارية استُخدمت في معظم الاغتيالات الأخيرة والأعمال الإجرامية في كابول وبالتالي قررت الداخلية حظرها. وفي إجراء آخر عيّن غني، الجنرال خوشحال سادات في منصب رئيس إدارة المحافظة العامة، وهي إدارة توفر الأمن والحراسة للشركات الأجنبية والإدارات الخاصة وكبار المسؤولين والتجار.
ويكشف أرين أن الحكومة بصدد اتخاذ خطوات أخرى، مثل تشكيل قوة خاصة تسمى "وحدة الحرب"، عملها الوحيد هو البحث عن العصابات وكل من يقوم بتنفيذ عمليات الاغتيال من الجماعات المسلحة، كما أن لدى الاستخبارات الأفغانية خططا متنوعة للتعامل مع القضية. ويشدّد على أن تلك الجهات بدأت تستغل الوضع الذي تواجهه الحكومة الأفغانية بسبب أزمة كورونا والملف الأمني.

بدوره، يقول أحد المسؤولين في الحكومة، رافضاً ذكر منصبه ومكان عمله لاعتبارات أمنية، لـ"العربي الجديد"، إن تلك العمليات التي طاولت جميع مناطق العاصمة بلا استثناء، تقلق كل من يعمل في الحكومة. ويضيف "عندما أخرج من منزلي أخاف جداً، ولست أنا فقط، بل حتى أفراد أسرتي جميعاً. تطلب مني زوجتي عدم الخروج لأن باقي الموظفين في الحكومة موجودون في منازلهم بسبب الإجازة، غير أني لا أستطيع فعل ذلك، لأن طبيعة عملي تقتضي الحضور إلى مكتبي".

أما الزعيم القبلي سميع الله طوطاخيل، فيعتبر في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن المعضلة الأساسية تكمن في الغموض المحيط بتلك العمليات وغياب الجهة التي تنفذها، فلو كانت الجهة معروفة لكان الأمر أسهل، فـ"طالبان" اعتادت استهداف كل من يعمل في الحكومة وتربطه علاقات بالجهات الأجنبية، لكن الغموض من ناحية الفاعل حالياً وانتشار تلك العمليات في كل المناطق، وسط تكتم الحكومة وعجزها عن معرفة المرتكبين، هو خلف تفشي الذعر لدى الناس والحكومة والسفارات وغيرها.



المساهمون