نظام السيسي المستفيد الأكبر من محاولة اغتيال جمعة

نظام السيسي المستفيد الأكبر من محاولة اغتيال جمعة

05 اغسطس 2016
ركّز إعلام النظام على محاولة الاغتيال لتشتيت الانتباه (Getty)
+ الخط -
اعتبر مراقبون للمشهد المصري أن الإعلان عن محاولة اغتيال مُفتي مصر الأسبق، علي جمعة، اليوم الجمعة، بمثابة طوق نجاة للتغطية على مشكلات متعددة يعاني منها النظام المصري الحالي.

ويواجه النظام، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، أزمة اقتصادية طاحنة قد تُنذر بسقوطه، في ظل وصول عجز الموازنة العامة إلى 273 مليار جنيه (30 مليار دولار أميركي) عن الفترة من يوليو/ تموز إلى إبريل/ نيسان من العام المالي (2015-2016)، ما أجبر الحكومة المصرية على الانصياع لشروط صندوق النقد الدولي، من أجل الحصول على قروض بقيمة 12 مليار دولار.

وانخفض سعر الجنيه المصري إلى مستويات قياسية، ووصل الدولار إلى 13 جنيهاً في السوق غير الرسمية، فضلا عن تراجع عائدات قناة السويس خلال العام المنقضي بنحو 290 مليون دولار، بعد عام من "تفريعة السيسي" التي زعم نظامه من خلال الأبواق الإعلامية أنها ستدر مليارات الدولارات إلى القاهرة سنوياً.

وجاء التركيز الإعلامي على محاولة اغتيال "مفتي العسكر"، كما يطلق عليه قطاع واسع من المصريين، بالقرب من قصره الكائن بمنطقة غرب سوميد في مدينة السادس من أكتوبر، كمحاولة للتغطية على فشل النظام المصري في احتواء أزمات البلاد، خاصة الاقتصادية منها، والتي أضرت بشكل مباشر ببسطاء المصريين، جراء تصاعد أزمة زيادة أسعار كافة السلع الأساسية والخدمات العامة.

كما أنها تأتي تزامنا مع الذكرى السنوية لمشروع تفريعة قناة السويس، والذي أهدر على المصريين ستين مليار جنيه، دون عائد أو منفعة اقتصادية، وحالة السخط الشعبي الواسعة جراء الإجراءات الحكومية بحق محدودي الدخل.

محاولة الاغتيال التي لم تُوقع إصابات، أو تُسفر عن ضبط جناة، أدت إلى فرقعة إعلامية واسعة النطاق، وخرجت أذرع السلطة العسكرية على القنوات الحكومية والخاصة لتتحدث عن "ضرورة نبذ الخلافات، وتجاوز أي اختلافات أو أزمات"، والادعاء بأن الالتفاف حول الرئيس السيسي، والجيش والشرطة "واجب شرعي".





مشاهد تمثيلية
وفي أداء، اعتبره مراقبون، "تمثيلياً" لافتاً، وقف جمعة على منبر المسجد الذي يجاور مكان محاولة اغتياله، وخطب قائلا "إنه دعا ربه عند شبابه، وهو في حرم الكعبة أن يموت شهيدا"، مؤكدا "وقوف جميع المؤسسات الدينية على قلب رجل واحد في مواجهة قوى الإرهاب والتطرف".

واستغل جمعة الحادث للإشادة بدور القوات المسلحة في مواجهة من سماهم بـ"الخوارج"، داعيا السيسي إلى "الاستمرار في طريقه، لأنه على الحق"، بحسب قوله، فضلا عن أنه هنأ المصريين بمرور عام على افتتاح قناة السويس الجديدة، ودعاهم للفرحة من أجلها.

وقال جمعة في بيان رسمي: "تعودنا من الخوارج، كلاب أهل النار، وحبهم للعيش في الدماء، مثل هذه الأحداث الصبيانية، إلا أننا أقمنا الصلاة، لأن منهجنا عمارة المسجد والكون، وليس خراب الدنيا والآخرة، وعقيدتنا التعمير لا التكفير والتدمير".

وخرج جمعة على التلفزيون الرسمي، قائلا: "إذا مات علي جمعة، فإن هناك مئات من علماء الأمة يمثلون علي جمعة، بل هناك آلاف وملايين يدافعون عن الحق ضد فساد البشرية والأرض"، في مشهد مقتبس من حديث الرئيس الراحل أنور السادات عن سلفه جمال عبد الناصر عقب وفاته.

وأضاف جمعة، في تصريحاته المتلفزة، أن "محاولة اغتيالي الفاشلة لن تثنيني عن السير قدما على طريق الحق، وهي نهاية للجماعة الإرهابية التي تُزيد في الأرض فسادا وكذبا وافتراء، ولا تُريد أن تستمع إلى النصيحة".

الجاني مجهول
وقالت الداخلية المصرية إن الحادث وقع أثناء خروج جمعة من مسكنه إلى مسجد "فاضل"، القريب من محل إقامته، لإلقاء خطبة صلاة الجمعة، بواسطة مجهولين اختبأوا بإحدى الحدائق في خط سيره، وأطلقوا النار تجاهه، فبادلتهم قوة الحرس المكلفة بتأمينه إطلاق النيران، ما دفعهم للفرار.

وأضافت، في بيان رسمي، أن جمعة لم يصب بأي أذى جراء الحادث، بينما أسفر إطلاق النيران عن إصابة طفيفة في قدم أحد أفراد قوة التأمين، فيما فر مرتكبو الواقعة هاربين.

وسارعت مشيخة الأزهر، ودار الإفتاء، واللجنة الدينية بمجلس النواب إلى إدانة الحادث، ووصفه بـ"الإجرامي"، و"الخسيس"، مؤكدين الوقوف وراء أجهزة الدولة في محاربتها لقوى الإرهاب، والعمل على تجديد الخطاب الديني لمواجهة "أصحاب الفكر الأسود، والمتطرف لجماعات تُحسب على تيار الإسلام السياسي".

تاريخ غير مُشرف
وشغل جمعة منصب مفتي الجمهورية خلال عشر سنوات كاملة (2003 – 2013)، حارب خلالها تيارات الإسلام السياسي بكل ما استطاع من أدوات، ودعم انقلاب الجيش على الرئيس محمد مرسي في يوليو/ تموز 2013، وأجاز قتل المعارضين من أنصار جماعة "الإخوان المسلمين".

ووصف جمعة عقب الانقلاب كل من يحارب الدولة المصرية بالسلاح بـ"الخوارج"، أثناء إلقائه كلمة أمام وزير الدفاع آنذاك (السيسي)، ووزير الداخلية السابق محمد إبراهيم، مُجيزا لجنود الجيش والشرطة الحاضرين استخدام القوة، وقتل المعارضين المعتصمين بقوله "اضرب في المليان".

علاقته بجماعة "غولن"
رئيس الشؤون الدينية التركية، محمد جورماز، اتهم مفتي مصر السابق، بالارتباط بجماعة فتح الله غولن، المتهم الأول بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة التي تعرضت لها تركيا منتصف يوليو/ تموز الماضي.

وقبل محاولة الاغتيال، بساعات قليلة، قال جورماز في حوار صحافي مع موقع "هافنغتون بوست" الأميركي، إن جمعة يرتبط بعلاقة وثيقة بأعضاء بجماعة غولن، وتواصل أحدهم معه عقب فض اعتصام "رابعة العدوية" بالقوة في أغسطس/ آب 2013، من أجل تدخل الأزهر لوقف نزيف الدماء المصريين في الشوارع.

وأضاف جورماز أن جمعة طلب حينها مقابلة رجل الدين التركي، ليشرح له الوضع، فعرض عليه الأخير القدوم إلى مدينة إسطنبول، إلا أن جمعة رفض، واتفقا أن يلتقيا بعد يومين من المكالمة في العاصمة الأردنية عمّان، لمناقشة دور العلماء المسلمين في وقف المذابح التي جرت في مصر.



دلالات

المساهمون