الصراع الأفغاني الباكستاني يتصاعد... والميدان يحاصر مساعي التهدئة

الصراع الأفغاني الباكستاني يتصاعد... والميدان يحاصر مساعي التهدئة

08 ابريل 2018
تظاهرات باكستانية تنديداً بالقصف على المدرسة الأفغانية(بانراس خان/فرانس برس)
+ الخط -
لا يزال الغموض قائماً بشأن تفاصيل القصف الدموي الذي وقع في الثاني من شهر إبريل/نيسان الحالي على مدرسة دينية في إقليم قندوز شمال أفغانستان، خصوصاً حول الضحايا وهدف العملية. وقالت الحكومة الأفغانية المركزية والمحلية إنها وجّهت ضربة قاسية لحركة "طالبان" في الشمال بعد أن قتلت أكثر من 15 قيادياً فيها خلال تلك العملية الجوية، ولكن الحركة تدعي في المقابل أن القتلى كلهم مدنيون، وأن العملية استهدفت مدرسة كوجر أخوند في مديرية دشت أرجي، الواقعة تحت سيطرة "طالبان".

وكما تضاربت تفاصيل الحادث، هكذا تفاوتت ردود الأفعال في الشارع، وهي ما تزال متواصلة على كل الأصعدة، بل في المنطقة كلها. وأغرب تلك الردود، التنديدات والاحتجاجات التي انتقلت إلى باكستان على مستوى الحكومة والأحزاب السياسية ومجموعات أخرى، لتفتح جدلاً جديداً مع جارتها الأفغانية. وبعد أن كان الأفغان يصبّون جام الغضب على الحكومة الأفغانية وحلفائها الأميركيين، بدأ الاهتمام يتحوّل إلى الردود الباكستانية أكثر من الحادث ذاته، وأضحى رواد وسائل التواصل الاجتماعي ينددون بالردود الباكستانية، أكثر من التنديد بالحادث ذاته، إذ إنها تستغل المشاعر الأفغانية، على حد قولهم.

وكانت الحكومة الباكستانية، وعلى رأسها رئيسها شاهد خاقان عباسي، والأحزاب السياسية والدينية والنقابات الصحافية، انتفضت حيال حادث الشمال الأفغاني، بدعوى أن الحكومة الأفغانية قتلت أطفالاً في مدرسة دينية وأثناء حفل تخرّج شارك فيه مئات المدنيين. البعض شبّهوا القضية بقتل الأطفال في مدرسة لأبناء العسكريين في هجوم لـ"طالبان" في مدينة بشاور الباكستانية في ديسمبر/كانون الأول عام 2014، والذي قُتل فيه 150 طالباً ومدرساً، وآخرون اعتبروها مؤامرة ضد البشتون.

في هذا السياق، كتب الكاتب والوجه الإعلامي المشهور في باكستان، أوريا مقبول جان، وهو من أحد المهتمين بالقضايا الأفغانية، على صفحته في "فيسبوك"، أن "الحكومة الأفغانية التي تدافع عن حقوق البشتون في باكستان، إذ كان الرئيس الأفغاني أول من أعلن تأييده لحركة البشتون، هي نفسها تقتل أطفال البشتون بلا هوادة، وتدمر المدارس والمساجد".
وعُقدت اجتماعات وسارت تظاهرات أمام نقابات الصحافيين في مختلف المدن الباكستانية، شارك فيها صحافيون باكستانيون مطالبين بالعدالة لضحايا الشمال الأفغاني، معربين عن أسفهم الشديد لاستهداف المساجد والمدارس الدينية من قبل القوات الأفغانية والأميركية. كذلك، دعت الأحزاب الدينية المعروفة في باكستان، ومنها الجماعة الإسلامية وجمعية علماء الإسلام، يوم الجمعة الماضي، إلى تظاهرات رُفعت خلالها لافتات ضد الحكومة الأفغانية، يصف بعضها الحكومة الأفغانية بقاتلة الأطفال.

تلك الردود الباكستانية جلبت اهتمام الشارع الأفغاني من التنديد بالحادث الأليم إلى السياسات الباكستانية وردود أفعالها، إذ اعتبر الأفغان تلك القضية مؤامرة ضد بلادهم. وتعليقاً على ذلك، قال الناشط الأفغاني نور الله خان أفغان، لـ"العربي الجديد"، إن "عدونا بدأ يستغل مشاعر الشعب ودماء الأفغان لأجل مصالحه"، مطالباً الشباب بالانتباه لما وصفها بـ"الخديعة الباكستانية". كذلك كتب غلام حيدرخان، أحد الناشطين الأفغان على صفحته في "فيسبوك"، "إننا لا بد من أن نتعامل مع كل القضايا بالتريث لأن باكستان التي أشعلت الحرب في بلادنا وتدمرها من خلال دعم الجماعات المسلحة، هي الآن تنتفض لأجل قتل أبنائنا، إن الهدف واضح".


هذا الواقع أثار تساؤلات عما إذا كانت الردود الباكستانية أضرت بالقضية ولماذا تستمر باكستان في التنديد بالحادث. ورأى بعض المراقبين أن ردود الأفعال الباكستانية هي سعي للانتقام مما قامت به الحكومة الأفغانية من تأييد ومساندة حركة البشتون التي تستعد لمرحلة ثانية من الاعتصامات في إسلام آباد خلال فترة وجيزة.
وبعد تغريدة الرئيس الأفغاني أشرف غني التي وصفت حركة البشتون في باكستان بأنها سعي لإحلال الأمن، معلناً تأييده لها، اعتبر البرلمان الأفغاني، خلال اجتماع عُقد لبحث موضوع البشتون في باكستان، أن ما يحدث هناك سببه ديكتاتورية الجيش الباكستاني، وأنه آن الأوان لأن يقف أحرار العالم كلهم مع هذه القبائل المضطهدة. كذلك ناقش مجلس الشيوخ الأفغاني حراك البشتون في باكستان، وقال رئيس المجلس عبد الهادي مسلم يار، في جلسة خاصة للمجلس، "إننا نقف مع حركة البشتون التي تأتي في الأساس لأجل الأمن ومعارضة الظلم الذي يمارسه الجيش الباكستاني على القبائل". ويُعدّ حراك البشتون الأول من نوعه منذ تأسيس باكستان عام 1947 وتقف في وجهه الاستخبارات الباكستانية وتقول علناً إنه يعارض سياسات الجيش الباكستاني، فيما يلمح زعيم الحركة منظور بشتون إلى أن كل الخيارات مفتوحة أمامها إذا وقفت السلطات الباكستانية في وجهها. في المقابل، تقول الحكومة الباكستانية إن الاستخبارات الهندية والأفغانية وراء هذا الحراك، وهي بدأت في الأيام الأخيرة بدفع الأحزاب الدينية والسياسية للوقوف في وجه هذا الحراك.

وأدى تطور آخر إلى توتير إضافي في العلاقات الأفغانية الباكستانية، إذ أعلنت الخارجية الأفغانية الخميس الماضي أن طائرات حربية باكستانية قصفت مناطق أفغانية في إقليم كنر شرقي البلاد، وخلّفت أضراراً مادية، محذرة من نتائج وخيمة إذا ما استمرت الانتهاكات الحدودية. في المقابل، ردت الخارجية الباكستانية على تلك الاتهامات، قائلة إن أساس القضية هو أن المسلحين يستخدمون الأراضي الأفغانية لشن هجمات على الأراضي الباكستانية. وقال مصدر قبلي في مقاطعة باجور القبلية الباكستانية، لـ"العربي الجديد"، إن مسلحي "طالبان" قتلوا 15 جندياً باكستانياً خلال عملية تشنّها قوات الجيش ضد المسلحين في المقاطعة، ومن ثم قامت الطائرات الحربية الباكستانية بقصف المواقع داخل الأراضي الأفغانية.

مقابل كل تلك التوترات وتبادل الاتهامات، تبرز محاولات لترميم العلاقة، فالتوتر بين البلدين يؤثر على المنطقة بأسرها. وقام رئيس الوزراء الباكستاني شاهد خاقان عباسي، قبل نحو أسبوع، بزيارة رسمية على رأس وفد رفيع المستوى إلى العاصمة الأفغانية كابول، التقى خلالها الرئيس الأفغاني أشرف غني والرئيس التنفيذي عبدالله عبدالله، وسياسيين آخرين منهم زعيم الحزب الإسلامي قلب الدين حكمتيار ورئيس المجلس الأعلى للمصالحة كريم خليلي.
لم تلق الزيارة اهتماماً كبيراً في الأوساط السياسية والإعلامية بسبب التطورات الأخيرة، بل ثمة من انتقدوا الحكومة الأفغانية، إذ كانوا يتوقعون رفضها الزيارة بسبب الانتهاكات الحدودية الأخيرة. لكن على العكس من ذلك، أبدت الحكومة اهتماماً كبيراً بها، واعتبر المتحدث باسم الرئاسة الأفغانية حسن مرتضوي في تصريح لـ"العربي الجديد" أنها انطلاقة جديدة للحوار بين الدولتين.

واتفق الطرفان خلال الزيارة على العمل المشترك لأجل المنطقة وتنفيذ مشاريع اقتصادية تسهم في تغيير حياة شعوب المنطقة بأسرها. ولكن بيان وزارة الدفاع الأفغانية الذي أصدرته بعد مغادرة رئيس الوزراء الباكستاني العاصمة الأفغانية، والتي أكدت فيه أن الصواريخ تسقط على المناطق الأفغانية، وأن القوات المرابطة على الحدود أمرت بالرد بالمثل وبأقوى صورة، يشير إلى أن الأحداث الميدانية تغلب على طاولة الحوار، وأن الجهود المبذولة لحل القضايا العالقة بين الجارتين تبقى تحت تأثير التطورات الميدانية، التي للقوى العالمية والمحلية يد كبيرة فيها.

المساهمون