اعتصام المصالحة الأفغانية: الحكومة ترحب و"طالبان" تخشى "المؤامرة"

اعتصام المصالحة الأفغانية: الحكومة ترحب و"طالبان" تخشى "المؤامرة"

02 ابريل 2018
الإضراب عن الطعام في لشكر كاه (نور محمد/فرانس برس)
+ الخط -
بدأ ناشطون أفغان اعتصاماً مفتوحاً في إقليم هلمند، أكثر الأقاليم تضرّراً من جراء الحرب في الجنوب، للضغط على الحكومة وحركة "طالبان" بهدف إيقاف إطلاق النار بينهما، وإجراء مفاوضات لإنهاء الحرب. وفي وقتٍ رحّبت الحكومة بالاعتصام، وبما أسمته "بكل خطوة تهدف إلى إحلال الأمن في البلاد"، طلبت "طالبان" من المعتصمين "التحرك صوب القواعد الأميركية"، معربة عن خشيتها من أن "يكون الاعتصام مؤامرة ضدها".

بدأت قصة الاعتصام، الأسبوع الماضي، بعد اعتداء دموي وقع على بوابة ملعب رئيسي في مدينة لشكر كاه، عاصمة إقليم هلمند، أدى إلى مقتل 15 شخصاً، جميعهم مدنيون وبينهم أطفال. وعلى الأثر، أقام عشرات الشباب والنشطاء المدنيين اعتصاماً في المدينة، بعنوان: "لن نترككم إلى أن تتصالحوا"، في إشارة إلى الحكومة و"طالبان".

ومنذ اليوم الأول رحّبت الحكومة بالحوار، وهو ما أشار إليه حاكم إقليم هلمند، حيات الله حيات، في حديث لـ"العربي الجديد"، معتبراً أن "سياسة الحكومة واضحة إزاء المصالحة، لجهة تأييد كل الجهود على مختلف الأصعدة من أية جهة كانت، لأن المصالحة هي أُمنية جميع الأفغان، وقد أكدنا أننا حاضرون للحوار". في موازاة ذلك، أعلن المعتصمون التحرك صوب مناطق "طالبان" وإقامة معسكر اعتصام هناك، ولكن الحركة منعتهم عن ذلك، فأصدرت بياناً، لم يتوقعه المعتصمون، أعربت فيه عن خشيتها من أن يكون الاعتصام مؤامرة ضدها، متوعّدة في الوقت نفسه بأنها "ستتخذ الإجراءات اللازمة بشأنه".



بناءً على ذلك، تحوّل الاعتصام إلى إضراب عن الطعام، مما أدخل العديد من النشطاء إلى المستشفيات. في المقابل، تعالت أصوات شعبية مؤيدة للاعتصام، الذي بدأ يتمدد إلى باقي الأقاليم، خصوصاً قندهار، معقل "طالبان" خلال سنوات حكمها (1996 ـ 2001). هناك أعلن الناشطون عن نصب خيمة اعتصام، بدءاً من اليوم الإثنين، حتى "تلبية طالبان والحكومة مطلب وقف إطلاق النار، كبداية للحوار الثنائي".

كما طلبت الحركة من المعتصمين التحرك صوب القواعد الأميركية، كونها "احتلت بلاد الأفغان". كما أبدت خشيتها من أن "يستفيد العدو من الاعتصام، وإن حدث مكروه فستكون المسؤولية على عاتق المعتصمين"، مشيرة إلى أنها "في حرب نفسية وتواجه مختلف الدسائس، لذلك هي بحاجة إلى القيام بالإجراءات اللازمة لدحر تلك الدسائس".

لكن أحد منظمي الاعتصام، باجا خان مولاداد، قال، في حديث لـ"العربي الجديد": "لسنا إلا أبناء هذه البلاد قرروا وضع حياتهم على أكفّهم لأجل المصالحة الأفغانية. نحن معرّضون لمخاطر جمّة، ولكن رغم ذلك نواصل الاعتصام، الذي تحوّل، يوم الخميس الماضي، إلى إضراب عن الطعام، وسنمضي قدماً حتى تستجيب أطراف الصراع، لا سيما طالبان والحكومة لدعواتنا". وأضاف خان أن "حوالي 11 معتصماً حتى الآن دخلوا المستشفى بسبب الإضراب عن الطعام، كما نخشى من تعرّضنا لهجوم من قبل جهات مغرضة. ولكن رغم ذلك كله، نواصل المسيرة من دون الاهتمام بالمخاطر، لأن هدفنا مقدّس، وهو إخراج البلاد من المأزق، وآن الأوان أن يتحرك الشعب، وعلى وجه الخصوص الشباب، لأجل مستقبلهم".



وبدا أن المعتصمين لم يصابوا باليأس حتى الآن، رغم بيان الحركة شديدة اللهجة، فقال خان "نتواصل مع الحركة من خلال قنوات مختلفة، خصوصاً الزعامة القبلية، التي تملك تأثيراً كبيراً في أوساط الحركة".

كما لاقت فيديوهات وتسجيلات الشباب من داخل خيمة الاعتصام، قبولاً واسعاً لدى عامة الأفغان، تحديداً رواد وسائل التواصل الاجتماعي. وفي أحد التسجيلات كان شاب يصرخ ويدعو إلى وقف حمام الدم، كونه فقد أقاربه في الحرب ولا يريد أن يُقتل آخرون. مع ذلك، فإن بعض أنصار "طالبان" ادّعوا أن "تلك الفيديوهات جزء من مسلسل دفع الأعداء مبالغ كبيرة لأجله".

وبغضّ النظر عن أهداف الاعتصام ونتائجه، إلا أنه شغل أذهان الأفغان بشكل عام، ومضرّ بشعبية "طالبان"، خصوصاً أنه أتى بعد إعلان الحكومة الحوار مع الحركة من دون قيد أو شرط، وإعلان قبولها جميع شروط الشعب. وبالإضافة إلى نصب خيمة للنساء بجانب المعتصمين في هلمند، تحوّل الاعتصام في كابول الذي بدأ أساساً لأجل تأييد حركة البشتون في باكستان، قبل أسبوعين، وتعرض لهجوم بالقنبلة أسفر عن مقتل شخص وإصابة العديد، إلى اعتصام مؤيد لاعتصام هلمند.



كذلك عقدت اجتماعات لعلماء الدين أخيراً تأييدا للخطوات الحكومية والشعبية الأخيرة لأجل المصالحة ومنها الاعتصام. وكان آخر تلك الاجتماعات، يوم السبت الماضي، في مدينة مزار شريف عاصمة إقليم بلخ، حيث اجتمع مئات من علماء الدين معلنين تأييدهم للحراك الشعبي لأجل المصالحة.

في هذا السياق، قال نائب المجلس الوطني للمصالحة، عالم الدين عطاء الرحمن سليم، إن "التطورات الأخيرة تحتاج إلى إجماع وطني للعمل لأجل المصالحة. وهذا ما يحدث حالياً، كي نرغم عدونا على المصالحة". كذلك أكد العالم الشهير في الشمال عبد الخبير أقجوق، أن "من واجبنا جميعا أن نقف وقفة واحدة لأجل المصالحة، كي نخرج البلاد من المأزق الحالي، والأجواء في البلاد والمنطقة والعالم تساعدنا على ذلك".

لم يقتصر دور العلماء على عقد اجتماعات لتأييد جهود المصالحة، تحديداً الاعتصامات الأخيرة، بل شاركوا في اعتصام هلمند، يوم السبت الماضي، مؤكدين أن "الشعب يريد المصالحة والأمن، ونحن نقف بجانب المعتصمين، وسنطرق كل باب لأجل ذلك". كما وعد العلماء بأنهم "سيقومون بدور الوساطة مع طالبان حتى تقبل مطلب المعتصمين، وهو وقف إطلاق النار، بعد أن أبدت الحكومة استعدادها لأجل ذلك". مع ذلك، ثمة من يرى أن الحكومة الأفغانية تسعى، من خلال الاجتماعات الدولية وآخرها مؤتمر طشقند الدولي الأسبوع الماضي، إلى خلق إجماع إقليمي ودولي ضد الحرب في أفغانستان، كما تعمل من خلال قنوات مختلفة على تضييق الخناق على الحركة وتحريك الضغط الشعبي ضدها.

المساهمون