قضية اللاجئين تعيد ترتيب عقارب البوصلة السياسية الفرنسية

قضية اللاجئين تعيد ترتيب عقارب البوصلة السياسية الفرنسية

11 سبتمبر 2015
ساركوزي اقترح تعبير "لاجئي الحرب" على اللاجئين (فرانس برس)
+ الخط -
أعادت قضية اللاجئين البوصلة السياسية الفرنسية إلى حدودها التقليدية، وكرّست من جديد الاختلافات الجوهرية بين اليسار الاشتراكي واليمين المحافظ في التعاطي مع قضية اللجوء والهجرة، بعد أن غيّرت الحكومة الاشتراكية مواقفها، أخيراً، وانحازت إلى موقف أكثر إنسانية وانفتاحاً على اللاجئين. هذه القضية أفرزت، أيضاً، اختلافات داخل العائلة اليسارية و،أيضاً، تباينات بين اليمين التقليدي واليمين المتطرف.

وفي وقت كان فيه البرلمان الأوروبي يقر، أمس الخميس، الإجراءات التي اقترحها رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، لتحسين توزيع استقبال اللاجئين على الدول الأعضاء معلناً الاستعداد، عندما يحين الوقت، للموافقة "عبر آلية مسرعة" على المشروع الذي طرحه يونكر، كانت فرنسا تشهد خلافاً يمينياً يسارياً حول هذا الملف.

فعلى ضوء مواقف الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الجديدة تجاه قضية اللجوء والغارات ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في سورية، كان لزاماً على الرئيس السابق والمرشح المحتمل للانتخابات الرئاسية المقبلة نيكولا ساركوزي، أن يطرح رؤيته الخاصة لتوضيح موقف حزب "الجمهوريون". فقد حذر ساركوزي في حوار مع صحيفة "لو فيغارو" المحافظة من مغبّة "تحلّل نسيج المجتمع الفرنسي" بسبب تدفق اللاجئين وانهيار منظومة "شينغن" للتجوّل الحر للأفراد بين بلدان الاتحاد الأوروبي.

ولم يكتفِ ساركوزي بمعارضة قرارات الحكومة الاشتراكية والأفكار الأيديولوجية، بل طرح مقترحات دقيقة تنبع من تجربته الرئاسية وخبرته كوزير داخلية سابق. واعتبر أن لاجئي سورية والعراق لا يجب منحهم اللجوء السياسي المتعارف عليه والذي يُوفر عادة للاجئين بطاقة إقامة، لمدة عشر سنوات، والحق في التمتع بالامتيازات الاجتماعية. بدل ذلك اقترح ساركوزي تعبير "لاجئي الحرب" كتصنيف إداري بديل للمهجرين من سورية والعراق يمنحهم وضعاً قانونياً للإقامة في فرنسا بشكل مؤقت والعودة من حيث أتوا حالما تنتهي الأزمة في هذين البلدين.

ودعا ساركوزي إلى إقامة مراكز اعتقال في حدود دول "شينغن" الخارجية لفرز مهجري الحروب من المهاجرين الاقتصاديين، معتبراً الهجرة الاقتصادية خطراً كبيراً يهدد تماسك المجتمع الفرنسي وبنيانه الاجتماعي. كما اقترح إعادة النظر بشكل شامل في اتفاقية "شينغن" الأوروبية، قائلاً: "علينا الاعتراف أن نظام شينغن صار معطلاً، ويجب التفكير في وقف العمل بنظام التجوّل الحر داخل بلدان الاتحاد الأوروبي بالنسبة لغير الأوروبيين، وأن يبقى هذا النظام سارياً فقط على حاملي الجنسيات الأوروبية".

أما القرار الفرنسي بتوجيه ضربات جوية لمعاقل تنظيم "داعش" داخل سورية، فقد اعتبره ساركوزي غير فعال، ودعا إلى تكتل دولي حازم للقضاء على التنظيم في بضعة شهور، من دون أن يدعو صراحة إلى مشاركة فرنسية في تدخل بري دولي داخل العراق وسورية. في المقابل طالب بدعم فرنسي لتدخّل عسكري بري تقوم به دول الخليج ومصر والمعارضة السورية.

اقرأ أيضاً: فالس: لا يجوز اختيار اللاجئين على أساس انتمائهم الديني

وتأتي تصريحات ساركوزي في سياق انتخابي، يحاول فيه الأخير، ليس فقط التميز عن الحكومة الاشتراكية، بل أيضاً عن منافسيه داخل حزب "الجمهوريون"، وخصوصاً منافسه المحتمل وزير الدفاع السابق، ألان جوبيه، الذي ساند، أخيراً، الانفتاح الحكومي على اللاجئين واستبعد، أيضاً، فكرة القيام بعمل عسكري بري داخل سورية لتقويض تنظيم "داعش". كما أن ساركوزي بمقترحاته هذه تقرّب أكثر فأكثر من طروحات اليمين العنصري، وبدا كأنه لا يرغب في ترك الهجوم على اللاجئين حكراً على اليمين المتطرف ويريد سحب البساط من تحت أقدام زعيمة حزب "الجبهة الوطنية" المتطرف، مارين لوبان، التي تنادي بإغلاق محكم للحدود الفرنسية أمام الأجانب بكافة أصنافهم لاجئين ومهجرين ومهاجرين.

قضية اللاجئين أظهرت، أيضاً، التجاذب الأيديولوجي داخل مكونات اليسار الفرنسي نفسه. فقد عاب "حزب اليسار" بقيادة جون لوك ميلانشان والحزب الشيوعي وحزب "الخضر"، على الحكومة الاشتراكية "صحوتها المتأخرة" وانتهاجها سياسة يمينية في التعاطي مع ملف اللاجئين، لعدة أشهر، قبل أن تلين مواقفها بعد الدرس الألماني والضجة التي أحدثتها صورة الطفل السوري الغريق عيلان عبدالله عند الساحل التركي. وينتقد بعض أقطاب اليسار الراديكالي الفرنسي، إعلان هولاند الحرب الجوية على تنظيم "داعش"، ويعتبرها "مناورة سياسية" هدفها ذر الرماد في العيون ومنحاً لانطباع خاطئ أن فرنسا تريد أن تحل مشكلة اللاجئين في منبعها الأصلي، كون الضربات التي يقودها التحالف لم تنجح، حتى الآن، في إضعاف التنظيم ولن تنجح في المستقبل مهما تكثفت هذه الضربات.

كما أن هناك تيارات داخل الحزب الاشتراكي ذاته تنتقد بشدة التوجه الليبرالي لحكومة مانويل فالس وتعتبر مواقفه بخصوص اللجوء والهجرة مطابقة للتوجّه الأيديولوجي التقليدي لليمين المحافظ، وتنكراً فاضحاً للمُثل العليا لليسار الفرنسي الذي تميّز طوال تاريخه باحتضانه اللاجئين والهاربين من الحروب والأنظمة الاستبدادية.

هكذا إذاً تنذر قضية اللاجئين بالتحوّل إلى رهان أساسي في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2017، بين يسار متردد بين قيمه المثالية وتخوفاته الانتخابية، ويمين تقليدي يساير موجة العداء للأجانب ويحاول استثمارها بشتى السبل للإطاحة بالحكم الاشتراكي. وبين الفريقين يجثم شبح مارين لوبان الذي قد يضرب عصفورين بحجر رئاسي واحد ويفوز بالسلطة كما تظهر ذلك العديد من استطلاعات الرأي الأخيرة التي ترشح هولاند للخسارة في الدور الأول من الرئاسيات وتتنبأ بفوز لوبان في الدور الثاني ضد مرشح اليمين سواء كان ساركوزي أو جوبيه.

اقرأ أيضاً: ‏"هيومن رايتس ووتش" تحدد خمس خطوات لحل أزمة اللاجئين

المساهمون