تحاول الحكومة الأفغانية استلهام التجربة الإيرلندية لإرساء السلام وإنهاء الحرب الأهلية المستمرة منذ عقود، في ظل تشكيك واسع في جدوى المقارنة بين الحالتين الإيرلندية وتلك الأفغانية، وبالتالي فائدة محاولة كابول الاستفادة من دروس "اتفاقية الجمعة العظيمة" (1998) التي أنهت الحرب الأهلية الإيرلندية بين البروتستانت، المؤيدين للبقاء ضمن المملكة المتحدة، والكاثوليك المؤيدين للاستقلال، عبر تقاسم للسلطة في إطار حكم ذاتي.
لكن الحكومة الأفغانية تبدو مصرة على استلهام التجربة، فأعلن المجلس الأعلى للمصالحة الأفغانية أنه أرسل ثلاثة وفود إلى بلفاست من أجل دراسة اتفاقية "الجمعة العظيمة"، والتباحث مع الخبراء هناك بهذا الخصوص، للاستفادة مما حصل هناك في إطار عملية السلام الأفغانية. كما جاء بعض المعنيين بالمصالحة الإيرلندية أخيراً إلى أفغانستان وبحثوا أبعاد المصالحة مع أعضاء المجلس الأفغاني. ويقول الناطق باسم المجلس، عبد الله طاهري، لـ"العربي الجديد"، "نزعم أن الاستعانة بالتجربة الإيرلندية قد تساعد في وقف حمام الدم عندنا. وبعدما تمكنا من خلق إجماع شعبي أفغاني وعالمي يدعو إلى وقف إطلاق النار، وحل الأزمة الأفغانية عبر الحوار، يتوجه المجلس صوب إيرلندا؛ علّ ذلك يساعد في لمّ شمل الشعب وإرساء السلام". وفيما يخص سبب اختيار المصالحة الإيرلندية، يشير طاهري إلى التشابه بين الحربين، وكون اتفاق بلفاست (أو الجمعة العظيمة) هو اتفاق السلام الأحدث في التاريخ المعاصر. ويلفت طاهري إلى أن "الهدف هو درس الآلية الإيرلندية، وكيفية التعامل مع الأحقاد الكامنة بين أطياف الحرب المختلفة، وإيجاد حل يتناسب مع مصالح الجميع".
وليس سراً أن جذور المشكلة في إيرلندا الشمالية كانت تكمن في الانقسام القومي والطائفي، وهي كانت وليدة التمييز بين الكاثوليك والبروتستانت الذين كانوا يشكلون الغالبية المدعومة من قبل بريطانيا، والتي تحارب الأقلية الكاثوليكية الاستقلالية الرافضة للحكم البريطاني. وكان تاريخ إيرلندا يحفل بمظاهر كثيرة للتمييز الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والتعليمي ضد الكاثوليك. كذلك التغيير الديمغرافي في إيرلندا كان أحد أهم أسباب الصراع هناك، إذ كانت الأقلية الكاثوليكية تطالب بالانفصال و"إعادة الوحدة مع الوطن الأم" (إيرلندا)، بينما الأكثرية البروتستانتية كانت تطالب بالبقاء في المملكة المتحدة. كل تلك العوامل غير موجودة في أفغانستان، حيث إن الصراع غير طائفي ولا وليد التمييز العنصري ولا ناجما عن سعي فئة لاحتكار السلطة. فالصراع الأفغاني بدأ بسبب تدخل القوات الأجنبية، منذ سبعينيات القرن الماضي حين دخلت القوات السوفييتية لتترك وراءها حرباً أهلية بعد خروجها في العام 1989. وتجدد الصراع في عام 2001 عند دخول القوات الأميركية وحلفائها إلى أفغانستان إثر سقوط حكومة حركة "طالبان" بحجة أنها داعمة للإرهاب العالمي.
وهناك فارق آخر بين الحالتين الأفغانية والإيرلندية، وهو عدم الاعتراف المتبادل بالخصم. وعندما أعلن الرئيس الأفغاني، أشرف غني، خطته الأخيرة للسلام مع "طالبان"، وكان من ضمنها الاعتراف بالحركة كحزب سياسي إذا ما هي قبلت العودة إلى الحوار، أثار ذلك موجة غضب بعض الأطياف، على اعتبار أن "طالبان" جماعة إجرامية تقتل الأفغان، وبالتالي الاعتراف بها كحزب سياسي بشرط الحوار، أمر يظلم الشعب الأفغاني. في المقابل، ترفض "طالبان" أيضاً الحوار مع الحكومة الأفغانية وتدعو إلى الحوار المباشر مع الولايات المتحدة، ظناً منها أن الطرف الآخر هو أميركا وليست الحكومة الأفغانية، التي تصفها بـ"العميلة" لواشنطن. فضلاً عن كل ذلك، تعاني أفغانستان من مشكلة كثرة الأحزاب المسلحة. فعلاوة على "طالبان"، ثمة 20 جماعة مسلحة أخرى تقاتل ضد الحكومة الأفغانية والقوات الدولية. وتحدث مستشار الرئيس الأفغاني، أكرم خبلواك، أثناء تقديم إيجاز للبرلمان بشأن المصالحة، يوم السبت الماضي، قائلاً إن 21 تنظيماً مسلحاً تنشط في أفغانستان، بينما كان الصراع في إيرلندا محصوراً في فريقين رئيسيين: البروتستانت والكاثوليك.