مؤتمر طشقند للمصالحة الأفغانية: حضر العالم وغابت "طالبان"

مؤتمر طشقند للمصالحة الأفغانية: حضر العالم وغابت "طالبان"

28 مارس 2018
تكمن أهمية المؤتمر بكونه محاولة لخلق إجماع إقليمي (Getty)
+ الخط -
يحاول المشاركون في مؤتمر دولي في عاصمة أوزبكستان، طشقند، بشأن المصالحة الأفغانية، إيجاد إجماع إقليمي ودولي بشأن المصالحة، بمشاركة دول تؤدي دوراً رئيسياً في القضية الأفغانية، مثل روسيا وإيران وباكستان ودول آسيا الوسطى، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وتركيا والسعودية.

وأعلن رئيس أوزبكستان، شوكت مير ضيايوف، في افتتاح المؤتمر أول من أمس، أن "المؤتمر يهدف إلى إيجاد إجماع على مستوى المنطقة والعالم بشأن المصالحة الأفغانية، لأنها أضحت قضية تؤثر على كل المنطقة، وستكون لاستمرارها آثار وخيمة على الوضع في العالم أجمع، ونحن شهدنا ذلك على مر التاريخ". وأضاف "كذلك من ضمن الأهداف إعلان التأييد لموقف الحكومة الأفغانية حيال المصالحة، والوقوف إلى جانبها، والعمل بشكل مشترك لإقناع المسلحين وإجبارهم على الحوار". وتابع "نحن مستعدون لتهيئة كل الظروف المطلوبة، في أي مرحلة من مراحل عملية السلام، لتنظيم محادثات مباشرة، على أراضي أوزبكستان، بين حكومة أفغانستان وحركة طالبان".

واعتبر الرئيس الأفغاني، أشرف غني، أن "العالم كله أدرك أن حل المعضلة الأفغانية يكمن في الحوار البناء، وما قدمناه في الخطة الأخيرة للسلام هو الحل"، مشيراً إلى أن "الهدف من أحداث العنف الأخيرة في كابول ومناطق أخرى في البلاد، قد يكون إبعادنا عن المصالحة، لكننا مصممون على المضي قدماً نحو الهدف وهو حلحلة المعضلة الأفغانية من خلال الحوار البناء. وهذا المؤتمر يدل على أن العالم ودول المنطقة تقف إلى جانبنا". وأعلن غني أن عدد مسلحي تنظيم "داعش" الموجودين في بلاده لا يتجاوز ألفي عنصر. وقال "هناك تقييمات مختلفة لوجود داعش في أقاليم البلاد، وأود القول إن العدد الإجمالي للمقاتلين في أفغانستان أقل من ألفين، وقواتنا المسلحة تواجههم بنجاح". وأضاف "نحن بحاجة لتوحيد جهودنا الدولية لمواجهة هذا التهديد".

لكن غياب حركة "طالبان" أفغانستان عن المؤتمر يقلل من أهميته. ثم إن المواقف الأخيرة للحركة إزاء المصالحة، لا سيما تأخرها بالرد على الخطة الأخيرة للحكومة الأفغانية للسلام، والتي تشمل كل ما كانت الحركة تطالب به في الماضي، من تغييرات في الدستور والاعتراف بـ"طالبان" كجماعة سياسية مشروعة، كلها تثير تساؤلات حول نية الحركة بشأن المصالحة. وجدد غني، في طشقند، دعوته "طالبان" إلى الحوار، لأن حكومته مستعدة للسلام معها من دون قيد أو شرط. كما أثار إعلان الحركة التفاوض مع بعض القيادات المعارضة للحكومة، ومعظمهم من الجهاديين، بشأن المصالحة، استغراب غالبية الأفغان، لا لأنها تتفاوض مع قيادات كانوا في الحكومة منذ قدوم الأميركيين إلى أفغانستان، حتى حكومة غني نهاية 2013 وكانوا من أشد المعارضين للحركة، بل لأنهم ممن عارضوا خطة أشرف غني وانتقدوها بشدة، زاعمين أن الحركة ما كانت تستحق كل ما أعلن عنه الرئيس الأفغاني.

ويأتي المؤتمر الدولي بشأن المصالحة الأفغانية في طشقند في إطار عملية تضييق الخناق على "طالبان" وممارسة الضغط على من تصفهم الحكومة الأفغانية بداعمي الحركة، كما أنه يأتي في إطار السعي لخلق إجماع في الإقليم لمواجهة التنظيمات المسلحة ومكافحة المخدرات. وقال الإعلامي والمحلل السياسي، محمد إسماعيل عندليب، لـ"العربي الجديد"، إن "مشاركة دول، مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وإيران وباكستان، في المؤتمر، أمر مهم للغاية، وهو في الحقيقة سعي جاد من الحكومة الأفغانية إزاء المصالحة، ولكن كل هذه الأمور لن تؤدي إلى ما يتطلع إليه الشعب الأفغاني في ظل غياب حركة طالبان، وهي أهم طرف في الصراع". وأضاف "تكمن أهمية المؤتمر في كونه محاولة لخلق إجماع على مستوى المنطقة، وإيجاد تنسيق بين القوى العالمية، كأميركا وروسيا، وبالتالي سيكون ذريعة لخلق مزيد من الضغط على باكستان، كونها الداعم الأساسي لحركة طالبان، وكذلك إيران المتهمة كذلك بدعمها".

غياب "طالبان"

لكن غياب "طالبان" عن هذا المؤتمر يثير في حد ذاته تساؤلات كبيرة. فثمة من رأى أن السبب الرئيسي وراء عدم مشاركة الحركة في المؤتمر هو أنه عقد بالتنسيق بين حكومتي أفغانستان وأوزبكستان، فيما يعتبر آخرون أن عدم المشاركة يأتي في إطار موقف "طالبان" الرافض للتفاوض مع الحكومة الأفغانية والمصر على الحوار مع واشنطن فقط. وكانت الحكومة الأفغانية تدرك منذ البداية أن "طالبان" لن تشارك في المؤتمر، لكنها رغم ذلك استعدت له بكل جدية، لأن الهدف هو خلق إجماع على مستوى المنطقة بدعوى أن الحرب في أفغانستان لا تضر بالبلد فحسب بل بكل المنطقة. وقال المتحدث باسم الرئاسة الأفغانية، شاه حسن مرتضوي، لـ"العربي الجديد"، إن "الهدف الأساسي من وراء مؤتمر طشقند هو القيام بأعمال مشتركة، مع دول المنطقة والقوى العالمية، ضد التنظيمات المسلحة، الخطر الأكبر على أمن المنطقة وليس أفغانستان فحسب".

وما قد يؤدي دوراً مهماً هو اجتماع الروس والأميركيين على طاولة واحدة بشأن المصالحة الأفغانية، بعد تبادل اتهامات بين الطرفين أخيراً، إذ اتهم قائد القوات الأميركية في أفغانستان، الجنرال جون نيكولسون، في بيان أخيراً، روسيا بأنها تقف إلى جانب "طالبان"، وهي تمولها عبر تجار المخدرات، وتوفر لها الأسلحة من خلال الحدود الطاجيكية الأفغانية. في المقابل، تتهم موسكو الإدارة الأميركية بدعم تنظيم "داعش" ونقل مسلحيه إلى الشمال الأفغاني من أجل تخويف روسيا وخلق تهديد لها على الحدود مع أفغانستان. وكان مستشار الرئيس الأفغاني، حنيف أتمر، أكد، في مقابلات مع وسائل إعلام أميركية خلال زيارته لواشنطن أخيراً، أن باكستان تقف وراء الحرب في أفغانستان، وهي تفعل ذلك من خلال دعم حركة "طالبان" وإيواء مسلحيها وقياداتها، وبالتالي فإن مؤتمر طشقند يعتبر فرصة جيدة لباكستان للتعامل مع دول المنطقة والقوى العالمية، لا سيما أميركا، بشأن القضية الأفغانية. كما أنه سيزيد الضغوط على باكستان، لا سيما إذا أدى إلى تقريب وجهات النظر بين موسكو وواشنطن، الأمر الذي يسعى إليه غني.

ضغوط متزايدة على "طالبان"

ونتيجة التطورات أخيراً، ومنها إعلان الحكومة الأفغانية، في مؤتمر كابول، عن خطة للسلام، وإعادة التذكير بها في مؤتمر طشقند، فإن الضغط سيزيد على "طالبان"، إذ ثمة قيادات بارزة في الحركة تطالب "طالبان" بالعودة إلى الحوار، وخصوصاً أن الحكومة الأفغانية عرضت في الخطة كل ما كانت "طالبان" ترغب فيه. ومن هذه القيادات بعض المنشقين عن الحركة، كالملا عبد المنان وملا رسول، وقيادات تشغل مناصب مهمة في الحركة حالياً، كالمولوي عبد المنان نيازي، وهو مسؤول نصبته "طالبان" حاكماً على إقليم هلمند. وكشف مسؤول أمن إقليم قندهار، الجنرال عبد الرازق، خلال مؤتمر صحافي، عن أن "الحكومة الأفغانية تخرج قيادات في الحركة وأسرهم من باكستان، وتسمح لهم بالعيش في قندهار وفي الجنوب الأفغاني"، مشيراً إلى "أنهم ممن يرغبون بالمصالحة ويخشون من السلطات الباكستانية". كما أدت عمليات القصف الدولية المتواصلة على مراكز "طالبان" في الجنوب إلى اتخاذ الحركة قراراً بعدم شن عمليات هجومية والاكتفاء باستهداف المواقع الحكومية بعمليات انتحارية، بحسب ما قال نيكولسون. وبالنظر إلى كل تلك التطورات، فإن خطة السلام الأفغانية تعد فرصة جيدة لحركة "طالبان" للحفاظ على وحدتها ونفوذها قبل أن تتعرض إلى انقسامات بسبب الخلافات الداخلية، أو إلى تقويض نفوذها نتيجة الجهود الإقليمية والدولية واستهدافها المتكرر.

لكن صمت "طالبان" حيال كل ما يحدث يثير تساؤلات في حد ذاته. وثمة من يرى أن الحركة تنتظر الحوار بين باكستان وأفغانستان، والذي انطلق من جديد، بزيارة المستشار الأمني الباكستاني، الجنرال ناصر جنجوعه، إلى كابول، قبل نحو أسبوعين، وتوقعات بأن يزور رئيس الوزراء الباكستاني، شاهد خاقان عباسي، العاصمة الأفغانية كابول مطلع إبريل/ نيسان المقبل. وهناك من يعزو صمت الحركة إلى وجود خلافات داخلها بشأن المصالحة.